قال الناقد د.محمد عبدالمطلب، إن التقاءه بشعرية أمل دنقل "كان في عام 1983، حين استحضرت ديوان أمل دنقل، الكتاب الذي يضم "مقتل القمر، البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، وتعليق على ما حدث". جاء ذلك خلال الأمسية التي أقيمت، مساء اليوم، الثلاثاء، بعنوان "في ذكرى أمل دنقل"، وذلك ضمن صالون "الأهرام" الثقافي، بالتعاون بين "الأهرام" والمجلس الأعلى للثقافة، والتي شهدت حضور عدد من الكتاب والنقاد، من بينهم: د.جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، الناقدة د.عبلة الرويني، زوجة الشاعر الراحل، الناقد د.أحمد درويش، د.محمد عبدالحافظ ناصف، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة سابقًا، الشاعر حسن طلبة، الناقدة د.منى طلبة، غيرهم. وأضاف عبدالمطلب: كنت في ذلك الوقت، أحاول أن أثبت أن البلاغة العربية تستطيع التعامل مع النص الحداثي وما بعد الحداثي، فإذا أعمال أمل دنقل تؤكد لي ذلك. ويتوقف عبدالمطلب عند مقولة، أن "أمل دنقل آخر الشعراء الجاهليين"، التي أطلقها معارضو شعر دنقل، رافضًا هذا الوصف، قائلًا: من أطلقوا هذه المقولة لم يعيشوا كما عاش أمل دنقل". ويتابع: في 2003، عندما أقام الأعلى للثقافة ندوة عن أمل دنقل، وشرفني من اختارني عضوًا في اللجنة العلمية مع د.عبلة الرويني، التي قدمت لنا مفاجأة عجيبة، وهي تقديم وثيقة ببعض التعديلات التي أجراها أمل على بعض أعماله. هذه الوثيقة عدلت تصوري عن دنقل من شاعر فاحل إلى ناقد أيضًا. ويستطرد: تابعت هذه التعديلات، واكتشفت أن أمل يعدل ويقدم ويؤخر ويحذف، مما يثبت أنه يمتلك ذائقة نقدية بالإضافة للإبداعية. هذه الوثيقة أكدت لي شيئين: الأول هو أنها تقول إن انفتاح النص ليس على الدلالة وحدها، ولكن على الصياغة أيضًا. الثاني هو أن المعروف أن المسودة هي التي تسبق المبيضة، ولكن ما حدث أن المبيضة هي التي سبقت المسودة. ويردف: بعد أن قرأت أمل دنقل وجدته ينفي مقولة الشاعر النبي؛ فأمل شاعر الواقع الحياتي. حتى تلك الأمور العبثية صار قادرًا على تحويلها لأمور شعرية رفيعة المستوى. وتعليقًا على كلمة عبدالمطلب، يقول د.جابر عصفور، الذي أدار الندوة: عندما شارفت السبعين عاهدت نفسي أن أكتب عن ثلاثة، الأول هو صلاح عبدالصبور، والثاني عبدالمعطي حجازي، والثالث هو أمل دنقل؛ لأنه كان أقرب الثلاثة لي؛ فقد كان هو الأقرب لي من الناحية العمرية. ويوضح: أمل عرفني، وكنت مدرسًا في كلية الآداب، وقال لي "لن تكون ناقدًا بحق وأنت تمضي على ما أنت عليه، كنت لا أعرف إلا ما تعطيني إياه الكتب، فأخذني أمل إلى خفايا القاهرة، ولذلك أنا أدين لأمل دنقل بمعرفة القاهرة. عندما أتحدث عن أمل سأتحدث عن شقيق روحي، كنت وإياه في سن متقارب، نخرج إلى هذه القاهرة العجوز لكي نفتش في خباياها، لكن خبايا