يبدأ العام الجديد على تحديات ضخمة تواجه الاقتصاد المصرى وتضعه على المحك ، ورغم سلامة اوضاع الاقتصاد الكلى على مستوى البنية الهيكلية له حتى الآن فإن هذه التحديات تتنوع الى درجة تستلزم حزمة كاملة من الاجراءات لمواجهتها. وتشمل قائمة هذه التحديات استمرار المخاوف من تراجع سعر صرف الجنيه الأمر الذى يترتب عليه إمكانية حدوث موجة كاسحة من التضخم تشمل جميع أنواع السلع والخدمات وكذلك ارتفاع معدل البطالة نتيجة حالة الانكماش التى يمر بها الاقتصاد وعدم قدرة الحكومة على ضخ استثمارات عامة لتحريك عجلة النمو وصولا الى تراجع عوائد السياحة واستنزاف الاحتياطى النقدى فى مشتريات مواد بترولية يتسرب معظمها الى مافيا الدعم والسوق السوداء وانتهاء باحجام الاستثمارات الاجنبية عن المجئ الى مصر فى ظل حالة التوتر السياسى القائمة وانتظارا لاستكمال مؤسسات النظام السياسى وتحديدا انجاز الانتخابات التشريعية فى فبراير القادم الامر الذى ترتب عليه استمرار خفض التصنيف الائتمانى للبلاد بما ينطوى عليه من نظرة سلبية فى المستقبل القريب. هذه التحديات الكبيرة تطرح سؤالا جوهريا حول كيفية الخروج من المأزق الراهن سواء على الصعيد السياسى أو على الصعيد الاقتصادى وما هى الاجراءات الواجب اتخاذها على وجه السرعة لوقف نزيف الاقتصاد بعد أن وصلت الحالة الاقتصادية باعتراف الحكومة الى نقطة الخطر؟! بداية يجمع خبراء الاقتصاد على أن جذور الازمة الاقتصادية الراهنة بجميع تداعياتها ومظاهرها تعود الى الازمة السياسية وحالة الاستقطاب الحادة فى المجتمع الأمر الذى خلق مناخا غير موات للاستثمار والاعمال ومن ثم يرى هؤلاء الخبراء أن بداية الحل هى ضرورة الوصول الى حالة من التوافق الاجتماعى فى البلاد تنهى حالة الانقسام الراهنة وتسهم على نحو واقعى فى تحسين مناخ الأعمال وبعث برسالة ثقة لمختلف اطراف اللعبة الاقتصادية. هذه الرؤية يشرح تفاصيلها عمرو أبوعش رئيس مجلس ادارة شركة تنمية لتمويل المشروعات الصغيرة حيث يشير الى أكبر دليل على أهمية الوصول الى التوافق الاجتماعى كبداية لوقف النزيف الاقتصادى هو ما ذكرته مؤسسة ستاند راند بورز فى تصنيفها الاخير لمصر التى أشارت فيه ضمن حيثياتها الى أن اقتصاد هذا التوافق الاجتماعى يؤثر سلبا على مناخ الاعمال فى البلاد بصفة عامة. وقال إن المؤسسات الدولية تربط غياب هذا التوافق الاجتماعى بدرجة اساسية باعتراض الكثيرين على العقد الاجتماعى الجديد وليس عدم تقبل فكرة الديمقراطية وحكم الصندوق بدليل أن الجميع قبل 6شهور تعامل مع نتائج الانتخابات الرئاسية ببساطة سواء كان مؤيدا أو معارضا. وقال أبوعش إنه حتى لو اتخذت الحكومة اجراءات اقتصادية ايجابية فى المدى القصير فان مثل هذه الاجراءات لن تؤتى ثمارها الا فى حالة حدوث التوافق الاجتماعى المطلوب الذى يجب أن يبدأ فى اعتقادها بمبادرة تتعلق بتعديل المواد الخلافية فى الدستور وهو الامر الذى التزم به رئيس الجمهورية. وأكد على أهمية عدم اللجوء الى الحلول غير المنتجة مثل فرض مزيد من الضرائب بهدف سد عجز الموازنة وعدم اللجوء الى طباعة النقود مرة أخرى حتى لا يحدث انهيار للعملة. الى جانب ضرورة التخفيف من حدة التظاهرات لأنه على سبيل المثال عندما هدأت هذه التظاهرات نسبيا أيام حكومة الدكتور كمال الجنزورى أبدى الاقتصاد قدرا لا بأس به من التماسك ، واوضح عمرو أبوعش أنه من المهم معالجة أزمة نقص السيولة التى تعانى منها معظم الشركات فى هذه المرحلة ومعالجة آثار رفع تكلفة الائتمان التى ستحدث حال اقرار الضرائب الجديدة ومنها زيادة الضريبة الى 4فى الألف على أعلى رصيد مدين فى الجهاز المصرفى سواء للأفراد أو الشركات، لأن رفع تكلفة الائتمان سيؤدى الى تعميق حالة الانكماش لأننا مجتمع مدين وليس دائنا كما يتصور البعض. صحيح أن الودائع فى الجهاز المصرفى تجاوزت التريليون جنيه حسب بيانات البنك المركزى الا أن الاموال المدارة فى السوق اضعاف هذا المبلغ. وقال إن الاجراء الوحيد الذى يمكن أن تلجأ اليه الحكومة ويشعر به الناس فى شكل تحسن فورى هو السيطرة على أسعار السلع الرئيسية أو اللجوء الى زيادة