لا ينسى المصريون أنهم شاهدوا محاميا مصريا هو محمد منيب الذي وقف ليدافع عن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين-الذي قام بغزو الكويت- في جلسات محاكمته التي تمت إذاعتها على الهواء قبل سنوات، لكن المصريين لن يشاهدوا المحامين الكويتيين، الذين تطوعوا للدفاع عن الرئيس المخلوع حسني مبارك بعد أن قرر القاضي وقف البث التلفزيوني لوقائع الجلسات اعتبارا من جلسة اليوم حفاظا على الصالح العام، بعد إذاعة جلستين فقط تليفزيونيا. وقد أثار مجيء وفد من المحامين الكويتيين إلى مصر لحضور الجلسة الثالثة لمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك المقرر اقامتها أمام محكمة الجنايات المنعقدة فى مقر أكاديمية الشرطة غدًا، جدلا حول مدى قانونية وموائمة مشاركتهم والدوافع الحقيقة وراء ترافعهم عن مبارك. انضم الوفد المكون من 10 محامين متطوعين في الدفاع عن الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى فريق الدفاع المصري الموكل للدفاع عنه، بعد أن حصلوا على تصاريح للدخول من رئيس محكمة استئناف القاهرة الذي يمثل أمامها مبارك بتهم قتل المتظاهرين والفساد المالي، ليصل بذلك عدد المحامين المتطوعين للدفاع عن مبارك إلى 1700 محام وفقا لتقارير صحفية نقلا عن مصادر في فريق الدفاع عن مبارك إلا أنهم اجمعوا علي اختيار 50 محاميا فقط وهو العدد الذي سمحت به هيئة المحكمة التي يرأسها المستشار أحمد رفعت لدخول القاعة. سامح عاشور نقيب المحامين السابق الذي يتولى الدفاع عن عدد من أسر شهداء ثورة 25 يناير، عبر عن ضيقه من تدخل محامين كويتيين، لكنه قال: إن حضور المحامين الكويتيين لايوجد أمامه مانع قانوني، وليس فيه شئ غير طبيعي، ولا داعي للجدل حول هذا الموضوع. يتفق معه فى الرأى الدكتور على الغتيت، أستاذ القانون الدولى المقارن، الذي يرى أن حضور فريق المحامين الكويتين لجلسة محاكمة مبارك اليوم هو أمر ممكن قانونيا، وأن أحكام قانون نقابة المحامين واتحاد المحامين العرب يسمح بذلك وينظمه من خلال إذن من الجهتين لإمكانية مثولهم أمام القضاء المصري، وأن ذلك يحدث فى الدول العربية والأجنبية، لكن حصولهم على التصريح الخاص بالسماح لهم بالدفاع عن مبارك يجب أن يتم عرضه على رئيس المحكمة للموافقة. وأضاف الغتيت، أنه عندما يتوافر فريق الدفاع بأكمله وكذلك الضمانات الكافية لمحاكمة منصفة طبقا لأحكام القانون والدستور المصري وأيضا القواعد والعهود الدولية المنظمة لحقوق المتهم، ففي هذه الحالة يصبح حضورهم له معنى سياسي ولكن ليس له ضرورة قانونية، وبالتالي فإن وجودهم بالمحكمة قد يكون مسألة معنوية، لها اعتبارات إجرائية طبقا لقانون النقابة فى دولة الكويت التي ينتمون إليها. وعن الظروف التي يسمح فيها القانون بمحامين آخرين للحضور من الخارج، يقول الغتيت، أنها ليست مماثلة لظروف قضية مبارك، حيث لم يتم حرمانه من الدفاع، ولم يقدم لمحكمة استثنائية، كما أنه معه كل الضمانات اللازمة للدفاع هو وأولاده، ولذلك فإن حضور المحامين الكويتين للدفاع عنه غير مفهوم دوافعه ولا نستطيع أن ننسب لساكت قولا إلا بعد أن يتكلم و"مصر مش ناقصة محامين". ويتذكر الغتيت، أنه في عام 1998 عندما تم محاكمة المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" بقانون مخالف للدستور الفرنسي، تقدم للدفاع عنه مع المحامي الفرنسي "جاك