رحب عدد من الخبراء الاقتصاديين ورجال الصناعة في مصر بما تحقق حتى الآن من نجاح في الانتخابات البرلمانية من حيث نسبة الإقبال غير المسبوقة ووعي الناخبين بحقوقهم وواجباتهم الدستورية والتزام الأحزاب والمرشحين بمختلف توجهاتهم بقواعد العملية الانتخابية. وفى الوقت نفسه نفى هؤلاء الخبراء أن تؤدي السيطرة المحتملة للإسلاميين على مجلس الشعب إلى ردع المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في مصر. وقال محمد نبيل الشيمي، الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة التجارة الخارجية الأسبق، إن مصر تشهد عرسًا لا يصنعه إلا شعب متحضر.. عرس يبشر بولادة واقع جديد صنعه دم شباب ثاروا على الظلم، وإن الديمقراطية ضمانة كبرى لأي تقدم اقتصادي وأن الاحتكام إلى صناديق الانتخاب سيؤدي إلى انفراجه هي بداية وأساس للاستقرار الاقتصادي والأمني واستعادة الدولة لهيبتها، مما يعطي شعورا بالاطمئنان للمستثمرين الاجانب يؤدي بهم إلى ضخ أموالهم في اقتصاد البلاد. وأضاف أن الديمقراطية تؤدي إلى تعزيز إحساس المواطن بوجود نظام يؤمن بالعدالة الاجتماعية، مما يؤدي الى زيادة الإنتاج، وبالتالي ازدهار الصناعة والاقتصاد، بالإضافة الى أنها ستؤدي إلى خفض معدل الاحتجاجات الفئوية. واعتبر الشيمي أن النظام الديمقراطي يعد رقيبًا على أداء الحكومة مما سيقلل من حجم تجاوزات إهدار رأس المال الاجتماعي مثلما حدث في برامج الخصخصة، مما يؤدي إلى انتقال المجتمع من حالة السكون إلى الحركة، وسوف يتبع ذلك زيادة في الانتاج وزيادة في تحصيل واردات الحكومة على هيئة ضرائب ورسوم يؤدي بدوره إلى تعزيز الإنفاق العام على مشاريع البنية التحتية والرفاهة الاجتماعية. أما بالنسبة لرد فعل المستثمرين الأجانب إزاء احتمال حصول الإسلاميين على الأغلبية في مجلس الشعب، قال الشيمي "رضينا باللعبة الديمقراطية وحكم الصناديق حتى وإن كانت ليست بالضرورة تأتي بالأفضل". وأشار إلى أن التيار الديني معروف أنه يميني الاتجاه بالنسبة للاقتصاد، فعلى الرغم أن الإسلام يدعو إلى تنظيم دور الدولة في الاقتصاد، فهو لا يغفل دور النشاط الفردي. وأوضح أن ذلك في حد ذاته يؤدي إلى حالة من الاستقرار والثقة لدى المستثمرين العرب والأجانب في الاقتصاد المصري، خصوصًا أنهم (أي الإسلاميون) سيبقون على آليات السوق الحر وأي تغيير سيقومون به سيكون على أقل المستويات ولن يصل لأن يكون ذا صبغة اشتراكية. وقال "إن التيارات المحافظة أقرب الى الغرب حيث أنها تؤمن مثله بسياسة السوق الحر وأنه لا يجوز التدخل في النشاط الفردي في العمل المجتمعي فهم رأسماليون بالطبيعة، ولكن مطلوب منهم إعادة النظر في السياسات الضريبية وتوزيع العبء الضريبي بحيث يتحمل الاغنياء قسما أكبر منه مما يخفف عن كاهل محدودي الدخل". وأضاف أنه يجب عليهم أيضا اعادة النظر في المستشاريين الذين وصفهم "بالبثور التي أصابت الدولة"، بالإضافة إلى أهمية ترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة. وشدد على ضرورة إعادة النظر في قانون المناقصات والمزايادات الذي لا يتوافق مع قانون المرحلة الحالية حيث يجب مراجعة ضوابط التفويضات الممنوحة للمسئولين وقرارات الشراء بالأمر المباشر وعدم الشفافية في طرح المناقصات. من جانبه، أعرب المهندس محمد زكي السويدي، نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية عن تفاؤله وأعضاء الاتحاد من رجال الصناعة الوطنية إزاء تحسن الأوضاع السياسية الذي تشهدها مصر نتيجة النجاح الكبير الذي صاحب إجراء أول انتخابات برلمانية عقب ثورة 25 يناير. وأشار إلى أن بشائر هذه الانتخابات ظهرت منذ صباح اليوم متمثلة في ربح البورصة المصرية 11 مليار جنيه في غضون 7 دقائق وسط تفاؤل كبير من جانب المستثمرين بأجواء الانتخابات التي بدأت جولتها الأولى أمس وتستكمل اليوم، والتي وصفوها بأنها أكثر من "مثالية". وأكد على أن هذه الخطوة تؤدي بمصر الى الاستقرار الذي يحتاجه الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، خصوًصًا وأن الفترة الماضية شهدت اضطرابات سياسة ضخمة أدت الى تعاقب 3 حكومات خلال عام واحد، الامر الذي يؤدي الى تكبيل أيدي رجال السياسة في اتخاذ قرارات حاسمة وضرورية لتحسين أوضاع الصناعة المصرية. وفيما يتعلق بامكانية حصول الإسلاميين على أغلبية في البرلمان المصري، أكد السويدي أنه في حالة كون تلك الاحزاب "ذات مرجعية دينية" فهو أمر