قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار محمد مسعود، رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين أحمد الشاذلي والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي وسامى درويش ومبروك حجاج نواب، رئيس مجلس الدولة، بقبول الطعن المقام من رجب عبدالستار على، شقيق شهيد حرب أكتوبر عبد الفضيل عبد الستار، وبإلغاء قرار الحكومة فيما تضمنه من نقل النصب التذكاري لشهداء حرب السادس من أكتوبر عام 1973 من ميدان نهاية شارع الجيش تقاطع صلاح سالم أمام الإدارة الزراعية بقويسنا بمحافظة المنوفية إلى مدرسة قويسنا الثانوية بنين، ووضع نافورة للإعلان مكان نصب الشهداء، وما يترتب على ذلك من أثار أخصها عودة النصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر من رجال القوات المسلحة إلى ميدان شارع الجيش وألزمت الحكومة المصروفات. اختصم الطعن كل من رئيس الجمهورية بصفته الرئيس الأعلى للقوات المسلحة ومحافظ المنوفية ورئيس مجلس ومدينة قويسنا والمستشار العسكري لمحافظة المنوفية. قالت المحكمة في حيثيات حكمها، إنه يقع على عاتق الدولة التزام وواجب بأن تضع من التشريعات ما يكفل تحقيق التزامها الدستوري في المادة (16) من الدستور الحالي الصادر في 18 يناير 2014، بإنشاء هيئة أو جهة مستقلة تقوم على شئون الشهداء وترعى أسرهم رداً لجزء من معروفهم، وليس أقل من أن تتزين الميادين العامة في شتى ربوع الوطن بوضع النصب التذكارية لهؤلاء الشهداء حاملة أسماءهم وأفكارهم ومكان وزمان استشهادهم، ومُجسدة تلك التضحيات الغالية كتاريخ مجيد ينبغي أن يُحفر في أذهان الخلف عن سلفهم، وألا يترك سٌدى لتطويه صفحات العصور والأزمان، وأن يكون هذا التخليد في مكان يليق بهم ليتطلع إليهم المواطنون بكل فخر واعتزاز وليكون ذلك نبراساً للكافة بتقدير الدولة لمن يفتديها ويضحى من أجلها. واستطردت المحكمة، أن ما تذرعت به الحكومة من أن النُصب التذكاري محل الطعن الماثل قد تم وضعه في مدرسة قويسنا الثانوية بنين، وهي من قبيل الأماكن العامة، فذلك مردود بأن التفسير الصحيح للمكان العام يختلف بحسب كل حالة على حدة، وأن ما يعد من قبيل الأماكن العامة في بعض الأحوال قد لايكون كذلك في أحوال أخرى، وإذا كان تكريم وتخليد ذكرى شهداء الواجب، واجباً على الدولة بحسبان حماية الوطن والذود عنه أمراً واجباً على أبنائه بكافة فئاتهم، فإن مؤدي ذلك ولازمه أن يتم تجسيد هذا المعنى أيضاً تحت سمع وبصر كافة أبناء الوطن، وفي أفضل الأماكن العامة لديها، لا أن يكون منزوياً ومقتصراً على فئة منهم كطلاب المدرسة المشار إليها وأن وضع نافورة للإعلان مكان النصب التذكاري لا يتفق ودور الجيش في حماية البلاد واستهانة بروح الشهيد. واختتمت المحكمة: ولما كانت الجهة الإدارية قد ذكرت سبب إصدارها للقرار المطعون فيه، وهو "أن النُصب التذكاري كان مجرد بناء مهمل في حديقة غير مطروقة تحيط بها الأشجار التي تحجبه عن العيون مما يجعله مجرداً من قيمته التي أرادت أن تحققها الوحدة المحلية من وراء إنشاء النصب، بما يجعل نقله إلى مدرسة قويسنا الثانوية أكثر وقعاً ..."، وكان يمكنها تهذيب الحديقة للناظرين، وكان نقل النُصب التذكاري على النحو المتقدم يجافى الغاية المبتغاة منه سواء بتكريم الشهداء أو غرس روح الوطنية والانتماء في نفوس المواطنين، فإنه يكون قد صدر مفتقداً لركن السبب المبرر لصدوره ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، مما يتعين القضاء بإلغائه.