"البجوات"، لفظة يستخدمها أهالي الوادي الجديد، للإشارة إلى كلمة "قبوات" -جمع قبو- ويطلقها مواطنو المحافظة على الجبانة المسيحية، التي تعلو مقابرها "القباب" المبنية من الطوب اللبن، والتي يعود تاريخها بين القرنين الثاني والسابع الميلادي، وتقع خلف معبد "هيبس" الأثري بواحة الخارجة. تلك "الجبانات" الأثرية، كانت -وما زالت- خير شاهد على بداية العصر المسيحي، الذي فر فيه أقباط مصر بدينهم؛ خوفًا من الاضطهاد الروماني للمسيحية، عندما قرروا الاستقرار في صحراء الوادي، بعيدًا عن أيادي وبطش الأباطرة الرومان. "البجوات" تبدو الآن بشوارعها وهياكلها القائمة، كمدينة مهجورة، تحوي 263 هيكلًا، أكثرها مزخرف من الخارج، أما قبابها فمزينة بأجزاء مختلفة من نصوص التوراة والإنجيل، بالإضافة إلى الروسومات المسيحية، التي تتميز بألوانها الزاهية المرسومة على طريقة "الفريسكو"، والتي تعني خلط الألوان بالماء للرسم، ورغم جمال هذه الروسومات، إلا أنها سريعة التآكل والاندثار. مناخ الوادي الجديد الجاف، ساعد جبانة "البجوات" على الاحتفاظ واستمرار ألوانها طيلة هذه القرون، والتي يعلو العشرات من هياكلها آلاف الكتابات باللغات الإغريقية واللاتينية والقبطية والعربية. منصور عثمان، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية بالوادي الجديد، قال في تصريحات ل "بوابة الأهرام"، إن أهم العناصر الأثرية للبجوات، هي "مزار السلام"، و"مزار الخروج" و"الكنيسة"، لافتا إلى أن "مزار السلام" سمي بهذا الاسم لوجود رمز السلام، مصورًا بقبة المزار، وهو من أكثر المزارات شهرة لدى دارسي الفن، ويطلق عليه الباحثين الأوربيين اسم"مقبرة البيزنطية".
وأضاف أن "مزار الخروج"، فصوره تجسد قصة خروج بني إسرائيل من مصر، وتعقب فرعون وجنوده لهم، كما صورت الرسوم الزاهية الألوان به، بعض القصص المقتبسة من كتاب العهد القديم، مثل قصة النبي نوح، وقصة فداء النبي إسماعيل، وغيرها من القصص الدينية. وأشار "منصور" إلى أن الجبانة يوجد بها "مخربشات" تتمثل في الكتابات والخطوط التي سجلها زوار البجوات، وتكثر هذه الظاهرة على جدران المقابر المزينة بالصور، أو المكسوة ب"الملاط"، ويبلغ مجموعها 63 "مخربشة"، المكتوب منها باللغة العربية يبلغ عددها 29، بينما المخربشات الإغريقية يبلغ عددها 19، والقبطية 12 مخربشة، مؤكدًا أن الكتابات العربية بدأت منذ القرن التاسع الميلادي. لم ينته التاريخ عند البجوات، ولم يرض بالوقوف عند وصف القصص الدينية، بالروسومات زاهية الألوان التي تزينها، بل امتد إلى جوار البجوات، ليكشف عن بقايا مساكن "عين سعف"، التي كانت تعد المساكن الرئيسية لأهل "البجوات في حياتهم، بالإضافة إلى الكنيسة "الباذليكية"، التي تقع وسط الجبانة، وتطل على مدينة الخارجة القديمة. الكنيسة "الباذلكية" يشبه تخطيطها المعماري المحاكم الرومانية، ولم تصمم على هيئة الكنيسة، ولكن تم تحويلها فى القرن الخامس والسادس الميلادى إلى كنيسة، ومكانًا للتعبد. جبانة "البجوات"، ومساكن "عين سعف"، والكنيسة "الباذلكية"، إنما هي أماكن اجتمعت فيها، روعة التصميم، وزينتها أبهى الألوان، وغلفتها الحضارة بصبغة أثرية، لتصبح جميعها أيقونة تاريخية، تضاف لسجل مصر الأثري في تلك الصحراء الحارة بالوادي الجديد، والتي ستظل تجذب الأنظار إليها، حتى بعد أن تحولت لمكان مهجور. مقابر البجوات بالوادي الجديد