لما كنت رضيعًا كان النيل حليبي حدثني ضرع الصنبور طويلًا عنه تركت قماطي وتتبعت شعيرات اللبن إليه سراديبًا تأخذني لسرايب وأنابيبًا تسلمني لأنابيب حتى ألفيت بوجهي يا للروعة صحن زبيب ناديت جميع الرضع جاءوا كالنمل تحلقنا حول ضفاف الصحن الأعجوبي من شط جنوب المتوسط حتى الشلال النوبي واستغرقنا الوقت تسيجنا "كيزان" الذرة المشوية و"قراطيس" الترمس ومزاح الغالب في ورق اللعب مع المغلوب وكبرت فصار النيل حبيبي والشاطئ صار مكان الوصل وصارت شمس العصر سفارة موعدنا المضروب صار الرضع عشاقًا صرنا أبناءً آباءً نأكل من جسد النيل جميعًا عيش المصريين المخبوز رغيفًا شمسيًا يطلع من سنبلة الفجر ويبقى معنا دون غروب نشرب من دمه الخمري المصبوب في أعواد القصب عناقيد التوت فصوص الرمان قرون الخروب نقرأ في راحته المبسوطة دومًا خط الوعد وخط السعد وخط الحاصل والمكتوب ونغني في حنجرة واحدة بالصوت المسكوب بين نخيل الشطين على بلد المحبوب فيرد النيل علينا آه آه على بلد المحبوب.