لم تهدأ عاصفة "تشارلوتسفيل" بعد، فالأجواء التي خلفتها أحداث العنف الدموية في المدينة الهادئة بولاية فيرجينيا، وما رافقها من جدل ومواقف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اعتبرها كثيرون أنها تخلط الأوراق وتساوي بين "الجلاد" و"الضحية" أو بين "اليمين المتطرف" و"المناهضين للكراهية"، أدى كل ذلك إلى تراجع كبير في شعبية ترامب وابتعاد النخبة السياسية والاقتصادية عنه. وقد امتلأت الصحف الأمريكية وشاشات التليفزيون بقصص عديدة تظهر أن شرعية ترامب أو ما تبقى منها بدأت تنفد، فبعد ابتعاد عدد كبير من رجال المال والاقتصاد عنه بشكل جماعي، أصدر جنرالات الأفرع العسكرية الخمسة في القوات الأمريكية بيانات تنتقد ترامب، وتؤكد نبذهم العنصرية والكراهية. كما عبر عدد من موظفي البيت الأبيض عن شعورهم بالحزن واليأس تجاهه، بل أن عددا من القيادات السياسية المحافظة وقادة الحزب الجمهوري أصبحوا ينأون بأنفسهم عنه، أو شرعوا في تسريب تصريحات تعكس عدم رضاهم إزاء الرئيس. وامتد السخط، عبر المحيط الأطلسي، إلى أقرب حلفائه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي قالت إن كل مسئول عليه أن يدين تصرفات وأفعال اليمين المتطرف أينما وجدوا، في إشارة واضحة لترامب. ويقول مراقبون إن ترامب لم يخسر فقط في الأزمة الأخيرة الأصوات المتأرجحة والخافتة داخل صفوف الأقليات من الأمريكيين الأفارقة واليهود والمسلمين والآسيويين وذوي الأصول اللاتينية "الهسبانك"، لكنه خسر أيضاً دعم عدد من رجال الكونجرس المنتمين إلى حزبه الجمهوري، بعد أن ساند خصومهم في الانتخابات المقررة العام القادم، متمنيًا خسارتهم. وهكذا يتوقع بعض الكتاب والمحللين، الذين كانوا من أكثر المقربين من ترامب، ألا يستمر في الحكم كثيرا، مرجحين بدء سلسلة من الإجراءات التي تقود في النهاية إلى إزاحته عن السلطة ربما مع نهاية العام الحالي، وهناك حديث متزايد، خاصة بين النواب الديمقراطيين في الكونجرس نقلته وسائل إعلام أمريكية، بضرورة البدء في اتخاذ إجراءات إدانة الرئيس، بما يقود في النهاية إلى نزع سلطاته، ولكن يبقى السؤال هو كيف يمكن أن يتم ذلك؟. توجيه الاتهام والإدانة من الكونجرس وفقا للدستور، فإن الرئيس ونائبه وجميع المسئولين الأمريكيين يمكن إزاحتهم من السلطة عقب توجيه الاتهام لهم، وإدانتهم بالخيانة أو تلقي رشوة أو ارتكاب جرائم أو سوء السلوك والتصرف. تبدأ هذه العملية في مجلس النواب، حيث يستطيع عدد من الأعضاء التقدم بمشروع قرار بتوجيه اتهام للرئيس أو نائبه أو أي مسئول آخر، أو أن يطلق مجلس النواب إجراءات، من خلال التصديق على مشروع قرار يخول إجراء التحقيق. وخلال التاريخ المعاصر للولايات المتحدة، أشرفت اللجنة القضائية في مجلس النواب على إجراءات اتهام رؤساء سابقين، حيث يتطلب الأمر التصويت بالموافقة بأغلبية بسيطة داخل اللجنة، لينتقل مشروع قرار الاتهام إلى مجلس النواب بهيئته الكاملة، وهنا يحق لزعيم الأغلبية في مجلس النواب، وهو الآن الجمهوري "كيفين ماكارثي"، أن يطرح قرار اتهام الرئيس أو المسئول للتصويت من كامل المجلس الذي من شأنه أن يقر الفقرات الخاصة بالاتهام بالأغلبية البسيطة. بعد ذلك ينتقل الأمر إلى مجلس الشيوخ الذي يحق له التحقيق ومحاكمة الرئيس أو المسئول، لكن التصويت على إدانة الرئيس أو المسئول يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس، وهو ما يعني العزل من السلطة. وفي حال حدوث ذلك، أي عزل الرئيس، يتولى نائب الرئيس، مايك بنس، السلطة، حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. وخلال العقود الماضية، واجه رئيسان أمريكيان إجراءات الاتهام، هما الرئيس "أندرو جونسون" عام 1868، والرئيس "بيل كلينتون" عام 1998، لكن أيا من الرئيسين لم تتم إدانته من مجلس الشيوخ، لكن الرئيس "ريتشارد نيكسون" فضل الاستقالة عام 1974، ليتجنب اتهامه وإدانته من الكونجرس في فضيحة "ووترجيت" الشهيرة. التعديل 25 من الدستور في عام 1967، وبعد سنوات قليلة من اغتيال الرئيس "جون كينيدي"، أضيف التعديل رقم 25 في الدستور، لتوضيح العديد من القضايا المتعلقة بخلافة الرئيس ونائبه، وعدم قدرتهما أو صلاحيتهما للحكم، فوفقا للفقرة الرابعة من هذا التعديل يحق لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الإدارة من الوزراء، أو أغلبية أعضاء الكونجرس، أن يعلنوا، وفقا للقانون وبشكل كتابي، أن الرئيس غير قادر على ممارسة صلاحياته وواجباته في السلطة. وإذا وصل هذا الإعلان المكتوب إلى رئيس مجلس النواب والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ، حال غياب نائب الرئيس الأمريكي، يتولى نائب الرئيس السلطة كقائم بأعمال الرئيس. ومع ذلك يحق للرئيس العودة إلى تولي السلطة بعد أن يخطر مجلسي النواب والشيوخ بعدم وجود ما يحول دون ممارسة صلاحياته، ولكن إذا اعترض خلال أربعة أيام نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة، أو أغلبية أعضاء الكونجرس على ذلك، يجتمع الكونجرس بمجلسيه خلال 48 ساعة، ليقرر بأغلبية ثلثي أعضاء كل مجلس، على حدة، استمرار نائب الرئيس في عمله، ويجري عزل الرئيس ولا يعود لممارسة سلطاته، أما إذا فشل التصويت في تجاوز نسبة ثلثي الأصوات، يظل الرئيس ويباشر مهامه وصلاحياته.