دون أن يعرف السبب قرر الطفل الكندي آنذاك دينيس جونسون أن يدرس العربية، ليصبح بعد ذلك أهم من ترجموا الأدب العربي إلى الإنجليزية. المترجم دينيس جونسون، الذي رحل عن عالمنا الإثنين، ولد في كندا عام 1922، قضى جزءًا من طفولته بمصر، ثم انتقل إلى السودان، ومنها إلى أوغندا فكينيا، قبل أن ينتقل إلى إنجلترا لإكمال دراسته. عندما سأله أبوه عما ينوي دراسته أجاب جونسون بأنه يريد أن يدرس العربية، رغم أنه لم يكن هناك سبب واضح لذلك الاختيار، حسبما روى جونسون في أحد الحوارات الصحفية السابقة. خلال فترة عمله بالقسم العربي بالإذاعة البريطانية إبان الحرب العالمة الثانية اطلع جونسون على كتابات كبار الكتاب المصريين آنذاك مثل: يحيى حقي، محمود تيمور، طه حسين، وغيرهم، ليشعر بأن مصر تعيش نوعًا من النهضة على المستوى الأدبي، الأمر الذي لم يلتفت له المترجمون في أوروبا وأمريكا، حيث اهتموا بالماضي أكثر من الأدب الحديث، حسب قوله. بعد أن وضعت الحرب أوزارها انتقل جونسون إلى مصر حيث التقى بأولئك المفكرين وتوطدت علاقاته بهم وبكتاباتهم، وشعر برغبة ملحة في ترجمة أعمالهم إلى الإنجليزية. بعد عودته بعام واحد فقط، أي في عام 1946، ترجم جونسون إحدى قصص "همس الجنون" لنجيب محفوظ. لم يكن جونسون، حسبما يروي، يذكر أمر هذه القصة، فقد ظن أن أول قصة ترجمها لمحفوظ كانت ضمن المجموعة التي نشرتها مطبعة جامعة أكسفورد بلندن عام 1967، ولكن "نجيب محفوظ قاطعني ليخبرني بأني ترجمت له إحدى قصص همس الجنون في الأربعينيات". ورغم أن الأنظار تتجه دائمًا نحو ترجمة جونسون لمحفوظ فقد ترجم جونسون لمحمود تيمور، الذي يعد أحد رواد القصة القصيرة في مصر، والذي كان كذلك أول من ترجم لهم جونسون مجموعة كاملة. هذه الترجمة التي كان لها الفضل في لفت النظر إلى بواكير القصة القصيرة المصرية، التي كانت آنذاك في فجرها، حسبما يصفها يحيى حقي في كتابه "فجر القصة المصرية". اللغة العربية، التي اشتغل بها جونسون طوال عقود، كان له فيها رأي مثير للجدل، حيث وصفها ب"الميتة"، مبررًا هذا الوصف بأنها تشبه اللاتينية، ويذكر المترجم الكندي أنه في حوار له مع نجيب محفوظ تعجب من كون شخصيات روايات نجيب محفوظ كافة تتكلم الفصحى، قائلًا إن ذلك من غير المعقول. ويتفق دينيس جونسون، حسبما قال، مع الكاتب الراحل يوسف إدريس بشأن الكتابة العامية، حيث رأى أنه من الواجب أن تفرد مساحة أكبر للعامية، ولم ير في ذلك تهديدًا للفصحى بالاندثار؛ "لأن الناس يقرأون القرآن بالفصحى". كان جونسون يرى أنه "لا يصح أن يدرس شخص لغة بلد ليسيء إلى هذا البلد"، لذلك قرر عدم ترجمة الكتب المثيرة للجدل، أو التي توجه انتقادات للمجتمع. ولكنه رغم ذلك كان يوجه اهتمامه للجانب الاجتماعي في الأدبي، حيث أشار إلى أن من أهم ما لفت نظره في أدب محفوظ هو الجانب الاجتماعي لكتاباته. يروي جونسون أنه اقترح على مارك لينز، مدير النشر السابق بالجامعة الأمريكية، اقترح عليه أن تنشأ جائزة باسم نجيب محفوظ، ولكنه "لم يكن مهتمًا"، حسب قول جونسون، ولكنه أعاد عليه اقتراحه ليذهبا إلى نجيب محفوظ، ولتنطلق الجائزة في عام 1996، هذه الجائزة التي صارت من أشهر الجوائز العربية في السنوات الأخيرة. وتعد ترجمات المترجم الكندي الدينية إحدى العلامات البارزة في مسيرته، والتي منحته مكانة لدى الشرق، وبخاصة محاولاته في ترجمة القرآن. وبرر جونسون اتجاهه للترجمة الدينية، وذلك بعد لقائه بالدكتور عز الدين إبراهيم، المستشار الثقافي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يبرر ذلك ب"سهولة اللغة"، وهو الأمر الذي لم يتوفر له كثيرًا مع القرآن الكريم، الذي برر توقفه عن ترجمته بأنه واجه صعوبة في الفهم، وأن الأمر احتاج إلى فهم يتجاوز فهم المفردات. يعد المترجم دومًا جسرًا للتواصل بين الثقافات المختلفة، غير أن هناك ما يميز المترجمين من أمثال دينيس جونسون؛ ففي حين يكثر المترجمون من الثقافة الغربية إلى العربي، يندر المترجمون من العربية إلى اللغات الغربية. لذلك يبقى اسم دينيس جونسون أحد الأسماء التي حاولت تسليط الضوء على ثقافة يقف منها الطرف الآخر موقف غير العارف تارة، وموقف المحتفظ بمعرفة نمطية مسبقة تارة أخرى.