القاهرة عند دنقل تختلف كثيرًا عنها عند حجازي". ويضيف: قد لا يعرف الكثيرون، أن حجازي هو من قدم دنقل إلى "الأهرام"، جاء أمل من قنا وقابل حجازي في أحد المقاهي بالجيزة، وعرض عليه عمله عام 1959 فأعجب به. وفي كلمته، يقول الناقد أحمد درويش، إن أمل دنقل "من أكثر الشعراء الذين سيخلدهم التاريخ". ويرى درويش، أن دنقل "جمع أطراف معادلة صعبة يسعى إليها كثير من الشعراء، وهي كيف يمكن أن يبقى طرف الخيط في يد الشعر، وطرفه الآخر في يد الناس، وهي المعادلة التي يضطرب أمامها كثير من الشعراء". ويضيف، أمل دنقل موهوب بطبعه، وهذه مسألة أحيانًا نغفل عنها، فليس كل من يكتبون الشعر موهوبين، وليس كل الموهوبين يمتلكون موهبة متوحشة، فقلة الذين يمتلكون هذه الموهبة العارمة". ويتابع: عندما ظهرت السمات الأولى لدنقل في الخمسينيات، كان من أرادوا أن يلفتوا الأنظار، أن يكتبوا عن الميثولوجيا الإغريقية، فإذا به يطرق الباب المقابل، ليوقظ الأساطير العربية. عرف كيف ينبغي للشاعر الحق أن يقف أمام الكلمة لا وراءها. أما الناقدة د.منى طلبة، فتتوقف عند استدعاء دنقل للتراث في أعماله، واصفة علاقته بالتراث بأنها "مدهشة". وتضيف، هناك كثير من الشعراء تتناص أعمالهم مع التراث، ولكن استخدامه للتراث كان مدهشًا. كان أكثر رغبة في الحفاظ على الانتماء للثقافة العربية، على عكس تيار آخر كان يعارضه، وهو التيار الذي يقوده أدونيس. وتتابع: يقدم أمل دنقل قراءة ترميزية للرمز التراثي، حافظت على طاقة الرمز ودلالته، ومكنتنا من قراءة هذه الرموز قراءة متغيرة. ويعلق نصار على تناول دنقل للتراث، قائلًا: قصيدة سبارتاكوس كتبت في الإسكندرية، وكانت احتجاجًا على نتائج الانتخابات التي جاءت ب99.9%. ويضيف، ما أريد لفت الانتباه إليه، أنه كتب القصيدة عقب مشاهدة فيلم سبارتاكوس، الذي كان يعرض في الإسكندرية في ذلك الوقت، فربط بينها وبين الانتخابات. إذا قرأنا القصيدة، سنلحظ أن تأثير السينما أصبح أساسيًا في شعر أمل دنقل. ويستدرك: لم يكن فقط متأثرًا بالفيلم، حيث كان متخذًا عن رواية للكاتب الماركسي هوارد فاست، وقرأها جيلنا آنذاك وتأثر بها، وقد أخبرني أمل أنه قرأها، ولكنه أيضًا تأثر بالفيلم. ويتفق الشاعر حسن طلب، مع ما قاله الناقد د.محمد عبد المطلب، بشأن الهجوم على دنقل، قائلًا: من جيلي كانت هناك حملة ضد شعر أمل دنقل، بوصفه آخر الشعراء الجاهليين، بوصف ما يقدمه شعرًا مباشرًا. وقرأ طلب قصيدة "زبرجدة" التي كتبها عن دنقل، والتي روى عصفور، أن الرويني كانت تعلقها في غرفة الشاعر الراحل بمعهد الأورام خلال فترة مرضه. وفي كلمته، تساءل د.محمد عبدالحافظ ناصف: لماذا لم يكتب المسرحية الشعرية مثلما فعل صلاح عبدالصبور. الفعل الدرامي عنده منذ اللحظة الأولى، وربما لا أكون مبالغًا إن قلت أيضًا إنه كاتب سيناريو.