كان الاستاذ سالم وهبى رئيس تحرير الاهرام الاقتصادي محقا في مقالته الافتتاحية للعدد قبل الماضي، في توجيه الاهتمام الي واحدة من أبرز قضايانا، ألا وهى إدارة الأزمات في مصر. من الطبيعي في هذه الحياة الدنيا أن تظهر بين الحين والآخر بعض الأزمات، التي تمس جانبا أو آخر من جوانب حياتنا. ومن الصعب حصر جميع الأزمات المحتملة التي يمكن أن نتعرض لها كمجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. جوهر القضية في تقديري هو كيف تتم الاستجابة لهذه الأزمات؟ وهنا أستعين بنظرية الفيلسوف البريطاني ارنولد توينبي 1889 1975 ، في التحدى والاستجابة، فأسلوب الاستجابة لهذه الأزمات أو التحدى يمكن أن يحولها الي فرصة يمكن استثمارها والبناء عليها، أو قد يفاقم من أثرها فتصبح خطرا داهما. فالأزمة أي أزمة تعبر عن مأزق ، أو موقف حاد، أو حدث طاريء، أو مشكلة حرجة، قد تزحف ببطء، أو تتطور بسرعة عالية، فتشكل تهديدا ، حيث تتلاحق الأحداث، وتتعاقب. . تغذى بعضها بعضا سواء علي الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، محليا أو دوليا. لذلك تتسم الأزمة بخصائص ثلاث: 1 التشابك والتداخل في أسبابها وتداعياتها ونتائجها. 2 أن الأحداث تجرى في ظروف عدم التأكد، ونقص المعلومات، وصعوبة فرز الصحيح منها والخطأ. 3 ظهور أصحاب المصالح من كافة الاتجاهات مؤيدين ومعارضين. والامور في الأغلب الأعم لا تتأزم فجأة، او في لحظة، أو في عزلة عن البيئة المحيطة، فلكل أزمة إرهاصاتها. . مقدمات ، وشواهد، ومظاهر أولية تنبيء بأن شيئا ما يلوح في الأفق، وينذر بخطر غير محدد المعالم، أو الاتجاه أو المدى الذي سيصل اليه. . إشارات منذرة ومؤشرات بأنها وشيكة الحدوث. هناك إذن مرحلة تمهيدية تتراكم فيها الأحداث، وتتشكل خلالها الأزمة وتتخلق في ظل أجواء يسودها التوتر والقلق وعدم التأكد. وتستطيع الإدارة الحصيفة إدراك إشارات الانذار المبكر للأزمة، فتبدأ في إدارة هذه الأزمة قبل وقوعها واندلاعها، بتقييمها بأسلوب موضوعي، واتخاذ السياسات والاجراءات الكفيلة بإجهاضها، أو امتصاصها واحتوائها، والسيطرة عليها للتقليل مما قد يترتب عليها من أضرار، وكذلك تحديد أسبابها وعلاجها. وأسباب الأزمة قد تأتي نتيجة قرار خاطيء سواء في مضمونه أو توقيته، أو مشكلة أسيء علاجها لسوء التقدير والتقييم، أو سوء الفهم نتيجة معلومات مبتورة أو خاطئة أو قد تأتي الأزمة انعكاسا لصراع مصالح وصراع إرادات، وصراع قوى لهامطالبها. وقد تكون بعض هذه الأسباب ظاهرا معلوما، أو خفيا مستترا. لذلك فمن الحكمة أن تتعامل الادارة مع الواقع بواقعية وموضوعية، وألا تلجأ الي أساليب إنكار الأزمة بالتعتيم الاعلامي او التزييف الاعلامي، أوكبت الازمة بتأجيل ظهورها، او إخمادها بالعنف، أو بخس الازمة بالتقليل من شأنها، أو تفريغ الازمة من مضمونها بالتحالفات المؤقتة، فلم تعد تجدى مثل هذه الاساليب. وإذا كان الواقع يفرض أحكامه، فإن الواقعية تقتضي قيام الادارة بتقدير الموقف بموضوعية، واحتمالات تطور الاحداث وتحديد الأولويات ، ووضع الخطط والبدائل، وفتح كافة قنوات الاتصال مع الاطراف المعنية، تفاديا لاندلاع الازمة واتساعها، او ما يمكن أن يطلق عليه مرحلة اجتياح الازمة، بتوالي الأحداث وتتابعها، ودخول عناصر جديدة تتفاعل معها، في ظل الاجواء المتوترة والقلقة، ومشاركة أطراف جديدة من المؤثرين في الأزمة والمتأثرين بها. هذا التغيير الكمي أو التراكمي في الفكر الهيجلي اذا استمر في الزيادة ، فإنه يصل في مرحلة معينة الي إحداث تغيير كيفي، فتكتسب الازمة قوة رفع ذاتي، وتصبح السيطرة علي تداعياتها وتفاعلاتها مستحيلة او بالغة الصعوبة، فالاخطار الداهمة لن تترك للادارة بدائل او خيارات متاحة. وهذه أخطر مراحل الازمة. من هنا كان لإدارة الازمة أهمية قصوي، فأيا كانت طبيعة الازمة ومحورها، سواء في نشوئها وتصاعدها، او في معالجتها والتعامل معها، فمن الضروري ومن المفيد اتخاذ مجموعة من الاجراءات الوقائية يتمثل في الآتي: 1 توفير نظام كفء للمعلومات ، يحلل البيانات ويستخرج المؤشرات ذات الدلالة ويقدر احتمالات الخطر ومصادره، ويضع السيناريوهات البديلة لمعالجة هذه المخاطر المحتملة. 2 فتح خطوط الاتصال بشكل دائم مع كافة الاطراف الفاعلة ودراسة وتحليل اتجاهاتها. 3 التنبه الي اشارات الانذار المبكر باحتمال وقوع الازمة ومداها، واتجاهها. 4 احتواء الضرر، بالحيلولة دون اتساع آثار الازمة، وإيقاف سلسلة التأثيرات الناتجة عنها. الأهم أن نسعي الي تحويل الازمة الي فرصة، بالنظر اليها كنقطة تحول يمكن استثمارها لإعادة صياغة الظروف والبيئة المحيطة بالأزمة. ويتأتي تحويل الازمة بما تحمله من مخاطر الي فرصة باكتشاف نقاط الضعف لتقويمها، وتعزيز القدرات واطلاقها لاعادة صياغة الظروف علي نحو أفضل، وايجاد الحلول السديدة وأن نضع في حسباتنا أن ادارة الازمة تبدأ قبل وقوع الازمة بأن تمتلك الادارة القدرة علي المبادأة او المبادرة واستشراف كل الاحتمالات والمتغيرات. وهناك تجارب عديدة يمكن أن يستفاد منها ، شريطة أن نعرف أين نضرب معولنا. S.KHALEq@ hotmail. com