إن الخبرة العميقة للشاعر أحمد فضل شبلول، واهتمامه بأدب الطفل، كأحد فروع الأدب الداعمة للمجتمع والحافظة لاستقراره وتوازنه، دفعته لاختيار الشعر الغنائي كجنس أدبي قريب من نفس الطفل، حين أراد أن يكتب له عن خالقه ووطنه وقيمه، وهي قضايا كبيرة وأساسية لا بد من الحرص على توصيلها للطفل بأنسب الطرق الإبداعية وأكثرها فاعلية وسهولة. كان ذلك من خلال الديوان المعنون ب"آلاء والبحر"، والمكون من تسع قصائد رشيقة تمتاز بالشفافية، وعى فيها الشاعر أيضا بأهمية السؤال بالنسبة للطفل، فجعل من (آلاء) معادلاً موضوعيًا للطفل الذي يفكر ويبحث عن إجابات لأسئلة أولية حول الكون ومفرداته؛ فبدأ قصائده بقصيدة تحمل عنوانًا متسائلاً وهو "من أين يجئ الماء؟"، وهو أحد أنواع تلك الأسئلة البديهية التي من الجائز والممكن أن تخطر على عقول الصغار. وقد تنوعت أساليب الشاعر بين "المحاكاة" و"التقمص"، فكان "يرى، ويسمع، ويتأمل، ويسأل" بحواس (آلاء)، ثم ينفصل عنها ليجيب بعقل الشاعر المتواري خلف رمز "البحر" الذي قام الشاعر بأنسنته، ليكون محاور الطفلة الحائرة ولسان الشاعر المتواري. صيغت قصائد الديوان بلغةٍ سهلة وبسيطة، وتلونت مفرداتها ب"الفرح، والأمل، والحب"، وبألوان قوس قزح "الأصفر، والأخضر، والأحمر، والأزرق...."، وجاءت ندية ب"المطر، والبحر"، دالة علي الماء بجميع سماتها، ربيعية ب"الأزهار، والأشجار، والأغصان، والأعشاب الخضراء" بمفردات ديناميكية رشيقة تعبر عن شخوص ومكونات طبيعة لا تكف عن القفز والحركة "يجري، يسبح، يمرح، تقفز...."، متماهيا مع طبيعة الطفل الحيوية. وقصائد الديوان مفعمة أيضا بالتناص الديني من الكتاب المقدس، والأذكار، والتسابيح، بداية من العنوان ومرورا بالمتن "الله، آلاء، الكوثر، الأمطار الربانية، سبحانك ربي، وجعلنا من الماء كل شيء حي". وبرع الشاعر أيضًا في أنسنة اللون فجعله "يغني، ويضحك، ويعيش، ويهمس)". كما أسس في ديوانه ل"الهُوية الوطنية"، كما في قصيدة "الحلم بداية الطريق" التي قال فيها: وحلمنا الكبير أراه للوطن ... وفي غدٍ نصير من أكبر الأمم. وغرس في سطور قصائده فضائل "العلم، والإيمان". كما أشار لأهمية الفن بجميع صوره "موسيقى، فن تشكيلي، شعر..."، مسخرا ثقافته لخدمة قصائده. وقد احتل "الصوت" مكانة لا تقل أهمية عن الحركة، فامتلأ الديوان بالنغم الموسيقي، والصخب الطفولي، بداية من المفردات الدالة عليه ك"الألحان، عزف، شدو، يدندن، أنغام". كما كان اختيار الشاعر لبحري "الخبب، والرجز" كأساسين يبني عليهما قصائده موفقا وذكيا في آن واحد، لما تتميز به تلك الأبحر من حسن الإيقاع، وسهولة الحفظ والتغني أيضا. وتعددت الفضاءات "الزمنية" بالديوان وتنوعت بين "النهار المنير، والصباح المشمس، والفجر الندي"، واتجه ليل القصائد صوب النهار، وكان يوم القصيدة الصعب راحلا لغد أفضل وغير مقيم. كما انتشرت المواقيت "السابعة الآن، ومنتصف الليل"، وتوالت الفصول "خريف، شتاء، ربيع"، دلالة على سيرورة الزمن. ويشي التعدد والتنوع الزمني باستمرار نمو "آلاء"، وتنوع ما تمر به وتراه من مشاهدات تولد الحيرة والأفكار وتخلق التساؤلات. أما عن الفضاء "المكاني" فكان ضيقا ومحدودا ربما لكون الطفلة صغيرة ولكون حركاتها مرهونة بمصاحبة الكبار لها. كما يجدر الإشارة والإشادة برسومات الديوان المتماهية مع خيال الطفل التي رسمها الفنان مجدي نجيب، حيث صور البشر والقطة مجتذبة من عقل طفل من حيث الحجم، والحركات متفقة مع منظوره للأشياء وللآخر الذي يختلف ويتغير كلما كبر، فالطفل وهو صغير يرى كل الأشياء كبيرة ك"القطة". كما أن عقله لا يستطيع صياغة الانحناءات، والخطوط المنكسرة بعد، لذلك فالأشكال في عقله تنحصر في مجموعة الرسومات الهندسية الأولية ك"الدائرة، والمربع، والمستطيل". هكذا يري الطفل العالم من حوله فلا يلفته سوى العلامات المميزة الكبرى ك"الطويل، القصير، البدين، الهزيل، الكبير، الصغير". كما أن الطبيعة "الشمس، والسماء، والبحر، والشجر، والبيوت" ملونة بجميع الألوان فى الديوان ومجتذبة من المصدر نفسه، خيال الطفل، ورغبته التي قد تجعل الشمس زرقاء، والبحر أحمر. أما عن التشكيل البصري بالديوان، فمساحة الرسم أكبر من مساحة الديوان، لأن من المفترض أن الكبير سيقرأ والصغير سيشاهد الكتاب ويتأمله. كما أن السر يكمن في جعل المتعة والترفيه هي الملعقة التي نطعم بها الطفل جميع المغذيات العقلية، وهذا من أهم المقومات الإيجابية في كتب الطفل بصفة عامة. لقد استطاع الشاعر المبدع أحمد فضل شبلول أن يصيغ بديوانه "آلاء والبحر" عالمًا كاملاً من الخيال الملون، ليبدأ مع الطفل من حيث يقف ويفكر ثم يأخذ بيده إلى الحقيقة البيضاء بالأمل والعمل، والمؤسسة على ذكر الله، وحب الوطن، وعشق الطبيعة، منميا حس التأمل لمكوناتها والاستماع لصوت مفرداتها، بأسلوب مفعم بالمتعة والمؤانسة، وقيم بالمحمولات الدينية، والأخلاقية، والوطنية، بلغة سهلة خالية من الشعارات الحنجورية الرنانة والعبارات المسكوكة.