ألقت قضية محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بظلالها على الواقع السياسي الأمريكي في الفترة الأخيرة، لا سيما بعد عدة تطورات، استغلها نواب بالحزب الديمقراطي لتعزيز اتهامات، كانت وجهت للرئيس الجمهوري، بعد فوزه بأيام في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تتعلق بتعاون حملته الانتخابية مع روسيا. من بين هذه التطورات المثيرة التي أعادت إلى الواجهة قضية تدخل روسيا في نتائج الانتخابات الأمريكية اللقاء الأخير الذي جمع ترامب بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في واشنطن، بالإضافة إلى إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، الذي كان موكلًا له إدارة ملف التحقيقات مع الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي. مؤشرات للمحاكمة كافة المؤشرات تتجه إلى نتيجة واحدة بأن الكونجرس قاب قوسين أو أدنى من التصويت على محاكمة دونالد ترامب، بعد مطالبات عدة دعا إليها نواب لعزل الرئيس الأمريكي على واقع تعدد الاتهامات الموجهة له وتصاعد الشكاوى بعدم الإيفاء بوعوده، وإن كانت لا توجد دلائل دامغة مع أعضاء الكونجرس لإجراء المحاكمة. من جانبه طالب عضو الكونجرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي آل جرين أمس بعزل الرئيس دونالد ترامب من منصبه، بدعوى عرقلته سير العدالة، وذلك لإقالته كومي، الذي كان يجري تحقيقًا في اتصالات مزعومة بين حملة ترامب وروسيا خلال الانتخابات الأمريكية في 2016، بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية. ولم يكن الحزب الديمقراطي هو الوحيد الذي يعارض في الفترة الأخيرة الرئيس الأمريكي، حيث انتقد السيناتور الجمهورى الأمريكي جون ماكين الثلاثاء بشدة ترامب، لا سيما بعد اتهامه بكشف معلومات سرية عن تنظيم "داعش" لوزير الخارجية الروسي خلال لقائه الأخير، وقال ماكين "إن المعلومات التي تحدثت عن أن الرئيس تقاسم معلومات حساسة مع مسؤولين روس مقلقة جدًّا"، مضيفًا أن "الأنباء التي تحدثت عن أن هذه المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها الولاياتالمتحدة من دولة حليفة، وتم تقاسمها من دون علمها، تبعث رسالة مقلقة لحلفاء واشنطن وشركائها في العالم، وقد تثنيهم عن تقاسم معلومات استخباراتية معنا مستقبلًا". ويأتي انتقاد أعضاء من الحزب الجمهوري ليكون مؤشرًا واضحًا على صعوبة المرحلة التي يمر بها الرئيس دونالد ترامب، حيث دائمًا ما كانت الانتقادات تصدر في السابق عن الحزب الديمقراطي، لكن يبدو أن رغبة ترامب في تعزيز العلاقات مع موسكو تصطدم بغضب حزبه الجمهوري أيضًا، حيث استطرد ماكين حديثه معبرًا عن أسفه من أن يكون ترامب أمضى وقته مع لافروف لتقاسم معلومات بدلًا من "الاهتمام بالسلوك العدائي لروسيا"، بحسب قوله. وعبر برلمانيون بالكونجرس الثلاثاء الماضي عن ذهولهم من التقارير التي تتحدث عن تداول الرئيس الأمريكي معلومات سرية تتعلق بالعملية التي يتم الإعداد لها ضد تنظيم داعش مع لافروف والسفير الروسي في أمريكا. وعلى تويتر قال ترامب «بصفتي رئيسًا، رغبت في أن أتقاسم مع روسيا، وهو حقي المطلق، وقائع تتعلق بالإرهاب والسلامة الجوية، ولأسباب إنسانية أرغب أيضًا في أن تسرع روسيا بشكل كبير حملتها ضد تنظيم داعش والإرهاب». وما إن مرت ساعات على تغريدة ترامب، حتى رد عليه شاك شومر زعيم المعارضة الديمقراطية في مجلس الشيوخ بقوله «إذا كانت هذه المقالات صحيحة، فهذا يعني أن الرئيس أضعف بشكل خطر أمننا القومي». وطلب تسليم التقرير حول اللقاء بين ترامب ولافروف وكيسلياك إلى لجان الاستخبارات في الكونجرس. وفي الفترة الأخيرة تُجرَى تحقيقات موسعة في موضوع علاقة روسيا بالانتخابات الأمريكية، إذ قررت وزارة العدل الأمريكية إجراء تحقيق خاص بعلاقة ترامب مع روسيا، إلا أن هذا التحقيق الذي قد يستمر شهورًا يحتاج إلى دلائل دامغة لتوثيقه؛ حتى يمكن للكونجرس أن يصوت عليه في جلسة عامة؛ لاتخاذ قرار بالمحاكمة. واشتكى ترامب بالأمس من أنه يعامل بطريقة سيئة، وبأن الظلم الذي لحقه لم يطل أي رئيس أمريكي على مر التاريخ، لكنه قال: سأقاتل وأقاتل، ولا أستسلم أبدًا، وستجري الأمور على خير. مطالبًا بسرعة الانتهاء من قضية تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية لصالحه، وعلى الرغم من أنه لا يوجد حتى الآن ما يمثل دليلًا دامغًا على تورط ترامب في قضية روسيا، ما يبرر محاكمته بتهمة الخيانة، حيث لا يجد الكثيرون من الكونجرس أسسًا قوية لمحاكمة الرئيس، إلا أن تسارع الأحداث والتطورات والتحقيقات قد يحمل مفاجآت عدة، من الممكن أن تقلب الموازيين في أيام قليلة، فاليوم الخميس