بعد مخاض عسير، وسلسلة من المشاورات واللقاءات، قام بها رئيس الحكومة المكلف مع المرشحين المحتملين لتولي حقائب وزارية، أدت حكومة الإنقاذ الوطني في مصر برئاسة الدكتور كمال الجنزوري اليمين الدستورية خلفا لرئيس الوزراء المستقيل الدكتور عصام شرف. وتواجه حكومة الجنزوري، الذي أكد في أول تصريح له "أن هذا المنصب ليس مغنما، بل هو انتحار، وأن المسؤولية في هذه المرحلة تعد قفزا في بئر عميق، وأنه قد قفز بالفعل في هذه البئر"، سلسلة من التحديات الشائكة أبرزها التحدي الأمني، والاقتصادي، وذلك أملا في الخروج بمصر من مرحلة عنق الزجاجة، وتحقيق الأمن، ودفع عجلة الاقتصاد، والمضي قدما في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير التي أقصت الرئيس السابق حسني مبارك من سدة الحكم. وجاء الملف الاقتصادي على رأس أولويات حكومة الجنزوري الذي شدد على ضرورة العمل من أجل زيادة الإنتاج، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين أحوال المواطنين، والأهم عودة الأمن والأمان والانضباط للشارع المصري.. موضحًا أن دور وزراة الداخلية سوف يتركز على الشق الجنائي، وليس السياسي، كما كان الحال في ظل نظام مبارك. وتحمل الأجندة الاقتصادية أولوية متقدمة في جدول أعمال حكومة الجنزوري، حيث أعلن أنه يحمل مجموعة من الأفكار باعتباره متخصصا في الملف الاقتصادي، ومن بينها استكمال المشروعات الاقتصادية المفتوحة التي تم إنفاق مليارات الجنيهات عليها حتى تجني ثمارها قريبا لصالح المواطنين مثل مشروعي توشكى وشرق العوينات والمنطقة الاقتصادية الخاصة شمال غربي قناةالسويس التي ستصبح منطقة صناعية ضخمة تستخدم التقنيات الحديثة في الإنتاج والتسويق والإدارة، كما ستصبح منطقة ترانزيت عالمية للسلع العابرة من قارة آسيا إلى أوروبا والأمريكتين والعكس. كما تشمل المشروعات أيضا إحياء مشروع استصلاح الأراضي غربي الدلتا الذي يضيف مساحات واسعة من الأراضي المنزرعة خاصة بالحبوب والمحاصيل الزيتية وبنجر السكر، ما يعني اهتمام حكومة الجنزوري بقطاع الزراعة خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، ومع تزايد عدد السكان في مصر في الوقت الذي حذرت فيه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فاو من أزمات غذائية مستقبلية مع ارتفاع عدد سكان العالم ليصل إلى سبعة مليارات نسمة. ودعا الدكتور فرج عبدالفتاح، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى تنفيذ الوعود الخاصة بتحديد الحدين الأدنى والأقصى في الأجور. وأكد عبدالفتاح ضرورة أن تكون هناك رؤية مستقبلية للاقتصاد المصري تحتوي على فلسفة للاقتصاد، وآليات للتنفيذ، قائلا: إن هذا لم يرد في تصريحات الجنزوري، كما لم يصدر تصريح من أي من الشخصيات التي كانت قد التقاها، أو التي تم اختيارها في حكومته، وأرى أن هذه الرؤية يجب أن تشتمل على فلسفة النظام الاقتصادي في مصر خلال الفترة القادمة.. هل سيقوم على الاقتصاد الرأسمالي أم لا؟. وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن تكون هناك رؤية تنموية فيما يتعلق بتشغيل العمالة، وتحقيق تنمية مستدامة، إلا أنه اعتبر أن ذلك لن يتأتي إلا من خلال "سياسية مالية رشيدة"، وقال "قبل أن يتولي الجنزوي لم أر ذلك في حكومة الدكتور عصام شرف السابقة". وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الرؤية الاقتصادية المستقبلية للنظام الاقتصادي المصري سيتولاها الجنزوي بنفسه لأنه على مدى تاريخيه سواء رئيسا للوزراء أو وزيرا كان يدير الكثير من الملفات، كما أتصور أنه سيتولى بنفسه إدارة السياسة المالية للدولة. وشدد الخبير الاقتصادي على أن الأمن يجب أن يأتي قبل الاقتصاد، حيث أن استتباب الأمن يضمن جلب الاستثمارات، وقال "أتصور أن حكومة الجنزوري لو نجحت فإنها ستنجح في جذب الاستثمارات نظرا لأن المناخ الاستثماري في مصر جاذب جدا، ويتمتع بمزايا نسبية كبيرة عن كثير من دول المنطقة". ونصح فرج عبدالفتاح حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزوري بأن تتبع عدة إجراءات منها "وضع ميزان المعاملات الرأسمالية في مصر تحت الرقابة المشددة"، موضحا أن هذا لا يعني منع خروج الأموال من السوق ، ولكن يجب أن يكون هناك معيار لخروجها. وقال "نحن لا نقول للمستثمر لا تحول ما سبق أن جلبته للسوق المصرية، بل يجب أن تكون هذه التحويلات خاضعة للرقابة، وعدم منع من في صالح سند قانوني لخروج هذه الأموال". وطالب بضرورة العمل من أجل ترشيد حركة الواردات إلى السوق المصري، موضحًا أن منظمة التجارة العالمية تسمح بذلك، قائلا "ليس من المعقول أن يظل باب الواردات في