واكب اليوم الثامن من أيام الشهر الفضيل عدد من الأحداث المهمة في التاريخ الإسلامي، لعل أهمها وفاة إمام الحديث ابن ماجة، أحد أصحاب الكتب الستة في الحديث النبوي الشريف، كما صادف وفاة مؤسس "علم الجراحة" الطبيب المسلم الفذ أبى القاسم الزهراوى، وولاية الملك السلجوقي النبيل ألب أرسلان، وكل واحد من هؤلاء الأعلام كان له فضله سواء في العلوم الدينية أو الدنيوية أو على صعيد السياسة، ليرسوا جميعًا ما كانت عليه الحضارة الإسلامية من عظمة. 1 ابن ماجة.. آخر أصحاب الكتب الستة في الحديث من أقصى شرق العالم الإسلامي نبدأ مع الإمام ابن ماجة، المولود بمدينة قزوين في إيران الحالية سنة 209 ه، بدأ حياته حافظًا لكتاب الله، محبًا للعلوم الدينية وبخاصة الحديث النبوي الشريف، مترددا على حلقات المساجد لطلب العلم. وما إن بلغ صدر شبابه حتى قطع رحلته في طلب العلم، قاصدًا مدارس الحديث النبوي الشريف، مترددًا على أهم شيوخه، رحلة قطعها بين بلاد الشام والعراق والحجاز ومصر. يعد مؤلفه الشهير"سنن ابن ماجة" أهم ما ترك المُحدث الجليل، وهي موسوعة في علم الحديث تضم 40 ألف حديث بين صحيح وحسن وضعيف، ورتبه بن ماجة حسب ترتيب علم الفقه، وبهذا المؤلف حجز لنفسه مكانًا بين أصحاب كتب الحديث الستة، وهى، حديث البخاري، ومسلم، وسنن النسائي، وسنن أبى داود، والترمذي، لتكون سننه الدرة الأخيرة بين كتب الحديث الستة. وتوفي الإمام بن ماجة يوم الإثنين 7 رمضان 273 هجرية، ودفن في اليوم الذي يليه الثامن من رمضان سنة 273 هجرية، وصلى عليه أخوه أبو بكر، وتولى دفنه أخواه أبو بكر وعبدالله وابنه عبدالله. 2 الزهراوى.. مؤسس علم الجراحة ومن أقصى شرق العالم الإسلامي إلى أقصى الغرب، حيث كانت الأندلس في القرن الرابع الهجري تقطع الفصل الأعظم في تاريخ حضارتها، ومجدها الخالد، توفى الطبيب المسلم الفذ أبو القاسم الزهراوى في الثامن من رمضان عام 400ه. لا يعرف تحديدا العام الذي ولد فيه الزهراوى، لكنه ولد بمدينة "الزهراء" الملكية التي أقامها الخليفة الأموي عبدالرحمن الناصر خارج قرطبة لتكون حاضرة الخلافة الأموية في الأندلس. يعد الزهراوى مؤسسا ل"علم الجراحة" الحديث، ومرجعا مهما لمدارس الطب في جامعات أوروبا حيث كانت تقوم بتدريس كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف"، وذلك لمدة تجاوزت 500 عام. وقد ألف الزهراوى كتاب "التصريف" على شكل مقالات بلغت 30 مقالة، حيث خصصها لفن الجراحة والتي كان يسميها الزهراوي بصناعة اليد. اخترع الزهراوي أداة تدعى أداة الكي للقضاء على الأنسجة التالفة بواسطة الكي، ونظراً لعدم وجود كهرباء في ذلك الوقت كان يستخدم السخَان، فيعمد إلى إحماء قطعة معدنية ويضعها على المنطقة المصابة فتؤدي إلى تجمُد الأنسجة وتوقف النزف، كما كان بالإمكان أيضًا إيقاف نزف الشعيرات الدموية الصغيرة. استدرك الزهراوى ضرورة ربط الشرايين قبل عمليات البتر أو خلال العمليات الجراحية منعاً لحدوث النزف، وسبق امبرواباري الذي ادعاه لنفسه بنحو 600 سنة، وهو أول من أدخل