أبلغ مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مطلعون «رويترز» أن المستشار السابق لترامب مايكل فلين ومستشارين آخرين كانوا على اتصال مع مسؤولين روس وآخرين ممن لهم علاقات بالكرملين، عبر ما لا يقل عن 18 مكالمة هاتفية ورسالة إلكترونية خلال الشهور السبعة الأخيرة من السباق الرئاسي في 2016، الأمر الذي، بحسب رويترز، يراجعه حاليًّا مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي) وأعضاء من الكونجرس. قانونية المحاكمة بحسب الدستور الأمريكي توجد مادة تحدد فيها آلية محاكمة المسؤولين الكبار، ومن ضمنهم الرئيس الأمريكي، حيث يوجه الكونجرس التهم للمسؤول بناءً على تحقيق خاص، وفي حال إثبات الاتهام يترأس رئيس المحكمة العليا الجلسات، ويتطلب توجيه الاتهام وبدء المحاكمة بموافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين، وتتطلب الإدانة وخلع الرئيس من منصبه موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ. ولا تتعدى الأحكام في حالات الاتهام بالكونجرس حد العزل من المنصب، وتقرير عدم الأهلية لتولي منصب شرفي، ولكن الرئيس المدان يبقى مع ذلك عرضة وقابلًا للاتهام والمحاكمة والحكم عليه ومعاقبته وفقًا للقانون. محاكمة رؤساء سابقين جونسون واجه الرئيس الديمقراطي الأسبق أندرو جونسون، الذي حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية في ستينيات القرن قبل الماضي، تحديات عدة خلال فترته الرئاسية، حيث تولى الرئاسة مع نهاية الحرب الأهلية، مفضلًا أن تتم إعادة الولايات المنفصلة للاتحاد الأمريكي بسرعة، لكن خططه لم توفر الحماية للعبيد السابقين، الأمر الذي أدخله في صراع مع الكونجرس، الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون، وبلغ هذا الصراع ذروته بإجراء تصويت على عزله في الكونجرس. وفي عام 1868 واجه جونسون محاولتين فاشلتين لمحاكمته (لم تصوت أغلبية ثلثي النواب على بدء المحاكمة)، وفي المرة الثالثة (بعد إقالته وزير الدفاع)، صوت النواب بأغلبية 126 مقابل 47 صوتًا لمحاكمته بتهم "الجرائم الشنيعة وسوء التصرف"، لكن في المحاكمة تم تبرئته بفارق صوت واحد، إذ صوت الشيوخ بنسبة 35 مقابل 19 لعزله، ليعتبر أول رئيس أمريكي يتعرض لهذا الإجراء. نيسكون في السابع عشر من يونيو عام 1972 واجه الرئيس ريتشارد نيسكون اتهامات بتحريض عدد من الأشخاص على ارتكاب جرائم عُرفت حينها بقضية «ووترغيت»، حيث ألقي القبض على خمسة أعضاء في لجنة إعادة انتخاب نيكسون، بتهمة اقتحام المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي الوطني في مبنى ووترغيت، في واشنطن، وبعد عامين من التحقيق تم الإعلان عن الجرائم، التي ارتكبت باسم نيكسون، منها التجسس على أنشطة الحزب المنافس؛ إذ وضع المسؤولون عن حملة انتخاب نيكسون أدوات تجسس داخل المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي، في مبنى ووترغيت، عرفوا عن طريقها عديدًا من المعلومات الحساسة، التي يُعتقد أنها ساعدت على إعادة انتخاب نيكسون. وفي يوليو عام 1974 وجهت لجنة العدالة القضائية، برئاسة الديمقراطي بيتر رودينو، ثلاث تهم للرئيس نيكسون، وهي: إعاقة العدالة، وإساءة استخدام سلطاته الرئاسية، وعدم الامتثال للاستدعاءات القضائية، ودافع محامي البيت الأبيض عن الرئيس، مبررًا أعماله بأنه قد يكون بلا علم بها، إلا أنه نصح بالتعتيم والتغطية عليها عند علمه بها. ونتيجة لهذه الاتهامات أحيل الرئيس رسميًّا للمحاكمة من قبل مجلس النواب لعزله من منصبه، وقبل أن تتطور القضية إلى هذا الحد، استقال نيكسون من منصبه، في الثامن من أغسطس عام 1974. كلينتون امتثل بيل كلينتون لتحقيق خاص بشأن "علاقة غير مناسبة" مع المتدربة في البيت الأبيض، «مونيكا لوينسكي»، ووافق مجلس النواب بأغلبية الثلثين على توجيه تهمتين للرئيس ومحاكمته بالتزوير وإعاقة العدالة، لكن الرئيس اعترف بغلطته، وطالب بالصفح عنه، فبرأه مجلس الشيوخ من هذه التهمة، وأكمل فترة ولايته. جورج بوش في عام 2006 أعلنت محكمة أمريكية أن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن تجاوز صلاحياته بإنشاء المحاكم العسكرية الاستثنائية ل"محاكمة المقاتلين الأعداء" المعتقلين في جوانتانامو، في إطار "الحرب على الإرهاب"، كما صوت زعماء النواب الديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي، في 5 ولايات أمريكية علي مذكرة تدعو الكونجرس إلي عقد محاكمة للرئيس الأمريكي جورج بوش، لمساءلته في العديد من الممارسات التي ترقى إلى جرائم بانتهاك القانون والسلطات، لكن على الرغم من كل هذه المطالبات لم ترقَ القضية إلى المناقشة في مجلس النواب والمحاكمة.