بدأ انعقاد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى الملوك والقادة، منذ نشأة الجامعة ذاتها عندما استضافت مصر عام 1946 فى قصر "إنشاص" أول قمة شاركت فيها الدول السبع المؤسسة للجامعة، وهى: الأردن، ومصر، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا. وركّزت تلك القمة على القضية الفلسطينية، وأعلنت عزمها على "التشاور والتعاون والعمل قلبا واحدا ويدا واحدة"، بكل الوسائل لمساعدة الشعوب العربية التى ما زالت تحت الحكم الأجنبى لكى تنال حريتها وتبلغ أمانيها وتصبح أعضاء فاعلين فى أسرة جامعة الدول العربية ومنظمة الأممالمتحدة. ومنذ ذلك الوقت -ومع حركة استقلال وتحرير الدول العربية فى المشرق الخليجى والمغرب العربى- اتسع عدد الدول الأعضاء فى الجامعة ليصل إلى 22 دولة. وفى البداية كان انعقاد القمة يأتى وفقا لرغبة القادة كلما عنَّ لهم بحث أمر من الأمور. ثم بدأت القمة العادية تلتزم بالانعقاد سنويا بدءا من سنة 2000 فى القاهرة. كما أخذ العرب بالمبادرة المصرية الكويتية لعقد قمة عربية "اقتصادية واجتماعية وثقافية وتنموية" كل سنتين اعتبارا من سنة 2009 عندما انعقدت فى الكويت، ثم فى شرم الشيخ فى يناير سنة 2011، ثم فى الرياض سنة 2013. وبهذا عقدَ القادة العرب أربعين اجتماع قمة حتى عام 2017. منها 28 قمة عادية، و9 قمم غير عادية، و3 قمم اقتصادية. ونتوقف عند بعض هذه القمم التى اكتسبت أهمية خاصة مثل قمة القاهرة (يناير 1964) التى بحثت العدوان الإسرائيلى على المسجد الأقصى. وقمة الخرطوم (29 أغسطس - 2 سبتمبر 1967) التى اجتمعت لدعم صمود مصر فى مواجهة العدوان الإسرائيلى على مصر. وفى القاهرة (21 - 27 سبتمبر 1970) والتى ارتبطت بتسمية (أيلول الأسود) والعدوان على الفلسطينيين. كما انتهت بوفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. وترتبط قمة الجزائر فى نوفمبر 1973 بإطلاق أول مبادرة عربية لإطلاق حوار عربى أوروبى، أسس لعهد جديد من العلاقات العربية الأوروبية. يقوم على التعاون وتخطى حقبة العداء والاستعمار. واستمر سنوات فيما عرف بالحوار العربى الأوروبى. أما القمة العربية فى بغداد، فى نوفمبر 1978، وكذلك القمة العربية فى تونس فى نوفمبر 1979، فقد ارتبطتا بعصر القطيعة العربية وتجميد عضوية مصر فى الجامعة ونقل مقرها إلى تونس. وعلى خلاف ذلك كانت قمة الدار البيضاء بالمغرب فى مايو 1989 والقمة العربية غير العادية فى القاهرة فى أغسطس 1990 بداية لعصر جديد من المصالحة العربية، وعودة الجامعة لمقرها الرئيسى بالقاهرة. ويذكر لقمة القاهرة 1996 أنها أطلقت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التى حررت التجارة وألغت الرسوم الجمركية تماما بحلول عام 2005. كذلك يذكر لقمة بيروت (مارس 2002) أنها أسست لإطلاق مبادرة سمو الأمير (الملك لاحقا) ولى عهد السعودية وقتها. وهى المبادرة العربية للسلام، ومبدأ الأرض مقابل السلام. وبهذا تبنت الدول العربية عمليا سنة 2002 مسيرة السلام التى أطلقتها مصر سنة 1979، والاتفاق الفلسطينى الإسرائيلى المعروف باتفاق مبادئ أوسلو سنة 1993. قمة القدس وتأتى القمة العربية فى الظهران لتحظى باهتمام بارز فى المحيط العربى والعالمى، لأنها جاءت وسط أحداث وتهديدات للأمن العربى الإقليمى، ولأمن عدة دول عربية بالذات. وقد تصدرت المشهد ثلاث قضايا رئيسية: قضايا الأمن وتتصدرها الحرب الأهلية