القطن في الاستعمال الطبي . احتوى كتاب "التصريف" على وصف تشريحي وتصنيف لأعراض حوالي 325 مرضًا وعلاجاتها، والجوانب الطبية المتعلقة بالجراحة والجراحات التجبيرية والصيدلة وغيرها، إلا أن محتواه الأبرز كان في الجراحة. وقد اشتمل هذا الكتاب على صور توضيحية لآلات الجراحة؛ وقد ساعدت آلاته هذه على وضع حجر الأساس للجراحة في أوروبا، ووصف الزهراوي في كتابه أدوات الجراحة التي صنعها ورسمها، وحدد طريقة استعمالها، وقد وصف كتاب التصريف ما عُرف بعدئذ بطريقة كوخر لمعالجة خلع الكتف، ووضعيات الولادة، كما قدم وصفا عن كيفية ربط الأوعية الدموية بخيوط من الحرير لإيقاف النزف منها، بعد أن تعرف على الشفرة الجينية لمرض"الناعور" أو نزيف الدم، واستحدث آلات جراحية لطب الأسنان، واستخراج الأجنة الميتة من الرحم، والاستئصال الجراحي للثدي، فضلا عن إجراء الزهراوى لعمليات إزالة الحصى من الحالب والمثانة. وفى عام 400ه، وحين كانت الأندلس تستعر بلهيب الفتنة التي أفضت بسقوط الخلافة الأموية، آثر الزهراوى أن يرحل بصمت تاركا خلفه أرثا علميا وحضاريا له فضل كبير على الحضارة العالمية. 3 الأسد الشجاع .. ومعارك الإسلام الفصالة وإذا ما عدنا إلى الشرق مرة أخرى بعد رحيل الزهراوى ب 55 عامًا، وفى الثامن من رمضان عام 455ه، كانت الدولة السلجوقية على موعد مع ولاية الملك النبيل "الب أرسلان"، والسلاجقة سلالة تركية أمسكت بمقاليد الحكم فى الشرق الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية. وقد تولى الملك "الب أرسلان" والذي يعنى اسمه "الأسد الشجاع" بعد وفاة عمه طغرل المؤسس الحقيقي للدولة، وكان أرسلان قائدا عسكريا ماهرا، عمل على تثبيت أركان حكمه قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، كما قام بالعمل على صد هجمات دولة الروم الطامعة في حدود الخلافة العباسية، لذا فقد كانت رُوح الجهاد الإسلامي هي المحرِّكة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام ونشره في تلك الديار. بيد أن أعظم انتصارات أرسلان تبدت في موقعة "ملاذكرد" عام 463ه التي تصنف ضمن أعظم 7 معارك فاصلة في التاريخ الإسلامي، حيث حقق السلطان أعظم انتصاراته على دولة الروم فهزم الإمبراطور رومانوس وأسره، وهدد بزوال إمبراطورية الروم البيزنطيين. ولم يهنأ السلطان ألب أرسلان كثيرًا بما حقَّقه، ولم يجنِ ثمار نصره، ويُواصل فتوحاته، فقد قُتِلَ بعد عام ونيِّف من موقعة ملاذكرد على يد أحد الثائرين عليه، وهو في الرابعة والأربعين من عمره وذلك في 10 من ربيع الأول 465 هجرية 29 من نوفمبر 1072ميلادية، وخلفه ابنه ملكشاه صاحب الإنجازات العسكرية والحضارية في القرن الخامس الهجري. لكن موقعة "ملاذكرد" كانت أبعد أثرا من انتصار حققه أرسلان على الروم، فقد استنجدت الإمبراطورية بالبابوية في روما، ليعلن البابا أوربان الثاني من المجمع الكنسي في مدينة كليرمونت الفرنسية عام 1095م/ 488ه عن شن الحروب الصليبية ضد الشرق، وبخاصة السلاجقة، وهو ما تم بتسيير أولى الحملات الصليبية عام 492ه .