تعيش سوريا حالة دقيقة من الارتباك، بدأت تجلياتها تظهر بصورة كبيرة فى مناحى كثيرة، أهمها الفن والثقافة، ففى الوقت الذى جرى فيه اعتبار جمال سليمان خائنا لمجرد نشر أخبار غير دقيقة عن قيامه بإجراء حوار مع قناة الجزيرة، جرى تجاهل ما قام به رامي مخلوف رجل الأعمال وإبن خال الرئيس السورى، عندما صرح لمجلة "النيوزويك" من أن أمن سوريا من أمن إسرائيل، ناسفا بذلك أطنانا من التصريحات والخطابات حول الممانعة ومواجهة المشروع الصهيوني. وقد نسى الجميع المعلومات والحقائق التى ساقها مخلوف وتشبثوا بالمزاعم والادعاءات، التى روج لها البعض عن جمال سليمان. كثير من المثقفين والفنانيين السوريين أكدوا خلال الفترة الماضية أن نظام بشار الأسد أصبح مثل الوطواط، لا يرى سوى في الليل فقط، فيخرج شبيحته لإبادة شعب بكامله، ولابد لطرق الإبادة من عناصر تتوافر لها بجوار العصي والرصاص المطاطي. ويحاول النظام السوري الآن استخدام القوى الناعمة والضغط عليها للخروج بتصريحات ضد الشعب السوري. ولأن الفنان العالمي على فرزات كان عصيا على أن يكون بوقا أخرجوا عليه ما يعرف هناك ب "الشبيحة"، ليثبتوا أن تهديدات أنصار النظام، لمن لا يستجيب، ليست كلاما في الهواء، بل هي تهديدات جدية شاهدها العالم من خلال ما تعرض له فرزات، حيث اقتيد من سيارته ليلا وهو على مقربة من مبنى قيادة أركان الجيش السوري ومبنى القصر الجمهوري، كي يضرب جسده الرقيق وتكسر أصابعه المبدعة ويلقى على حافة الطريق وهو فنان عالمي تجاوز الستين من عمره. الفنان علي فرزات أكد ل"بوابة الأهرام" أن التحقيق فى الواقعة لم يفض إلى شيء وأنه باق في سوريا حتى تنال حريتها، وأضاف أقرأ كثيرا تعليقات من المؤيدين للنظام السوري وردودهم على ما أكتب أو أرسم فأجدها عبارة عن كلام بذيء وسوقي وسب و"توسيخ بالحكي".. بعيد عن أي منطق أو احترام للطرف الآخر. وقال: "ما الذي ننتظره من نظام يحشو فم أطفاله بالبارود بدلا من الحلوى؟". جمال سليمان الفنان السوري الكبير، الذي يعد وجها حضاريا من وجوه سوريا يتم السير معه على النهج نفسه، وعلى الطريق ذاته ربما يفعل النظام السوري مع مثقفين وفنانين آخرين لاستغلال شعبيتهم. لا أحد يعلم إن كان هناك في سوريا من طلب من سليمان الخروج لتأييد النظام أم لا، لكن المؤكد أن توقيعه مع دريد لحام وعدد من الفنانيين السوريين الكبار على بيان خرج من نقابة الفنانين للمطالبة بالإستقرار في سوريا له معناه العميق. لذا لا يمكن أن تندهش من تصريحه في أحد حواراته: "مطالب الشعب السورى واضحة جداً، وهى إقرار دولة القانون والتداول السلمى للسلطة والشراكة فى الوطن، ومن غير ذلك أعتقد أن أى إصلاح لن يكون مرضياً للشارع، وإذا كان النظام يقول إن هناك مؤامرة فرأيى أن المؤامرة ستتغذى على هذا التردد والبطء فى تنفيذ المشروع". من يعرف جمال سليمان، سيتأكد أنه فنان يعرف معنى المسئولية والدور الذى يقوم به فى الحياة العامة، فهو نفسه الذي طالب بشار الأسد بتعديل الدستور وتطبيق دولة القانون والنظر إلى الأمور الداخلية، في حوار مع قناة الحرة عام 2007 – الحوار موجود على موقع اليوتيوب لمن أراد التأكد–، لكن يبدو أن سليمان قد يتعرض لمضايقات بسبب مواقفه، حيث سخر النظام السورى شبيحته للسيطرة على مواقع الإنترنت في سوريا، ليس بالنشر فحسب، بل وبالسب بالأب والأمر، من خلال