بدأت سلطنة عُمان قبل عدة سنوات في تبني تطبيقات اقتصاد المعرفة، والسعي نحو نشر هذا المفهوم بين الأوساط العلمية والأكاديمية من جهة، وفي مجتمع الإنتاج والصناعة من جهة أخرى.وتم ترجمة هذا التوجه العُماني في تدشين تخصصات تقنية متقدمة يتم تدريسها في الجامعات العُمانية، وأُنشئت مؤسسات حكومية معنية في المقام الأول بتطوير آليات الاستفادة من تطبيقات اقتصاد المعرفة، فظهرت واحة المعرفة مسقط، ذلك الكيان العلمي المؤسسي الذي يمثل حاضنة علمية وتقنية رفيعة المستوى، توفر البيئة الخصبة للمشاريع التقنية القائمة على مفاهيم الثورة الصناعية الرابعة.ولم تقف المؤسسات العُمانية عند حد إنشاء الكيانات الداعمة والمطورة للتقنيات الحديثة؛ بل توسّعت في مجال البحث العلمي والتقني وتنظيم الندوات والمؤتمرات المتخصصة، من أجل طرح توصيات ورؤى تضمن التطبيق الأمثل لمخرجات هذه المنظومة الاقتصادية المعرفية.وقد أبرزت الندوة الوطنية التي عُقدت مؤخرا بالسلطنة، الدور المهم للبيانات المفتوحة والإحصاءات المعلنة، في صناعة القرار وإعادة هيكلة القطاعات، وهو ما يبرهن على الالتزام العُماني بمبدأ الشفافية الذي تعتمد عليه المنظمات الدولية المتخصصة في عمليات التصنيف بشتى أشكالها.وفي ظل اقتصاد المعرفة يؤكد الخبراء تعاظم القيمة الاقتصادية للبيانات المفتوحة، والتي تمثل أساسا متينا من أساسات الاقتصاد المعرفي، وما يُدلل على هذا الترابط الوثيق بين البيانات والنمو الاقتصادي، أن نحو 5 تريليونات دولار هي القيمة الاقتصادية المقدرة للبيانات المفتوحة.وفي ظل التنافسية بين الاقتصادات لاستقطاب رؤوس الأموال وضخ استثمارات في جميع قطاعات الإنتاج- ضمن الإطار العام للاقتصادات القائمة على منتجات الثورة الصناعية الرابعة- تسعى السلطنة حثيثا لتوطين التقنيات الحديثة، وإبرام الاتفاقيات ومذكرات التعاون مع مختلف المؤسسات الدولية من أجل الاستفادة من هذه المنتجات العصرية، والتي يمثل الابتكار والإبداع العمود الفقري لها.وقد اجتمعت مجموعة من الخبراء والمختصين- الأسبوع الماضي - في أعمال الحلقة الوطنية حول "مؤشرات العلوم والثقافة والابتكار والإنفاق على البحث والتطوير"، من أجل صياغة رؤية مستقبلية شاملة لاقتصاد المعرفة في عُمان، فكانت النتيجة الكشف عن خارطة طريق مرتقبة تضع الأسس وخطط العمل اللازمة للارتقاء بترتيب السلطنة في مؤشرات العلوم والابتكار على المستوى العالمي. من ناحية أخرى، تشكل المناطق الصناعية والمناطق الحرة في سلطنة عُمان مقومات مهمة في العمل الاقتصادي والاستثماري، ففي الوقت الذي تتمتع فيه عُمان بمقومات طبيعية تساعد على تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، فإن الموقع الجغرافي المتميز للسلطنة والمطل على ممرات بحرية دولية وإقليمية ساعد على إنشاء عدة مناطق اقتصادية وصناعية حرة على تلك البحار تتمثل في المنطقة الحرة في صلالة، وميناء صلالة، وميناء صحار الصناعي، والمنطقة الحرة في صحار، والمنطقة الحرة في المزيونة والمنطقة الحرة في مسندم، بالإضافة إلى المنطقة الاقتصادية الحرة والحوض الجاف بمدينة الدقم، الأمر الذي ساعد على فتح مزيد من آفاق الاستثمار والتبادل التجاري الحر مع دول العالم.إذ تسعى عُمان من ذلك إلى التنويع الاقتصادي المرتكز على الصادرات والعمل على استغلال وتصنيع مواردها الطبيعية، وزيادة القيمة المضافة لهذه الموارد، والعمل على توقيع اتفاقيات لإنشاء بعض المشاريع الصناعية الكبرى بمشاركة رؤوس الأموال الأجنبية كما هو الحال اليوم بالمنطقة الاقتصادية بالدقم.