الدعم على هذه السلع وهذا أمر صعب التحقيق فى ظل وجود توجه الى خفض فاتورة الدعم بصفة عامة. ويختتم رئيس شركة تنمية رؤيته بقوله انه باختصار أوراق اللعبة المتاحة لدى الحكومة اصبحت محدودة وبالتالى من المهم العمل على استثمار أفضل للأوراق المتاحة حتى لا نواجه مزيدا من التدهور. وقف نزيف هروب الأموال وينتقل الدكتور مصطفى ابراهيم رئيس مجلس الاعمال المصرى الاسترالى الى زاوية أخرى فى المشهد الاقتصادى وهى ضرورة التصدى وبسرعة لنزيف الاموال التى تخرج من البلاد منذ شهور، مشيرا الى أن هناك نحو 40ألف اسرة مصرية هاجرت الى الخارج وتوجه معظمها الى كندا واستراليا والولايات المتحدةالامريكية وأوروبا الغربية وهذه الاسر لم تكن تستطيع انجاز اجراءات الهجرة خلال هذه الفترة القصيرة الا اذا كانت تمتلك على الاقل نحو نصف مليون دولار لكل أسرة فاذا ضربنا نصف مليون دولار فى 40 ألف أسرة غادرت البلاد تكتشف بسهولة أن مصر خسرت نحو 20مليار دولار على الاقل فى عملية الخروج هذه سواء تم هذا الخروج على خلفية دينية أو لأى أسباب أخرى تتعلق بنمط الحياة الذى يفضل هؤلاء أن يعيشوه. وقال إنه مع ذلك هناك حالة من استمرار هجرة المصريين التى تضم كوادر بشرية مؤهلة فنيا ومدربة وحاصلة على أعلى الدرجات العلمية وخروج هؤلاء يمثل خسارة أخرى غير مباشرة للاقتصاد المصرى ، وهذا الاجراء السريع من شأنه أن يغنينا ولو مؤقتا عن الحلول الطويلة الامد الخاصة بالتفاوض مع صندوق النقد والحصول على قروض خارجية وغيرها. أما الحل الثانى الذى يطرحه رئيس مجلس الاعمال المصرى الاسترالى فيتمثل فى أهمية الاهتمام والتعامل برشد وكفاءة مع المصريين العاملين فى الخارج وتحويلاتهم المالية التى بلغت فى أحدث تقرير رسمى نحو 18مليار دولار وهذا رقم يفوق وارداتنا من الصادرات أو السياحة وبالتالى على الحكومة أن تتعامل مع ملف المصريين العاملين بالخارج بجدية أكبر من خلال تحركات سريعة لفتح فرص عمل لهؤلاء فى الاسواق التقليدية وأن تتدخل الحكومة كحارس وضامن قوى لحقوق هؤلاء فى الدول التى يعملون بها من خلال توقيع اتفاقيات جماعية هذا الحل يساعدنا على علاج مشكلتين فى وقت واحد هما مشكلة البطالة والتشغيل ومشكلة نقص موارد البلاد من العملة الاجنبية وأظن أن الحكومة تدرك أهمية هذه النقطة بدليل أن الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء بادر بالسفر الى الاردن منذ أيام عندما استشعر خطرا يهدد وجود العمالة المصرية هناك البالغ عددها نحو مليون عامل وتم التوصل الى اتفاق يرضى مصالح الطرفين وهو اعادة ضخ الغاز المصرى للأردن مقابل استثناء العمالة المصرية هناك من القوانين الجديدة التى صدرت والخاصة بترحيل العمالة الاجنبية. هذا التفكير البراجماتى والعملى كما يقول رئيس مجلس الاعمال المصرى الاسترالى نحن فى شديد الحاجة اليه لأنه يعرف ما هى مصالح بلادنا ومع من ولا مانع من أن نقدم شيئا مقابل ما نحصل عليه فهذه هى قواعد لعبة السياسة والاقتصاد فى كل بلاد العالم. ويضيف أنه من المهم الابتعاد عن الحلول الشكلية مثل عدم تحويل أكثر من عشرة آلاف دولار للفرد الى الخارج ذلك لأن هناك ثغرات كثيرة يمكن من خلالها خروج هذه الاموال لأن الافضل هو طمأنة الناس ومنحهم شعورا بالامل والابتعاد عن لغة التهديد والوعيد وما يتردد بشأن القوائم السوداء وغيرها مما يقال فى وسائل الاعلام هذه الايام وكذلك عدم التعامل مع أحكام القضاء بانتقائية لأن هذا يمثل خطرا شديدا على الاقتصاد ويبعث برسالة سلبية الى المستثمرين فى الداخل والخارج الى جانب أهمية العمل سريعا على عودة الامن وهيبة الدولة لأنه بدون ذلك لا يمكن أن يعمل الاقتصاد بكفاءة فى أجواء طبيعية فالاقتصاد قبل كل شىء هو مناخ وثقة فى المستقبل فأنت لو تمتلك مليون جنيه وليس لديك ثقة فى المستقبل لن تذهب لشراء قميص بمائة جنيه اما اذا كنت تمتلك املا فى المستقبل وأن الاحوال سوف تتحسن فيمكنك أن تشترى سيارة بالتقسيط على سبيل المثال دون أن تمتلك أى نقود لكن لديك الامل فى أنك سوف تعمل وتكسب مالا وتسدد اقساط السيارة وهذا هو المناخ الذى يجب أن نستعيده وبسرعة..