ما يسمي ب"حرق الذاكرة"، وبث أخبار مغلوطة وحكايات مفبركة، لتهيئة الأجواء ضده وتصنيفه ضد من "خاونا أوطانهم". رغم كثرة لأخبار "المفبركة" ضد الرجل، إلا أن هناك خبرا بدا لافتا للنظر وتداولته بعض المواقع نقلا عن موقع "جهينة" القريب من النظام السورى، وهو أن جمال سليمان وخلال وجوده في مهرجان الدوحة السينمائي أجرى لقاء مع قناة الجزيرة "شكرها فيه باسم الفنانين السوريين على التغطية الموضوعية والنزيهة لأخبار الثورة السورية". جمال سليمان نفسه نفى أن يكون قد تحدث عن قناة الجزيرة أو شكرها، لكنه سافر بدعوة إلى مهرجان "ترايبيكا" السينمائي في الدوحة، ولم يسافر كسياسى، لكن ذهب إلى هناك كفنان. علق الفنان السورى الكبير على هذا الكلام، وقال ل "بوابة الأهرام" كيف يتم السماح بتمرير بذاءات وشتائم بالأب من موقع "جهينة"، مضيفا أن الشتيمة حيلة الضعيف الذي لا يملك رأيا، وأعرب عن أسفه بأن يهاجم في وطنه من قبل الشبيحة، ومن قبل موقع أراد أن يكون الخصم والحكم بسبب خبر كاذب ومختلق من قبل السيدة فادية جبريل رئيس تحرير الموقع التي لم تقل لنا أين شكر جمال سليمان قناة الجزيرة، وأين تحدث وأين هذا التصريح، إن مهنة الصحافة لها شرف ومواثيق يعرفها جيدا كل من يعمل بها، ثم في الوقت الذي كنت فيه في قطر، كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم موجودا على رأس وفد رفيع لمناقشة الوضع السوري، فهل هو خائن أيضا أم أن الشخصيات التي لها موقف حقيقي وتحب بلدها يجب أن تهاجم من جانب هذه النوعية من المواقع؟. السيدة فادية جبريل صاحبة ورئيسة تحرير موقع جهينة نيوز لم تشر حتى الآن الى صدق الخبر، ولم تنف أو حتى تعتذر، ولا كشفت عن شبيحة النظام لديها، لكنها تجاوزت الأمر. وأوضحت أن أبعاد القضية المكلفة بها من خلال دخولها في موضوع آخر حين قالت: "كنا نتمنى مع نفي جمال سليمان لما نُقل عنه من أنه شكر قناة الجزيرة لتغطيتها الأحداث في سورية، أن يوضح كلّ ما التبس في تفسير وتأويل مواقفه الحالية والسابقة من الأزمة التي تعيشها سورية، لا أن يختلق بروباجندا من الردح والندب والادّعاء بالتهديد بالقتل، فقط ليصرف نظر الناس عن المشكلة الحقيقية، حيث استنكر السوريون بمختلف أطيافهم مواقفه التي تصب في ما ذهب إليه موقع "جهينة نيوز" الذي لم يخون أحداً ولم يدعُ لقتل أحد. "مع أنه ليست المعنيه بتوضيح مواقف سليمان. وقالت جبريل كنا نتمنى أن يوضح جمال سليمان حقيقة ما قاله في حوار مع إحدى الصحف المصرية مؤخرا، حيث أشار إلى أن النظام السوري فقد جزءاً كبيراً من شرعيته، حين لجأ إلى الحل الأمني في التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات التي تطالب بالإصلاح في سورية. أو أن يعرّف لنا مفهوم الثورة، وما رأيه بما تفعله الجماعات الإرهابية المسلحة من إرهاب وقتل للمدنيين وتخريب وحرق للمنشآت العامة والخاصة، وأين مطالب الإصلاح في ذلك الترهيب الذي اعترفت جماعات ودول كبرى أنها تموّله وتمدّه بالسلاح؟" السؤال الذى الذى يتردد على ألسنة كثير من المراقبين، هو إذا كان جمال سليمان اتهم بالخيانة بسبب مقابلة مزعومة مع قناة الجزيرة، فما هو حكم من صافح الرئيس الإسرائيلي أثناء مراسم دفن البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005، وما هو مصير من تسبب فى حرق البشر والحجر والثقافة والفن فى سوريا؟