يقول الأثريون إن نقل الآثار واستخدامها في أعمال بناء المنازل والمساجد والكنائس وكذلك صهاريج المياه كان من الأمور العادية في مصر قبل تأسيس علم الآثار والاهتمام به، حيث تضم مصر آلاف القطع الأثرية المتواجدة في كنائس ومساجد وأديرة وكذلك منازل المصريين. وأوضح أثريون أن نقل الأحجار قضى على الكثير من المعابد الفرعونية التي كانت تتواجد بمنطقة الأهرامات بالجيزة. كانت وزارة الآثار أعلنت، السبت الماضي، اكتشاف اللوحة الأثرية التى تم اكتشافها أسفل مئذنة مسجد أبو شوشة، بقرية ديروط مركز المحمودية، وهي عبارة عن لوحة من حجر الكوارتزايت بطول 2,48 م وعرض 51 سم وعليها نقوش باللغة الهيروغلوفية عبارة عن نص يوضح تقديم قرابين للإله. وقال المكتب الإعلامي لمحافظة البحيرة في بيان إن المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة وجهت بالحفاظ على اللوحة الأثرية التي تم اكتشافها أسفل مئذنة مسجد أبو شوشة بقرية ديروط مركز المحمودية مع قيام الجهات المعنية من الآثار بحماية الأثر والحفاظ عليه؛ لما يمثله من قيمة أثرية وتاريخية، حيث يعد ثاني أهم اكتشاف لمخطوطات باللغة الهيروغليفية تم اكتشافها بالبحيرة بعد حجر رشيد الأثري الذي اكتشف بمدينة رشيد أثناء الحملة الفرنسية في بداية القرن الثامن عشر. وقال الأثري محمد حسن، مفتش الآثار بمنطقة الوادي الجديد ل"بوابة الأهرام" إن اللوحة المكتشفة في مسجد البحيرة تظهر تقديم القرابين للآلهة، "وهي فكرة كان معمولًا بها في عصور الدولة القديمة والحديثة"، لافتًا إلى أن "الكثير من المساجد الأثرية في المحافظات المصرية تضم أحجارًا أثرية مثل مئذنة مسجد المحيدس وهي تنتمي للعصر الفاطمي في الخارجة كذلك بعض المساجد في شارع المعز بالجمالية بالقاهرة، بالإضافة لمسجد سيدي أبو الحجاج الأقصري في الأقصر"، مشيرًا إلى وجود منازل إسلامية في منطقة الداخلة بالوادي الجديد تحوي كذلك أحجارًا فرعونية مثل قاعة المحكمة في الداخلة حيث تم نقل أجزاء من معبد الإله تحوت واستخدامها في البناء. وأوضح حسن أن الآثار المنقولة محيت الزخارف بها وصارت غير واضحة؛ "حيث كان البناء يعتمد على الطوب اللبن وتوضع فيه الأحجار الفرعونية"، لافتًا إلى أن "هناك معابد فرعونية تحولت لكنائس وأديرة مثل معبد هيبس وغيرها حيث كانت هذه الأمور اعتيادية منذ قديم الأزمنة". ويضيف: ومسجد أبو شوشة بالبحيرة الذي اكتشفت فيه اللوحة يقع على النيل - فرع رشيد- بقرية ديروط بحري مركز المحمودية وأنشأه الأمير عيسى العادلى سنة 961 هجرية وتوالت عليه عدة ترميمات في بداية القرن التاسع عشر وآخر تجديد للمسجد كان عام 2003 م على أيدي أهالي القرية ولم يتبق من المسجد الأثري سوى المئذنة التي يتم حاليًا إعادة فكها وبنائها. وتعد اللوحة الأثرية أحد أساسات تلك المئذنة، كما تبقى القبة الضريحية الملحقة بالمسجد من الناحية الغربية. وأضاف الدكتور عصام حشمت، مدرس الترميم في جامعة جنوب الوادي بقنا، أن "عادة نقل الأحجار والأعمدة من المعابد الفرعونية كانت مستمرة لعهود"، لافتًا إلى أن مسجد المحمودية بالقلعة يضم 4 أعمدة جرانيت من الأعمدة الأثرية الفرعونية بالإضافة لوجود أعمدة أثرية فرعونية في كنائس مصرية قديمة، مشيرًا إلى أن عادة نقل الأحجار الفرعونية امتدت أيضًا لنقل ما تم إنشاؤه في المساجد. وأوضح حشمت أن هناك "مساجد أنشئت على ما أخذته من مساجد أثرية أخرى، مثل جامع المؤيد شيخ بباب زويلة حيث تم أخذ باب منقول من مدرسة السلطان حسن، فيما يوجد بالعتب أحجار عليها خرطوش فرعوني، كما يوجد في مسجد الطنبغا المارداني الميضأة التي كانت متواجدة من مدرسة السلطان حسن". وأضاف عصام حشمت أن "خانقاة الناصر فرج بن برقوق، بجبانة المماليك يوجد بها جرانيت أحمر بعتبة المدخل الرئيس منقولة من آثار فرعونية، وخانقاة بيببرس الجاشنكير، بباب النصر بالجمالية يوجد بعتبة المدخل الرئيس أحجار منقولة من آثار فرعونية أيضًا، كما يوجد بقلعة قايتباي بالإسكندرية المدخل الرئيس بالعتب أحجار ترجع لعصور فرعونية". ويتابع: بالإضافة لقيام قلاوون بنقل بوابة من إحدى الكنائس الأثرية بعكا في فلسطين، لافتًا إلى أنه "هناك كنائس مصرية قديمة قامت بنقل الكثير من الأحجار الفرعونية أيضًا مثل النقش لحجر الجيري لأسطورة أوروبا والثور التي كانت تتواجد بأحد كنائس أهناسيا بالمنيا وتم نقلها للمتحف القبطي، ومثل الكنيسة المتواجدة داخل معبد دندرة بقنا، بالإضافة إلى الكنيسة المتواجدة بمعبد سيتي الأول بالأقصر". وأضاف عصام حشمت أن المتخصصين في علم الترميم يرون أن الأثر الفرعوني ما دام موجودًا في أثر قديم سواء كان كنيسة أو مسجدًا فإنه لا يضر ويتم التعامل معه على أنه أثر داخل أثر قديم. وقال الباحث الأثري فرنسيس أمين ل"بوابة الأهرام" إن نقل الأحجار من منطقة الأهرامات أدى لضياع عدة معابد بمنطقة الأهرامات مثل معبد الوادي والمعبد الجنائزي، لافتًا إلى أن الأثري فلندرز بتري "أحصى ما يربو على 800 جمل يقومون بنقل أحجار من الأهرامات يوميًا في عام 1890م لقيام المصريين ببناء منازلهم بها". وأضاف أمين أن "منطقة الأهرامات تم تفجير عدة مناطق بها بعد اختراع البارود مما حدا ببعض الأثريين في القرن التاسع عشر في أوربا لنشر دعوة إنقاذ الأهرامات". وأشار أمين إلى أن محمد علي باشا "أصر على بناء مشروع القناطر الخيرية بأحجار من الأهرامات، مضيفًا أن المهندس لينان ديفلو استطاع إقناعه بالعدول عن الفكرة؛ "بسبب التكلفة المرتفعة لنقل أحجار الأهرامات والتي كانت تكلف ساعتها 12 قرشًا، مما اضطره لإنشاء محجر جديد في طرة لنقل الأحجار بمقدار 10 قروش فقط".