فرجسيه" وترافع أمام القضاء الفرنسي، في قضية معاداة السامية عن جارودي الذي كان رئيسا للجمعية الوطنية الفرنسية ثم أعلن إسلامه بعد ذلك وسمى نفسه "رجاء جارودي". وقد ترافع عن جارودى محام واحد، مقابل 19 محاميا يمثلون 19 مؤسسة صهيونية تدعي عليه، أمام القضاء الفرنسي، وتطالب بإنزال أقصى عقوبة عليه، ولذلك ذهب الغتيت ليدعم محامي المتهم، لأن القانون كان ظالمًا "وشاذًا" في أحكامه القانونية وفي هذه الحالة "كان حضوري له معني قانونيًا"، على حد قول الغتيت. وإذا كان مبارك لم يتم حرمانه من الدفاع، و"مصر مش ناقصة محامين" كما يقول الدكتور الغتيت، فما الدافع وراء حضور هؤلاء المحامين الكويتين للدفاع عنه؟ الإجابة من وجهة نظر الدكتور الغتيت هى، أن مجيء المحامين إلى مصر لحضور جلسات محاكمة مبارك، يرجع ربما لأن المحامي الرئيسي فى القضية لم يستطع أن يقوم بدوره، أو أن هؤلاء المحامين أتوا إلى مصر للدفاع عن مبارك من باب الدعاية، بدعوة من قبل رئيس فريق دفاع مبارك، بهدف إشعال الموقف سياسيًا. ومن وجهة نظر عصام الإسلامبولي، المحامي بالنقض، فإن تدخلهم ليس إلا نوع من المجاملة وعملية شكلية ليس لها قيمة فى الجلسة، والهدف من حضورهم سياسي، ووجودهم لن يؤثر فى سير القضية كثيرًا. كما يلفت الإسلامبولي، النظر إلى أنه -طبقا للقانون- في حالة تدخل محامين غير مصريين وبعد حصولهم على تصريح الدخول للمحكمة وسماح رئيس المحكمة لهم بالدفاع، فإنه يجوز حضور محامين من خارج مصر للدفاع عن أي متهم بشرط حصولهم على موافقة من وزير العدل وتصريح من اتحاد المحامين العرب. ومن أشهر المحاكمات التي كان فيها تدخل من الخارج - والكلام للإسلامبولى- قضية تنظيم "ثورة مصر" المتهم فيها محمود نور الدين باغتيال مجموعة من الإسرائيليين في مصر حيث جاء محامون من مختلف الدول العربية وأخذوا تصريحا بذلك وتقدموا للدفاع عن نور الدين. وبغض النظر عن أن مبارك هو رئيس مصري سابق، إلا أنه الآن شخص عادي، ومن حقه أن يتم الدفاع عنه بواسطة محامين من بلده أو من خارجها، فلا يوجد نظام في العالم يمنع ذلك، وذلك حسبما يقول الدكتور محمد شوقي، أستاذ القانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذى يؤكد أنه لا يشترط أن يكون المحامي من جنسية المتهم أو الدولة التي ينتمي إليها، حتى ولو كان مدعيَا بالحق المدني. ويرى شوقي وهو مدير منتدى القانون الدولي، أن حضور هؤلاء المحامين الكويتيين، ما هو إلا نوع من رد الجميل لشخص مبارك لوقوف مصر بجانبهم وقت قيام العراق بغزو بلادهم في 2 أغسطس 1990، ولذلك "عندما رأوا مبارك فى محنة جاءوا ليقولوا له..إحنا ناس أصيلة وهنقف جنبك"، ومن الممكن أن يكون لدى كل محام منهم قدرات دفاعية وملكات في جانب ما من القضية قد يفيد بها فريق الدفاع، لكنهم ليسوا فى كفاءة ولا قدرة فريد الديب الذي يتولى الدفاع عن مبارك، ومن ثم فإن حضورهم بالأساس سيكون له أثر معنوي، وهو تحسين حالة مبارك النفسية. يذكر أن المستشار أحمد رفعت القاضي الذي يحاكم مبارك، كان قد قرر تأجيل نظر القضية المتهم فيها الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، بعد ضمها للقضية المتهم فيها حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق و6 من مساعديه بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين إلى اليوم الاثنين الخامس من سبتمبر الجارى.