مرحب به، ولكن في حالة اتسامها بالتطرف "فالتطرف أمر مرفوض" بغض النظر عما اذا كان ذلك "التطرف دينيا أو شيوعيا أو حتى اقتصاديا". بدوره، أكد محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن حالة الاستقرار السياسي المرتقب بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية سينعكس على صلابة الاقتصاد الذي سيؤدي إلى تعزيز مناخ الاستثمار في مصر. وقال: الاقتصاد يتعطش لأي استثمارات بعد الثورة، كما أن اقتصاد مصر مرشح لتحسين مكانته وتحقيق تقدم ملحوظ في الفترة المقبلة. وأضاف أن الأزمات سيستفيد منها الاقتصاد المصري، والإقبال على الاستثمار فيه سيكون كبيرا في ظل وجود برلمان منتخب وهذا سيصب في صالح التنمية. وقال محسن عادل: إن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الجديد "الحرية والعدالة" يواجه تحديًا كبيرًا إذا هيمن على مقاليد الأمور بعد الانتخابات، وهذا التحدي يتمثل في الاقتصاد المتردي بعد ثورة 25 يناير، مشيرًا أن للإخوان خبرة اقتصادية كبيرة. وأضافت أن هناك الكثير من الأسئلة تدور في أذهان الناس بعد تأسيس جماعة الإخوان لحزب "الحرية والعدالة"، خاصة بالنسبة للوضع الاقتصادي وما هي خطط الإخوان الاقتصادية؟ للنهوض بالبلاد ووضعها على طريق النمو. وأشار الى أنه على العكس العديد من التجمعات السياسية الأخرى المصرية، فإن جماعة الإخوان المسلمين لديها بعض الخبرة الاقتصادية وعلى غرار كل الأطراف المصرية الأخرى بعد الثورة، يريد حزب "العدالة والحرية" أن يضيق الفجوة بين اقتصاد السوق الحديث والقديم من خلال دعم اقتصاد السوق الحرة، ولكن بخلفية إسلامية. وأضاف أن برنامج الحزب يتميز عن الآخرين بتأييده الصريح لدور محوري للقطاع الخاص و"المنافسة العادلة"، لكنه يرفض أي مساعدات أجنبية مشروطة. من جانبه، توقع الدكتور حمدى عبدالعظيم، رئيس أكاديمية السادات الأسبق، زيادة تدفق الاستثمارات والعربية والأجنبية خلال المرحلة المقبلة حال انتهاء مراحل الانتخابات البرلمانية دون حدوث أي اضطربات. وأوضح أن ذلك التطور السياسي المهم سيعطي مؤشرات إيجابية لدخول البلاد في مرحلة التحول الديمقراطي وزيادة الأمن والأمان، إلا أنه حذر في نفس الوقت من أن الاضطربات الأمنية قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وأشار إلى أن الاضطربات الأمنية التي شهدتها البلاد فى الأيام الماضية دفعت المؤسسات الدولية الى خفض التصنيف الائتماني لمصر من "بي بي -" إلى" بي"" مع نظرة مستقبلية سلبية. وفي الوقت نفسه، قال الدكتور صلاح جودة، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، إن سير الانتخابات بجناحيها الشعب والشورى في المواعيد المحددة سيؤدي الى انتخاب رئيس الجمهورية في الموعد المحدد له أيضا في 30 يونيو المقبل. وأوضح أن الاقتصاد سيكون قادرًا على اجتياز التحديات المفروضة عليه بدرجة كبيرة في المرحلة الاولى من انتخابات (أي الانتخابات البرلمانية) وبانتهاء الانتخابات الرئاسية سيصبح الاقتصاد المصري على أهبة الانطلاق وسيستطيع نتيجة تطبيق الديمقراطية أن يكون في مسار الدول الآسيوية خلال 36 شهرا على الأكثر، كما سيعمل فى المرحلة المقبلة على قيام مؤسسات التصنيف بإعادة تقييمها لمصر. لكنه حذر، في نفس الوقت، من إمكانية تأخير صياغة الدستور في حالة وقوع اضطربات أمنية ما سيؤدي الى تراجع معدلات السياحة وانخفاض معدلات التداول بالبورصة بسبب خروج المستثمرين سواء المصريين أو العرب والأجانب وارتفاع سعر الدولار بسبب اقبال المستثمرين على تحويل أموالهم من الجنيه إلى الدولار وتراجع الاحتياطي النقدي، فضلا عن أنه سيتم خفض التصنيف الائتماني لمصر لمرة رابعة وبالتالي لن تستطيع مصر الاقتراض من الخارج أو من المؤسسات الدولية. واتفق معهما الدكتور محمود عبد الحى مدير معهد التخطيط القومي الأسبق، موضحا أن المشكلة في المرحلة الحالية هي أزمة "الثقة" في مصر. وقال إن استكمال إجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة سيؤدي الى استعادة الثقة في الاقتصاد المصري وسيزيد من جذب الاستثمارات سواء العربية أو الأجنبية لأن وضع سيعود إلى ما قبل الثورة ولكن بشكل مختلف حيث ستسوده الديمقراطية، لكنه رهن ذلك أيضا بعودة الأمن إلى الشارع المصري. وأكد أن إجراء الانتخابات يتسم بإيجابيات إضافية متمثلة في تشجيع الأفراد في المرحلة المقبلة على زيادة الإنتاج وتقليل المطالب الفئوية.