د. خالد الربيع مما يحسب للمملكة العربية السعودية - وفي عهد ملكها (سلمان بن عبدالعزيز) - أن تكون هي أول دولة يزورها رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتكون سابقة تاريخية لم يسبق أن أقدم عليها رئيس أمريكي من قبل، ففي الثالث والعشرين من الشهر الحالي انعقدت ثلاث قمم سعودية، وخليجية، وعربية إسلامية، وقد اختار الرئيس الأمريكي الرياض لتوجيه خطابه إلى العالم الإسلامي، كما قال قبل الزيارة باعتبار أن السعودية قلب العالم الإسلامي. قد يكون اختيار ترامب السعودية نوعًا من المصالحة مع العالم الإسلامي، وكما أشارت صحيفة نيويورك تايمز أن هذه الزيارة تعتبر توبيخًا لعهد سلفه باراك أوباما. فهذه المنطقة ومنذ فترة ليست بالقصيرة كانت تحت نفوذ وحماية الدولة العثمانية ومن بعدها النفوذ البريطاني والفرنسي إلى أن ظهرت الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرًا على مسرح الأحداث كحامية للمنطقة من كل التحديات والأخطار المحيطة بها، إن دول الخليج - وعلى رأسها السعودية - تعتبر الضامن لأمن واستقرار المنطقة في الوقت الحالي؛ لما تملكه من مقومات اقتصادية واستقرار سياسي بعد انهيار دول مهمة في المنطقة كالعراق وسوريا واليمن، وانشغال بعض دول الربيع العربي ببعض الأزمات الاقتصادية والسياسية الداخلية. ومن المؤكد أن بعض دول الخليج والدول العربية لم تكن راضية عن حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما؛ وخصوصًا تعامله مع ثورات الربيع العربي التي أسهمت بطريقة غير مباشرة في إسقاط أنظمة كانت حليفة للخليج، مع عدم جديته في التعامل مع ملف الأزمة السورية واليمنية، والانحياز التام لإيران في ملفها النووي، وتمدد الميليشيات الطائفية بالمنطقة. قد يتفق أو يختلف البعض على أن أمريكا مسئولة عن حجم الدمار الذي حل بمنطقة الشرق الأوسط، ولولا تساهلها مع بعض القوى والدول الداعمة للإرهاب لما وصلت المنطقة لهذه الدرجة من الفوضى. إن التحالفات الإستراتيجية الناجحة تبنى عادة على الشراكات المستدامة التي تحقق نجاحات لكل الأطراف وتؤثر في السلم والأمن والاستقرار في البيئة الدولية، وبالطبع فإن السعودية مع حلفائها في المنطقة قادرة على لعب أدوار مؤثرة في الفترة المقبلة. واهِمٌ من يعتقد أن القمم الثلاث التي عقدت في الرياض، والتي التقى فيها قادة خمس وخمسين دولة عربية وإسلامية بالرئيس الأمريكي قد ركزت على بيع السلاح فقط، دون النظر إلى ما جاء في البيان الختامي لقمة الرياض من "إعلان الرؤية المشتركة" الذي دعا إلى تشكل نظام أمني سياسي عالمي لمحاربة الإرهاب وتقليم أظافر إيران فى المنطقة، والبدء فى إقامة مشروع منظمة إقليمية شبيه بحلف "الناتو" تحت مسمى "ميتو" منظمة معاهدة الشرق الأوسط تشارك فيه أغلب الدول الحاضرة للقمة والعمل جار على إعداد جيش قوامه 35 ألف جندي، وعلى هامش القمة تم افتتاح مركز "اعتدال" لمكافحة الفكر المتطرف. ويبدو أن حضور ترامب قد رفع بعضًا من العتاب عن كاهل السعودية التي كانت تتهم من الصحافة الغربية ومؤسساتها السياسية والفكرية بأنها الداعمة أو الممولة للإرهاب، ويبدو من لهجة خطاب ترامب أن واشنطن لن تسمح لطهران بتهديد أمن واستقرار المنطقة، وقد أسهم حجم الاتفاقيات التي أبرمت بين الطرفين في عودة أمريكا لمنطقة الشرق الأوسط وتحالفها مع حلفائها التقليديين. كما يجرى العمل على عزل إيران والحد من تغولها في المحيط العربي والإسلامي. وإن أبرز بنود الموتمر "مكافحة الإرهاب واستقرار منطقة الشرق الأوسط" من المؤكد أن استخدام الوسائل التقليدية والحل العسكري كما كان في السابق لن يحل المشكلة، بل تحتاج المنطقة إلى معالجات اقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية حيث عانت هذه المنطقة من الاستبداد والظلم والصراعات لفترات طوال، وخير شاهد على ذلك أن هذه المنظمات الإرهابية تمددت خلال خمس وعشرين سنة بدءًا من القاعدة، ثم داعش والميليشيات الطائفية العابرة للقارات، إلى الصراع الشيعي - السني الذي افتعلته ورعته إيران، والذي أصبح يهدد أمن واستقرار دول المنطقة، وإذا استمر الوضع الحالي على ماهو عليه، فإن كل أسباب ومقومات اندلاع الثورات متوافرة مرة أخرى. وإن قمة الرياض على كافة الأصعدة كانت إيجابية، ومدخلًا لتوجيه السياسة الدولية نحو الأهداف الحقيقية لمحاربة الإرهاب وجعل المنطقة آمنة، ووقف العبث الصفوي التخريبي، لكن دول الخليج والسعودية تنتظر من أمريكا أفعالًا لا أقوالًا، وخصوصًا في الملف السوري واليمني، وكبح جماح إيران وميليشياتها، والحل العادل للقضية الفلسطينية التي استمرت أكثر من نصف قرن، وأصبحت قضية تتاجر بها بعض الدول في المحافل الدولية، وأن يكون خطاب ترامب شبيه بخطاب الرئيس ريجان الذي ألقاه في لندن عام 1982م "وأعلن فيه أن الوقت قد حان لكبح جماح الشيوعية كمنهج دكتاتوري "وليس كخطاب سلفه باراك أوباما بالقاهرة الذي كان مليئًا بالوعود والأوهام. كاتب المقال: خبير في العلاقات الدولية [email protected]