برغم إجراءات وقوانين حظر التدخين في كثير من الأماكن العامة في كل دول العالم، تبقى المشكلة أن أعداد المدخين تتزايد، وهم يكسرون اليوم حاجز المليار شخص!! عوامل كثيرة تكمن وراء زيادة عدد المدخنين، أولاها ألاعيب شركات التبغ التي تُغري المزيد من الضحايا، خاصة المراهقين، بالوقوع في براثن التدخين، والدور الفاسد الذي لعبته السينما، بأفلامها ومسلسلاتها، في تكريس صورة البطل المُدخن، الذي لا تفارق سيجارته يده، والذي يستطيع بسهولة إيجاد حل لأي مشكلة تواجهه، وهو ينفث دخان سيجارته اللعينة في وجه الآخرين.. وكثير من المدخنين مهما ذكرته بالكوارث الصحية التي يتركها التدخين في جسمه، لا تجد منه سوى مزيد من الإعراض، ويتعلل العالمون بكوارثها منهم بأنهم لايستطيعون الإقلاع عنها، برغم أن فيها أذى كثيرًا لهم وللمحيطين بهم، ويواصلون تعاطيها مع سبق الإصرار والترصد.. وتظل المشكلة أن الخطر الأكبر في أن دخان السيجارة لا يصل رئة المُدخن، بل يتسرب إلى صدر من حوله، والكارثة إنه من بين 7 آلاف مركب لدخان السجائر، هناك 93 مركبًا على وجه الخصوص سامة جدًا، ومنها مثلا "الزرنيخ" الذي يسبب أضرارًا للقلب و"الفورمالديهايد" المُسبب لسرطان الحنجرة، إضافة إلى آثاره المُدمرة على كثير من أعضاء الجسم. والنتيجة أنه إذا كان 7 ملايين شخص في العالم يموتون سنويًا جراء التدخين، فإن من بينهم 900 ألف شخص يدفعون حياتهم ثمنًا لتعرضهم للتدخين السلبي، بسبب مُدخن ينفث دخانه في الهواء غير مبال بتأفف المجاورين له، سواء في السيارة أو المنزل أو مكان العمل.. وحتى من يلجأون إلى نفخ دخان سيجارتهم في الاتجاه الآخر، أو يفتحون نوافذ السيارات، أو يذهبون إلى نافذة المنزل حتى ينتهوا من تدخين السيجارة، فكلها ثبت بالدليل العلمي القاطع أنها ليست وسائل فعالة لحماية الناس من حولهم، بل ويحذر العلماء من أن المواد الكيميائية الخطرة المنتشرة في دخان التبغ تستقر في الملابس والجدران والسجاد وأثاث المنزل، ويمكن أن تبقى فيها لأشهر عديدة!. ولنا أن نتخيل أنه برغم القوانين والإجراءات الصارمة للحد من التدخين فلا يزال نحو 58 مليون شخص يتعرضون للتدخين السلبي في الولاياتالمتحدة وحدها، فما بالنا بدول انقلبت فيها الموازين حين يدافع فيها المُدخن عن حقه في التدخين، وأن على المتضرر أن يترك المكان فورًا. وللتذكرة فإن التدخين السلبي، يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب ومشكلات الجهاز التنفسي المزمنة، وخطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، وسرطان الثدي، وسرطان المثانة، أما آثاره على الأطفال والحوامل فهي أكثر من أن تحصى. ففي دول الغرب، تواجه مشكلة إدمان الكحوليات صعوبة في الحد منها، وفق الدراسات التي أجريت هناك؛ لأنها ظاهرة تلقى قبولًا اجتماعيًا، والأمر نفسه يكاد ينطبق تمامًا على ظاهرة التدخين فى مصر؛ لأن الكارثة تلقى قبولًا اجتماعيًا، حتى من غير المُدخنين، وهذا السبب وحده كفيلًا بإجهاض أي محاولات للحد من التدخين، ولن يمكن الحد من التدخين إلا حينما يحدث تحول في أدمغة الناس برفض ظاهرة التدخين اجتماعيًا، ونبذ المدخنين حتى يتواروا خجلًا بفعلتهم فيقلعوا عنها.. ومخطئ من يظن أن التدخين عادة، بل هو إدمان؛ لأن النيكوتين الموجود به يُسبب الإدمان الذي يُعد أول درجة في سلم الإدمان، بل هو البوابة الخضراء للإدمان، فكل مُدمن بدأ رحلته نحو الإدمان بسيجارة.. ورسالة لكل مُدخن، حتى تحين له ساعة اتخاذ القرار بالإقلاع عن كابوس التدخين، لو سمحت "دخن بعيد عني"، إذا كنت ترغب في حماية أحبائك، فلا تدخن في أي مكان بالقرب منهم. وعلى كل الجهات الداعية للإقلاع عن التدخين ومحاربته، أن تضع في حسبانها تغيير نظرة المجتمع للتدخين، وتحويله من الموقف السلبي "القابل اجتماعيًا" للتدخين واعتباره "عادة سيئة" إلى "الرفض الاجتماعي" له واعتباره إدمانًا.. فربما أسفر هذا التحول يومًا عن خفض أعداد المدُخنين وحماية صدور الملايين من دخان السيجارة والشيشة..