اعتاد المنتدي الاقتصادي العالمي ان يكون منارة للتفاؤل . ولكن في منتدي دافوس الصيفي هذا العام والذي يعقد سنويا في الصين منذ عام 2007 سادت مدينة تيانجين الصينية اجواء القلق. بالطبع السبب الرئيس لمخاوف الحاضرين بخصوص الاقتصاد العالمي هو ازمة الديون الاوروبية ، ولكن ربما كان اكبر هاجس مايتعلق بالصين ، ثاني اكبر اقتصاد في العالم وقاطرة النمو التي تراجع معدل نموها في الشهور الاخيرة إلي ادني مستوي منذ الازمة المالية العالمية. ومؤشرات تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني تثير القلق فالعالم اعتاد منذ الازمة العالمية علي الاخبار السيئة عن اوروبا وامريكا ولكن ليس عن الصين وذلك بعد تراجع النمو للربع المالي السادس علي التوالي ، انخفاض القروض المصرفية الي ادني مستوي منذ عشرة اشهر في شهر اغسطس ، وارتفاع الصادرات بنسبة 2.7% فقط مقابل تراجع الواردات بنسبة 2.6% حلال شهر اغسطس مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. والشركات في الصين التي اعتادت علي نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات قوية في السنوات الماضية ستضطر الي قبول 7.5% هذا العام ، ولذلك يبدي رجال الاعمال في كواليس البيزنس مخاوفهم إزاء ديون معدومة وتخفيضات في الانفاق ستفرض عليهم تسريح عمال. وكما حذر احدهم من موجة من تخفيضات الوظائففي صناعة السيارات في الصين خلال فترة قصيرة قد تصل إلي العام المقبل . وقلق مجتمع الاعمال يرجع إلي سببين . الأول انه في ظل معدلات النمو السلبية لمعظم دول العالم المتقدم، تحولت الشركات إلي الاسواق الناشئة وخاصة الصين للاعتماد عليها من أجل الحفاظ علي معدل نموها . فعندما وقعت الازمة المالية العالمية استجابت الاقتصادات الصاعدة وفي مقدمتها الصين التي اطلقت برنامج تحفيز ضخم ، ونجحت الدول الصاعدة في تحقيق التوازن اللازم للاقتصاد العالمي ومع ذلك تبين ان المشكلة اكبر مما كان متوقعا ومع تفاقم ازمة الديون السيادية الاوروبية خفضت اوروبا وارداتها من الصين كما تراجعت بنوك المنطقة عن تدفقاتها إلي الاسواق الناشئة في ظل المشاكل التي تعاني منها اسواقها المحلية . والان يواجه الاقتصاد الصيني ضغوطا تدفع لتباطؤ نموه رغم إجراءات التحفيز التي اتخذتها الحكومة وابرزها ضخ استثمارات ضخمة في مشاريع بنية تحتيه . ولكن كما يقول محللون انها تحتاج الي تدابير اكثر قوة للحفاظ علي معدل نمو قوي وتبديد المخاوف من ان يؤدي تباطؤ النمو الصيني إلي تعثر الاقتصاد العالمي. اما السبب الثاني في قلق مجتمع دافوس والاعمال . فهو عدم الثقة في البيانات الرسمية عن الصين فلا احد يعلم علي وجه الدقة مدي صحة الاحصاءات المنشورة وما اذا كان انخفاض معدل النمو مجرد تراجع مؤقت ام انه اتجاه للهبوط الحاد . وهل سيلتزم المسؤلون بمعدلات النمو المستهدفة المعلن عنها ام ان المبالغة فيها بغرض إرضاء القادة. وهنا يقول اقتصاديون انه لايوجد دولة كبيرة اخري بمثل الغموض الذي يحيط بالاقتصاد الصيني. المشكلة الحقيقية في الصين ليست في صعوبة فهم ما يجري بالنسبة للأجانب فقط وانما في صعوبة الفهم للصينيين انفسهم . وعلي سبيل المثال ، القضية الساخنة في الاسابيع الاخيرة كانت حول اختفاء الرجل المفترض ان يصبح الرئيس الصيني القادم بعد اسابيع ، جين بينتج ، فهو لم يظهر امام العامة منذ 1 سبتمبر حيث الغي عدة اجتماعات كانت مقررة من كبار الشخصيات الاجنبية التي تزور البلاد ، ومنهم وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ورئيس وزراء سنغافورة ، وذلك برغم اصابته بالام في الظهر . ولكن اختفاءه الغامض اثار شائعات حول تجدد الصراع السياسي بعد اشهر فقط من إزاحة سكرتير الحزب الشيوعي السابق بوش لاي علي اثر فضيحة مقتل رجال اعمال بريطاني . وبالرغم من شغف مجتمع دافوس بمعرفة الحقيقة حول اختفاء الرئيس القادم الا ان رئيس الوزراء وين جياباو لم يتطرق للموضوع في كلمته للمنتدي يوم 11 سبتمبر. عادة في الدول المتقدمة ، تدعم حرية تدفق المعلومات التقدم ، فالشركات تستمع إلي شكاوي عملائها من اجل تحسين مستوي المنتج او الخدمة التي تقدمها . وفي الدول الديمقراطية ايضا يستمع السياسيون إلي مطالب الناخبين لإرضائهم ، ولكن في الصين ، علي العكس ، معظم القضايا المهمة يتم مناقشتها وراء الكواليس ، وهو الامر الذي دعا احد رجال الاعمال الشباب للتساؤل يوما عن سر سيطرة مجموعة من كبار القوم علي مقاليد الحكم في الصين وليس القوانين ، ولماذا لايسمح للشعب بالاختيار بين عدة احزاب سياسية؟ ولماذا يرتدي مسؤولون ، رواتبهم متواضعة ، ساعات متواضعة بالجواهر؟ بالرغم من قيام صندوق النقد الدولي بخفض توقعاته بالنسبة للنمو الصيني . وبالرغم مما سبق لاتزال الصين تنمو بوتيرة اسرع مما كانت عليه قبل عام 2003 ، ولكن الوصول إلي معدلات النمو التي تميزت بها في العقد الماضي يستلزم الحفاظ علي توازن اقتصادها الكلي والعودة إلي إصلاحات الاقتصاد الجزئي والتي سمحت لها في المقام الاول بتحقيق القفزة التي ابهرت العالم. استقرار الصين سياسيا واجتماعيا مرتبط باستمرار ارتفاع مستويات المعيشة ولذلك من المتوقع ان يلتزم قادتها بالحفاظ علي النمو حتي ولو كان بوتيرة ابطأ خلال السنوات المقبلة