فى سوريا والضربة الثلاثية الأمريكية البريطانية الفرنسية، التى أيدتها حتى بعض البلدان العربية. وقيام دولة إسلامية شقيقة وجارة (تركيا) باحتلال أراضى دولتين عربيتين. العدوان بالوكالة القائم فى اليمن وتهديد الأراضى السعودية. والذى لا يخفى أنه كان وراء نقل القمة لتعقد فى الظهران بدلا من الرياض لتفادى صواريخ الحوثيين إيرانية الصنع. قضية الإرهاب الذى يتغلغل داخل الدول العربية، وتموله، وتسلحه، وتمنحه ملاذا آمنا، بل تفرد له وسائل إعلامها لتبرر عدوانه. ورغم حالة الإحباط التى سبقت القمة، فقد اعتبرها البعض علامة فارقة فى العمل العربى، فقد أعادت لقضية العرب الأولى، أهميتها ومكانتها ووهجها، فى تأكيد على أن فلسطين لن تغيب عن وجدان العرب والمسلمين، وستظل قضيتهم الأولى حتى حصول شعبها على جميع حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، متصديا بذلك لأى قرارات تتجاوز هذه الحقوق، وخصوصا قرار الإدارة الأمريكية المتعلق بالقدس الذى رفضه المجتمع الدولى بأغلبية ساحقة. وقد جاءت القمة العربية فى لحظة مفترق طرق شديدة الخطورة، تطلبت من القادة العرب الإبحار فى هذا المحيط المتلاطم بالمخاطر والعواصف إلى بر الأمان. وهنا برز دور الدبلوماسية المصرية الذى رسم معالم كثيرة من البيان الختامى للقمة دون أن يصطدم بالمحاذير التى تحيط بكل الأمور، فالذى يقرأ البيان الصادر عن مصر فى شأن أحداث سوريا، والذى أبرزه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى خطابه، سيلحظ التوازن الذى أنشأه الموقف المصرى حيال القضية السورية، فمن جهة أعلن بالغ القلق تجاه ضرب مواقع سورية بالصواريخ، ووازن ذلك من جهة أخرى بالتعبير عن ذات القلق والرفض لاستخدام أسلحة الغاز والدمار الشامل فى الحرب الأهلية السورية. وطالب بإجراء تحقيق دقيق وشفاف لتحديد المسئولية عن استخدام تلك الأسلحة. كذلك جاء الموقف من القضية الفلسطينية معتمدا على الصياغات والمواقف المصرية من حيث رفض ممارسات الاحتلال، وعدم الاعتراف بقرار الولاياتالمتحدة بنقل سفارتها إلى القدس. وفى الوقت ذاته ساند الصمود الفلسطينى فى مقاومة الاحتلال. ودعمت السعودية ذلك بتقديم 50 دولارا لدعم وكالة الأممالمتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومبلغ 150 مليون دولار للحفاظ على التراث الإسلامى لمدينة القدس. ولا نغفل هنا أن الاتحاد الأوروبى ما زال فى مقدمة الجهات الداعمة للسلطة الفلسطينية. كما أنها لا تعترف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية وتعاملها كأراض فلسطينية. وفى النهاية لم يحظ الملف الاقتصادى -كالعادة- بالاهتمام الإعلامى الكافى، فقد قطع العرب شوطا جيدا فى تحرير تجارة السلع بالكامل، وتحرير حركة رءوس الأموال فى اتفاقية تشجيع وحماية رءوس الأموال العربية وإقامة محكمة لفض منازعات الاستثمار. كما وقعت مصر والأردن أوراقا جديدة فى شأن تحرير تجارة الخدمات. وتبقى الحرية الرابعة الشديدة الأهمية لاستكمال (السوق العربى المشترك) وهى حرية انتقال الأفراد، وفى هذا نأمل فى أن توجه القمة العربية تعليماتها لمجلس وزراء الداخلية العرب كى ينشئوا نظاما لتسهيل حركة الإنسان فى الوطن العربى، بصورة تتماشى مع ما يجرى بين بلدان أوروبا الثمانية والعشرين التى تتحدث 21 لغة مختلفة. بينما العرب توحدهم لغة واحدة تليق بأن تسهل تحركهم واتصالهم فى البلدان العربية بكل حرية.