قدمان منتفختان أثقلت كاهله حتي شلت حركته بالكُلية، مع وزن بات فوق المحتمل جعله لا يفارق فراشه، ينام في وضع الجلوس ويقضي حاجته في نفس موضع جلسته، في ظل حالة صحية تتراجع وأعباء مادية تتضاعف. يحمل" وحيد" أطنانًا من الترهلات والأوبئة، وجلدًا خشن يخيف صغار الأقارب، لا تحمله قدماه بسبب لعنة "الفيل" والمرض الذي أحاله رغمًا عنه للمعاش المبكر وتشريد أسرته و3 فتيات في سن الزواج. يقول عم وحيد البالغ من العمر 53 عامًا، "اعتدت الجلوس وحيدًا في عزلة تامة عن المحيط الخارجي، أوصل الليل بالنهار في غرفة مظلمة، وزني يتزايد ولا أجد سبيلًا للشفاء، كما لا أجد مستشفى تتبنى حالتي". يستكمل الرجل المسن حديثه.. أصيبت بالمرض منذ 8 سنوات تقريبًا، وعندها توقفت حياتي تمامًا، قبل ذلك التاريخ كنت أمارس حياتي الطبيعية وأذهب لعملى وأكفي احتياجات أسرتى ، دون الاحتياج لأي مساعدة من قريب أو غريب. يضيف الرجل ، أن بداية مأساته كانت مع ظهور ورم في النصف الأسفل من جسده، منذ 8 سنوات، و نصحه الأطباء آنذاك باستئصال هذا الورم، ويشير إلى أن الورم عاد مرة أخرى بعد شهر فقط من إجراء الجراحة، ولكن بشكل مضاعف جعل حالته تتدهور تدريجيًا. وحيد ليس كغيره، حيث يستعين جيرانه وزوجته وأقاربه بملاءة كبيرة لنقله من مكان لآخر داخل شقته الصغيرة المكونة من غرفتين فقط بمنطقة حلوان، كما يجد صعوبة بالغة في إيجاد ملابس تستر جسده بسبب زيادة وزنه، لذا يضطر لستر نفسه بملاءة أخرى، مع الإبقاء على جلباب كبير الحجم ، صنعه خصيصًا لاستقبال الضيوف أو الذهاب للمستشفى. يختنق صوت الرجل، حرجًا وحياءً وهو يقول.. "يا بنتي أنا بعملها في مكاني، مين هيقدر يشيلني ويدخلني الحمام كل ساعتين، وفين الباب اللي يسمح بدخول وزني دا" مؤكدًا أنه ينام في وضع الجلوس وأنه لم يعد يعرف للراحة طريق. يعول الرجل 3 فتيات وزوجة، ولا يوجد له مصدر دخل بعد أن أحيل على المعاش بسبب مرضه، كما يشكو مر الحاجة من المصاريف وتكاليف الدواء التي أثقلت كاهله بعد انسحاب الأيادي الرحيمة التي كانت تتكفل بعلاجه شهريًا. لقاءات صحفيه وعدسات تلتقط للرجل العديد من الصور وحملات تبنتها بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي- كلها مساعٍ لم تفلح في إيجاد حل لمعاناة الرجل. يعلق دكتور أحمد حسن بكر البدوي، مدرس بقسم جراحة الأوعية الدموية، بجامعة القاهرة، موضحًا أن مرض "داء الفيل"، عبارة عن إلتهاب في الأوعية الليمفاوية، يؤدي إلى تضخم المنطقة المصابة التي تكون غالبا أما الأطراف أو منطقة أسفل البطن أو أجزاء من الرأس. كما يلفت إلى أن مسبباته، إما عن طريق لدغ البعوض، بالمناطق النائية خاصة في الصعيد، وإما أن يكون العامل وراثي، أو تأتي الإصابة بعد وقبل الولادة. يستكمل "البدوي" حديثه.. بداية المرض تبدأ بأعراض تتشابه كثيرا مع البرد والأنفلونزا، مصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة، وهو ما يجعل هناك صعوبة في التشخيص المبدئي، ثم ورم في الغدد الليمفاوية وتنتهي بانسداد تام بها ما يحدث استمرار في تورم الساق والقدمان. يؤكد الطبيب أيضًا، أن إمكانية الشفاء من المرض تكون في البدايات مع التزام المريض بارتداء الجوارب الضاغطة والأربطة، ويلفت إلى أن إهمال المرض يؤدي إلى نسب ضئيلة في الشفاء حتى مع التدخل الجراحي واستئصال الزوائد التي تلحق الجسد وقد تزيد على ال 100 كيلو جرام. "يتجه العالم المتقدم حاليًا للعلاج بالجينات والحقن لتخليق أوعية ليمفاوية جديدة بدلًا من التي أصيبت بالانسداد، مع توافر مراكز متخصصة تهتم برعاية هؤلاء المرضى نفسيًا وعضويًا"- معلومة أضافها "البدوي" كما تٌعرف منظمة الصحة العالمية مرض الفيلاريات أو ما يعرف ب"داء الفيل"، بأنه أحد الأمراض المُهمَلة التي تحدث العدوى عندما تنتقل الطفيليات الفيلارية إلى الإنسان عن طريق البعوض وأنها العدوى عادة ما تحدث في مرحلة الطفولة، وتُسبب ضررًا غير ظاهر في الجهاز اللمفاوي. "يؤدي المرض لحدوث تشوهات شديدة أبرزها تورم منطقة أسفل البطن،وأن مرضاه لا يعانون من الإعاقة الجسدية فحسب، بل يتعرضون لأضرار نفسية واجتماعية وخسائر مالية، تؤدي إلى وقوعهم في براثن الفقر" بحسب تقرير المنظمة لعام 2017 يضيف التقرير أيضًا، أن نحو947 مليون شخص يعانون من مرض "داء الفيل"، موزعون على 54 بلدة يقع معظمها في القارة الإفريقية التي تعد بيئة خصبة لانتشار العدوى نظرًا لطبيعة المناخ وارتفاع درجات الحرارة فيها، وأن الرجال أكثر عرضة للمرض مقارنة بالنساء - وفق تقرير المنظمة لعام 2017. "ياريت ألاقي مستشفى تقبلني، بناتي على وش جواز وأنا بقيت حمل تقيل عليهم وعلى زوجتي " - قالها عم "وحيد" بحزن ثم نَكَسَ رأسه، بشكل لا إرادي وراح يغط في نوم عميق أثناء حديثه بعد أن قضى ليلته بين الألم والنظر لقدمه العملاق ولما وصل إليه حال أسرته، تشق رأسه التساؤلات، إلى متى ستظل هذه الجلسة وما مصير البنات والأم، خاصة وأن معاشه لم يعد يكفيهم "العيش الحاف" –على حد قوله.