بعد مرور عشر سنوات على الأزمة المالية العالمية لا يزال مؤشر ستوكس 600 الأوروبى للبنوك أقل من مستواه فى مطلع 2008 وبنسبة 48%. المؤشر يقود بورصات المنطقة للهبوط حيث ارتفع مؤشر ستوكس 600 العام للشركات الأوروبية الكبيرة بنسبة 25% فقط خلال الربع الأول من العام الجارى -بعد خصم توزيعات أرباح الأسهم- مقارنة بارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للشركات الأمريكية بنسبة 82%. الأمر يعكس التفاوت الكبير فى أداء البنوك على جانبى الأطلنطى، فما الأسباب؟ وهل لسياسات الرئيس الأمريكى علاقة بتفوق البنوك الأمريكية على نظيراتها الأوروبية؟
يثير انخفاض ربحية بنوك عالمية مخاوف من أن يكون اتجاها عالميا، ويشير محللون إلى أفول نجم البنوك الأوروبية، مع تشديد قواعد رأس المال منذ الأزمة المالية العالمية التى أثرت فيها سلبا أكثر من البنوك الأمريكية. بالإضافة إلى أن الميزانيات الضخمة والسوق المحلى الكبير منح البنوك الأمريكية مجالا أكبر مما يتوافر للبنوك الأوروبية. ونجحت البنوك الأمريكية فى إعادة الهيكلة على نحو أسرع من البنوك الأوروبية بعد الأزمة، فكان على الأوروبيين اختيار نماذج جديدة، على سبيل المثال اتجه يو بى إس السويسرى للتحول من بنك استثمارى إلى إدارة الثروات، أما كريدى سويس فاتجه للتوسع فى آسيا فى الوقت المناسب، وباركليز وضع نفسه كبنك عابر للأطلنطى. وإذا كان لدى فرنسا عدد قليل من البنوك الكبرى، فإن ألمانيا لديها العديد من البنوك الصغيرة، ورغم أن بى إن بى باريبا بنك استثمارى أكبر من حيث الأصول مقارنة بدويتش بنك، فإنه يحتل المرتبة السادسة فى أوروبا ودويتش بنك الثانية مع استحواذ البنوك الأمريكية على بقية المراكز المتقدمة، ومن ثم تتمتع البنوك الأمريكية هذه الأيام بسمعة أفضل من الأوروبية، مع تسجيلها نتائج أعلى بما يعكس الأداء التجارى القوى والالتزام بإجراءات خفض النفقات والسيطرة على المخاطر. وسجلت البنوك الكبرى أرباحا فصلية قياسية خلال الربع الأول من العام الجارى، كان فى مقدمتها مورجان ستانلى وبنك أوف أمريكا. كما بلغت أرباح جى بى مورجان 8.7 مليار دولار، وهو أعلى مستوى يحققه أى بنك أمريكى، أما جولدمان ساكس فسجل أعلى ربحية له فى خمس سنوات خلال الفترة نفسها. ويرجع ذلك فى رأى المحللين إلى تحسن الظروف الاقتصادية فى الولاياتالمتحدة، والتى انعكست على زيادة الطلب على الرهن العقارى وقروض السيارات والشركات، كما تلقت الصناعة المصرفية دفعة قوية من الحزب الجمهورى بخفض الضرائب، فعادة ما كانت البنوك تدفع نسبة عالية، ما جعلها من أكبر الفائزين من خفض ضرائب الشركات من 35% إلى 21%. وعلى سبيل المثال، انخفضت فاتورة الضرائب لبنك أوف أمريكا من 29% من أرباحه إلى 21% بما يمثل ثلث الزيادة فى الأرباح. فى الوقت نفسه، استفادت البنوك الكبرى من تذبذبات وول ستريت بسبب الحرب التجارية الدولية التى يشنها ترامب، بالإضافة إلى انخفاض أسهم شركات التكنولوجيا ومخاوف بخصوص التضخم، جميعها عوامل عززت نشاط التداول فى ظل تهافت العملاء على عمليات البيع. وبفضل فوضى الأسواق ارتفعت أرباح مورجان ستانلى عن التداول والبيع 25% إلى 4.4 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجارى. وارتفعت إيرادات البنوك عن نشاط تداول الأسهم بنسبة 38% فى بنك أوف أمريكا، و31% فى جولدمان ساكس وهو أعلى مستوى فى ثلاث سنوات، حتى إنه كافأ موظفيه بمكافآت سخية -حصل المصرفى المتوسط على 110 آلاف دولار خلال الربع الأول، مقارنة بنحو 96 ألف دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضى-.
نتائج مخيبة للآمال للبنوك الأوروبية: يتبين أن البنوك الأوروبية باتت أقل صمودا وأكثر ضعفا من الناحية المالية، فرغم جهود دعمها بعد الأزمة العالمية، فإن النظام المصرفى الأوروبى لا يزال مثقلا بديون مسمومة تقدر بنحو 880 مليار يورو بحسب بيانات هيئة البنوك الأوروبية، مقارنة بنحو تريليون دولار فى 2016. وكان فى مقدمة البنوك التى باعت ديونا متعثرة البنوك اليونانية وإنتيسا سان باولو. ويطالب البنك المركزى الأوروبى البنوك المثقلة بالديون بأن تخفض انكشافها على القروض المتعثرة إلى أقل من 5% من إجمالى محفظة القروض. ويقدر متوسط الديون المتعثرة فى الاتحاد الأوروبى بنحو4%، وإن كان الكثير من الدول الأوروبية لديها بنوك تزيد فيها تلك النسبة على 5%، مثل اليونان والبرتغال وأيرلندا وإيطاليا. وتتفاوت نسب انخفاض الأرباح فى البنوك الأوروبية، فدويتش بنك، أكبر بنك ألمانى، تراجعت أرباحه خلال الربع الأول بنسبة 79% إلى 120 مليون يورو أو 146 مليون دولار. وتقدر خسائر سهم البنك بنحو 85% مقارنة بعام 2007 لتصل القيمة السوقية لدويتش بنك إلى نحو 24 مليار دولار. أما إتش.إس.بى.سى فانخفضت أرباحه 4% خلال الفترة نفسها. وعلى وقع نتائج الأعمال المخيبة للآمال تراجعت أسهم البنوك الأوروبية، فانخفضت أسهم بي.إن.بى.باريبا وسوسيتيه جنرال الفرنسيين انخفاضا حادا،3.1 و6.3% على التوالى. وحتى بالنسبة للبنوك التى سجلت نموا فى الأرباح كانت الزيادة متواضعة، فارتفعت أرباح بنك «كريدى أجريكول» الفرنسى خلال الربع الأول من العام الحالى بنسبة 1.2% إلى 856 مليون يورو. أما بنك «يونى كريديت» الإيطالى فارتفع صافى أرباحه القابلة للتوزيع خلال الفترة نفسها بنسبة 22.6% سنويا إلى 1.11 مليار يورو مقابل 907 ملايين يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضى. وسجل بنك ستاندرد تشارترد البريطانى أرباحا قبل حساب الضرائب قيمتها 1.2 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالى بما فيها 70 مليون دولار كنفقات إعادة هيكلة، مقابل خسائر قدرها 113 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضى. كما ارتفع صافى أرباح مجموعة «كوميرتس بنك» المصرفية الألمانية خلال الربع الأول من العام الحالى إلى 250 مليون يورو مقابل 229 مليون يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضى، لتصل أرباح السهم الواحد إلى 0.20 يورو مقابل 0.18 يورو العام الماضى.