مصر مفتوحا على مصراعيه، حيث يجب الحفاظ على النقد الأجنبي"، مقترحا أيضا "ضرورة ترشيد الدعم ووصوله لمستحقيه الفاعلين". وقال الخبير الاقتصادي "إنه لا خوف من بيع الطاقة بأسعار حرة لتلك المصانع لأن القدرة على نقل عبء التكلفة إلى المستهلك ليست قدرة واحدة لكل هذه المصانع، وإنما تتفاوت من مصنع لآخر، فهناك مصانع يستطيع أن تنقل العبء، ولكن بشكل جزئي، وهناك من ينقلها بشكل أقل، ثم أن القدرة على نقل العبء للمستهلك تحتلف من صناعة لأخرى". وطالب في ذات الوقت بعمل صناعات لاستخراج مشتقات البترول، موضحًا أن مصر تصدر نصف صادراتها في صورة بترول خام، ولكنها تستورد مشتقاته من الخارج لعدم وجود معامل تكرير منذ عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. بدوره، قال رئيس وحدة إدارة البحوث بمصرف أبوظبي الإسلامي- القاهرة سابقا والخبير الاقتصادي والمصرفي أحمد آدم في تصريح ل"قنا" إن هناك مشاكل كثيرة تواجه حكومة الدكتور كمال الجنزوري أبرزها مشاكل السيولة المحلية نظرا لوجود "أخطاء قاتلة" في إدارة السياسة النقدية من قبل البنك المركزي نتج عنها أن ظل سعر الفائدة سلبيا أمام معدلات التضخم ولمدة 4 سنوات متتالية، ما أدى إلى نضوب السيولة الموجودة بالبنوك، وعدم قدرتها على الاستمرار في تمويل عجز الموازنة، مع التخفيض الائتماني للاقتصاد المصري، وبالتالي أصبحت هناك مشكلة في عملية الاتجاه للاقتراض بالعملة الأجنبية، وأصبح خيار مصر الوحيد هو الاتجاه إلى صندوق النقد الدولي، وللأسف فإن الصندوق لديه برامج لابد من تطبيقها، وهي برامج أرى أنها تؤثر على القرار السيادي، ومن الممكن أن تؤدي لمشكلات داخلية لأنها تقوم على أساس إلغاء الدعم على السلع. ورأى آدم أن هناك مجموعة من الحلول من الممكن أن تنقل مصر إلى وضع أفضل بكثير مما هي عليه الآن، و"على الرغم من بساطتها إلا أنها لم تطبق لا في ظل حكومة رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق أو حكومة رئيس الوزراء السابق الدكتور عصام شرف".. موضحا أن هذه الحلول تتمث في "عدم السماح للاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل بالاستثمار في أدوات الدين المحلي قصيرة الأجل (أذون الخزانة) وقصرها فقط على سندات الخزانة، وهذا حل أمام حكومة الجنزوري، علاوة على إيقاف تعامل الأجانب في البورصة خاصة الاستثمارات قصيرة الأجل خاصة أسهم المضاربة، ودراسة بعض أوضاع الاستثمارات قصيرة الأجل التي تحقق أرباحا ضخمة، وتشكل عبئا على الاحتياطات الدولية لمصر وعلى ميزان المدفوعات وعلى سعر الصرف، وذلك عند تحويل تلك الأرباح الضخمة للشركات الأم للخارج". وأوضح الخبير الاقتصادي والمصرفي أن صناعة السيارات في مصر تقوم على التجميع، مشيرا إلى أن الجمارك التي يتم فرضها على مستلزمات واردات هذه الصناعة تصل إلى 5 في المائة فقط، فيما تصل الجمارات على السيارات القادمة من دول أخرى وبقائها في مصر بصفة نهائية تصل إلى 50 في المائة، وبالتالي فإن صناعة التجميع في مصر تحرم البلاد من إيرادات جمركية كبيرة جدا، بل متعاظمة، وفي نفس الوقت تحقق الشركات العالمية أرباحا طائلة من التجميع والبيع داخل مصر بدون تحقيق أي ميزات أو إيرادات أو زيادة مؤثرة في الموازنة العامة للدولة. ونصح آدم حكومة الجنزوري بإلغاء دعم الطاقة على بعض الصناعات التي تم بيعها إلى عدد من الدول الأجنبية والتي قال إنها تحقق أرباحا طائلة وتشكل ضغطا على سعر الصرف وميزان المدفوعات" مثل صناعة الأسمنت، حيث قال “إن كلفة الطن تصل إلى 120 جنيها مصريا، فيما يباع في السوق ب 500 جنيه (89. 83 دولار أمريكي)، علما بأن دعم الطاقة يكبد الموازنة العامة لمصر أكثر من 90 مليار جنيه.. مطالبا أيضا ب "رفع رؤوس أموال البنوك من 500 مليون إلى 3 مليارات جنيه"، معتبرا أن هذا من شأنه ضخ 67 مليار جنيه (24. 11 مليار دولار) في أوصال الجهاز المصرفي، وبالتبعية في شرايين الاقتصاد المصري، وكذلك ضم أموال صناديق (تحديث الصناعة، البنوك، الاجتماعي للتنمية) التي تقارب رؤوس أموالها واحد تريليون جنيه وضمها لهيئة موحدة تقوم بالرقابة عليها، وتوجيهها الوجهة الصحيحة ليستفيد منها الاقتصاد المصري. ودعا آدم، إلى قيام وزارة الخارجية المصرية بالاتصالات اللازمة لتفعيل فكرة دولة قطر بإنشاء بنك عربي على غرار البنك الأوروبي لتدعيم دول الربيع العربي خاصة مصر وتونس واليمن، ومخاطبة الدول العربية بالاستثمار في جزء من أموال صناديقها السيادية في شراء ديون مصرية (سندات خزانة) حتى تخرج مصر من عثرتها الاقتصادية، متوقعًا أن يشهد الاقتصاد المصري طفرة على المدى المتوسط من (2 – 3 سنوات).