باعتبارها أكثر دولة تكتظ بالسكان المسلمين في العالم، تستقبل إندونيسيا شهر رمضان المبارك بطقوس خاصة للغاية، تعرف عليها من خلال السطور القادمة. قبل حلول الشهر الكريم بفترة كافية يقام في العاصمة جاكرتا "سوق شعبان" وهو سوق كبير تعرض فيه حوائج الناس الخاصة برمضان من حاجات منزلية وأطعمة وألعاب وغير ذلك، ويقام هذا السوق غالبًا في الميدان الواسع أمام مبنى المدينة أو في الحديقة العامة. بعد إعلان رؤية هلال الشهر الفضيل، يخرج الأطفال في مختلف المدن الإندونيسية حاملين المشاعل ابتهاجا بقدومه، ويميز ملابس الفتيات الحجاب الإندونيسي بشكله المعروف. أما الشباب فيخرجون إلى الشوارع مستقلّين سيارات شحن يضعون على متنها طبول ضخمة يقرعون عليها لإعلان بدء ليالي الشهر المبارك، كما يتم القرع على ذات الطبول قبل آذان المغرب بدقائق لإبلاغ الناس بقرب موعد الإفطار، وهو نفس التصرف الذي يتكرر قبيل السحور لإيقاظ النائمين. من أشهر عادات مسلمي اندونسيا في رمضان التجمع في المساجد قيبل أذان المغرب، والتجهيز للإفطار بأن تضع كل أسرة الطعام الذي أعدّته على الأرض, ويجاور الصائمون بعضهم البعض في الجلوس، وعقب إتمام الصلاة يتناولون إفطارهم سويّا حتى لو لم تكن بينهم سابق معرفة. ويعتبر مشروب ال "تيمون" هو المشروب الرسمي للشهر الكريم في إندونيسيا، وهو عبارة عن عصير إحدى أنواع فاكهة الشمّام، أما الإفطار في إندونيسيا فيكون غالبا على شربة ماء وبضع حبّات تمر اقتداء بالرسول الكريم، ومن ثم يقوم الصائمون إلى صلاة المغرب وعقب إتمامها يشرعون في تناول وجبة إفطارهم الرئيسية. يعرف الشعب الإندونيسي بحرصه الشديد على إقامة صلاة التراويح في ساحات المساجد، وتتراوح عدد ركعات التراويح في المساجد هناك بين ثماني ركعات وعشرين ركعة. ومن عادة أغلب المساجد هناك أن تقرأ بعض الأذكار بين كل ركعتين من ركعات التراويح، كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي على الخلفاء الرائدين الأربعة رضي الله عنهم. يبلغ عدد المساجد الكبيرة في إندونيسيا وحدها مائة ألف مسجد، في حين يقدر عدد المساجد الصغيرة بنصف المليون، تزيّن جميعها بالفوانيس المزخرفة، وتعجّ بالمصلّين من مختلف الأعمار في رمضان. ومن ضمن استعدادات المساجد لرمضان في اندونيسيا، تزويدها بمكبرات صوت مخصصة للشهر الفضيل، كي تعم الشوارع روحانيات الصلاة وتلاوة القرآن الكريم. يعقد الرجال والشباب دوائر ذكر في ساحات المساجد الكبيرة، لتلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه وتفاسيره، في مشهد يماثل ذلك الذي كان يتم في ساحات الأزهر الشريف منذ عقود خلت. وعقب صلاة التراويح مباشرة يخلد الإندونيسيون إلى النوم حتى بعد منتصف الليل، فيستيقظون لإقامة الليل بالصلاة ومن ثم تناول وجبة السحور. ومن التقاليد والعادات الرمضانية المتبعة في إندونيسيا قيام المطاعم والمقاهي بإغلاق أبوابها في نهار رمضان، كما تغلق النوادي الليلية ، وتتولّى الحكومة مسئولية غلق المواقع الإباحية طوال أيام الشهر الفضيل. وفي ليلة العيد يخرج المسلمون في إندونيسيا إلى الشوارع، يطوفون خلالها بسياراتهم أو على أرجلهم، وأصوات الجميع تهتف بالتكبير، ويرافق ذلك القرع على الطبول، والعزف على بعض الآلات الموسيقية؛ تعبيرًا عن فرحة العيد، وابتهاجًا بقدومه. جدير بالذكر أن الإسلام دخل إلى إندونيسيا في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي على يد التجار المسلمين من العرب والهنود والفرس، ثم انتشر بين جزر الأرخبيل عن طريق السكان الوطنيين أنفسهم، وكانت جزيرة سومطرة أول مركز للدعوة الإسلامية ونشأت بها أول دولة إسلامية آنذاك.