سؤال يتردد بقوة هذه الايام فى الدوائر المالية والاقتصادية بالبلاد، اسباب السؤال متعددة فهناك اولا الارتفاع المتوالى فى اسعار السلع الرئيسية بما يشى بوجود ضغوط تضخمية كاسحة قد تكون ناتجة عن طبع بنكنوت. وهناك ثانيا زيادة ملحوظة فى حجم النقود المتداولة سواء داخل الجهاز المصرفى الذى كشفت عنه عمليات شراء البنوك لاذون وسندات الخزانة الحكومية او خارج الجهاز المصرفى الذى كشفت عنه تقارير اخيرة صادرة عن البنك المركزى فى بند النقد المصدر. وهناك ثالثا حالة الغموض التى يصر البنك المركزى على ان تحيط بهذه القضية، فلا معلومات ولا اجابات واضحة ولا رسالة طمأنة للسوق ومن ثم اصبحت الاحاديث غير المدققة هى الواردة فى معرض الحديث عن اقدام الحكومة المصرية على طبع البنكنوت فى الفترة الاخيرة لمواجهة مطالب فئوية متزايدة واضطرارها لادراج مخصصات مالية فى بنود المكافآت والاجور لبعض الفئات المحتجة لم تكن واردة اصلا عند اعداد الموازنة الحالية. هنا مكمن الخطر ذلك انه ليس من المنطقى ولا من المقبول لاسباب سياسية واقتصادية يطول شرحها ان يجرى الحديث فى بلد ما عن طبع بنكنوت ثم نجد السلطة النقدية تلتزم الصمت ولا تريد توضيح الامور او الاجابة عن تساؤلات وتكهنات الدوائر المالية وتترك الامور نهبا للشائعات والاحاديث غير المدققة. فمن المعروف ان طبع البنكنوت يعنى مجموعة من المخاطر الاقتصادية التى تمس حياة المواطن اليومية بدءا مما يحمله طبع البنكنوت من تضخم فى الاسعار مرورا بانخفاض قيمة العملة الوطنية وانتهاء بانهيار قيمة الاصول الرأسمالية المملوكة للمواطنين من اراض وعقارات وغيرها. ومن المعروف ان عملية طبع البنكنوت فى اى بلد تعنى رسالة سلبية للعالم الخارجى لانها تشير الى أن ثمة صعوبات شديدة يواجهها اقتصاد ذلك البلد لان اوضاعه المستقبلية غامضة وغير مطمئنة ومن ثم يؤثر على صناعة القرار لدى المستثمر الاجنبى سواء كان ذلك المستثمر فردا او بنكا او مؤسسة مالية او صناعية. وبالتالى فان تجاهل الامر برمته من جانب البنك المركزى ليس فى صالح الاقتصاد الوطنى ولا فى صالح المواطن البسيط ولا فى صالح الجهاز المصرفى حيث ان ترديد احاديث عن طبع البنكنوت بما يحيط به من شائعات ربما يدفع كثيرين من اصحاب المدخرات الى الاسراع بتحويل مدخراتهم من الجنيه الى العملات الاجنبية خاصة اليورو والدولار الأمر الذى يعنى عودة ظاهرة الدولرة بما تنطوى عليه من ضغوط اضافية على الجهاز المصرفى وعلى العملة المحلية وتعيد مرة اخرى السوق السوادء للدولار. من هنا يصبح لزاما على البنك المركزى اتباع سياسة اكثر مكاشفة وشفافية فى هذا الامر، إما ان ينفى على نحو قاطع أنه تم طبع بنكنوت خلال الفترة الاخيرة، وإما ان يعترف اذا كانت تمت عمليات من هذا النوع ويقول للناس متى وكم تم طبعه واثار ذلك على قوة الجنيه. هذان هما الحلان اللذان يخدمان مصلحة الاقتصاد والسوق اما ان يقال ان البنك المركزى طبع بنكنوتا ولا يريد الاعتراف بذلك حتى لا يبعث برسالة سلبية عن الاوضاع الاقتصادية بالبلاد فهذا هو الخطأ بعينه وهو خطأ فادح والجميع سوف يدفع الثمن. واذا كان البنك المركزى قد اتبع سياسة عدم الافصاح فى كثير من القضايا المالية فى مرحلة ما قبل الثورة فمن المفروض ان الامور تغيرت الان وان الشعب اصبح شريكا فى صناعة القرار ورقيبا عليه وليس من حق احد ان يدعى الوصاية على الناس بدعوى ان هذه امور فنية لا يفهم فيها العامة، صحيح قد تكون القضية فنية لكن لها ابعاد شعبية وتؤثر على حياة الناس مباشرة وبالتالى من حق الناس ان تكون طرفا فى القضية وليست طرفا مفعولا به طول الوقت، فالمصريون يمتلكون شجاعة تحمل تبعات اصعب القرارات الاقتصادية ولكن بشرط ان يعلم الناس لماذا تم اتخاذ هذه القرارات؟ وهل كان لها بدائل ام لا؟ والفلسفة التى تقف وراء مثل هذه القرارت، اما الاستمرار فى سياسة القرارات الفوقية وتجاهل احاديث السوق وكأن ما يقال يخص بلدا اخر وبنكا مركزيا اخر فهذا امر غير مقبول وثمنه فادح لانه يفتح الطريق امام المزيد من الشائعات ويدفع الناس لاتخاذ قرارات مالية قد تكون فى غير صالحهم او فى غير صالح الاقتصاد على المدى البعيد. واخيرا هناك تساؤل يطرح نفسه فى هذه القضية وهو هل تجاهل البنك المركزى لقضية طبع البنكنوت له علاقة بالخروج المتوقع للدكتور فاروق العقدة من منصبه بنهاية هذا العام كما سبق ان اعلنت بعض الاطراف المعنية بما فيها العقدة نفسه الذى اعلن عن رغبته فى التقاعد، وهل ذلك يعنى تصدير المشكلة الى المحافظ القادم للبنك المركزى الذى يرجح البعض ان يكون شخصية اقتصادية مستقلة وليست اخوانية.. القضية باتت معقدة وتداخل فيها ما هو شخصى بما هو عام والافضل ان يخرج علينا البنك المركزى ببيان يقول فيه الحقيقة ولا شىء غير الحقيقة.