اصطحبت الصحيفة قراءها فى جولة سريعة فى مزرعة “ذكية” فى نيوزيلاندا حيث يتم استخدام “طائرات بدون طيار” فى مراقبة المواشي، للتنبؤ بالاصابات المحتملة او حالات الولادة، مما يساعد فى خفض التكاليف وزيادة الانتاجية ويعزز انتاجيتها بنحو 200 دولار للهكتار الواحد (الهكتار يساوى عشرة آلاف متر مربع). وتعد الطائرات بدون طيار مجرد مثال بسيط لآفاق جديدة يمكن ان يصل إليها القطاع الزراعى بفضل تكنولوجيات، بعضها موجود بالفعل والآخر هو موضع اهتمام كثيرين لما لها من امكانيات سيحقق انتشارها الزيادة المرجوة فى الانتاج الزراعى العالمي. حديث البيزنس عن التكنولوجيا، عادة ما يرتبط فى الاذهان بالقطاع المالى والبنوك، لكن مثلما اقتحمت التكنولوجيا قطاعات عديدة، كان للزراعة ايضا نصيب. ووعود “الزراعة الذكية” للعالم تتراوح ما بين خفض التكاليف وزيادة الانتاجية باستخدام كميات اقل من المياه فى ظل التغيرات المناخية ونقص المياه والاراضى الصالحة للزراعة. ووفقا لتوقعات البنك الدولي فإن حجم بيزنس الزراعة فى افريقيا سيصل الى تريليون دولار بحلول عام 2030 وذلك من خلال تسخير استثمارات ضخمة للتكنولوجيا ما سيرفع انتاجية المحاصيل بنسبة 50٪ فى المتوسط. الزراعة الذكية، ابتداء من الرى بالتنقيط - الاقل كلفة- الى الطائرات بدون طيار او الزراعة المائية -الاعلى سعرا- تكمن اهميتها فى قدرتها على التعامل مع التحديات التى تواجه العالم، حيث تشير توقعات الاممالمتحدة الى ارتفاع عدد سكانه بنحو مليارى شخص الى 9 مليارات بحلول عام 2050، فى حين انها ترجح زيادة استهلاك المحاصيل الزراعية بنسبة 60٪ عما كان عليه فى عام 2005 . ومن ثم كان إطعام سكان العالم فى ظل التغيرات المناخية التحدى الاكبر فى رأى منظمة الاغذية والزراعة “الفاو”. و”نظريا”، تمكن العالم حتى الآن من انتاج ما يكفى سكانه، لكن “الواقع” ان واحدا من كل عشرة يذهبون الى النوم جوعي. وهو ما يلقى بظلاله اجتماعيا وسياسيا على بعض الدول. وحسبما تقول “الفاو” فإن الانتاج الغذائى العالمى حاليا يكفى لإطعام جميع سكان العالم لكن عدد الجوعى يقارب 800 مليون شخص ما يشير الى ارتباط الامن الغذائى بالنفاذ الى مناطق الزراعة والانتاج. والتحدى الجديد هو زيادة انتاجية الاراضى المزروعة بالفعل نظرا لان مساحة الاراضى الصالحة للزراعة محدودة. وفى حين بلغت الزيادة فى الاراضى المستصلحة لزراعة المحاصيل الزراعية نسبة 14٪ بين عامى 1961 و 2006 الا ان الاراضى الجديدة المتاحة خلال الاربعين سنة القادمة لا تتجاوز ال 10٪ بحسب احصاءات الفاو وبنك “رابوبنك” الهولندى. ومن ثم تصبح زيادة الانتاجية امرا حتميا لاسيما فى الوقت الذى يبدى فيه ناشطو البيئة، مثل منظمة السلام الاخضر “جرينبيس”، معارضة شديدة للتعديل الوراثى للاغذية، وحشد لوبى لزيادة الانفاق على ابحاث فى مجالات مختلفة من تطبيقات التكنولوجيا الحيوية . وهنا تقول المنظمة ان زراعة محاصيل ذكية ستكون عاملا اساسيا لزيادة الانتاجية فى اطار الزراعة البيئية. وتشير الى امكانيات “التربية الذكية” للماشية مؤكدة افضليتها على تكنولوجيا الهندسة الوراثية. ومثل هذه الابحاث تحتاج بالطبع الى تمويل ضخم. وبالفعل، تشهد استثمارات قطاع التكنولوجيا الزراعية نموا قويا، بارتفاعها من 500 مليون دولار فى عام 2010 الى 4.2 مليار العام الماضى، بحسب احصاءات مجموعةAgFunder الاستثمارية المتخصصة فى تمويل المشاريع الزراعية. وتشير المجموعة الى ضرورة زيادة الاستثمارات الزراعية لاسيما فى مجالات جديدة مثل البيانات الضخمة التى تؤكد انها ستحسن الانتاجية. يذكر ان سلاسل التجزئة الكبيرة، مثل “وول مارت”، استفادت كثيرا من بيانات العملاء التى تتوافر لديها من خلال “بطاقات الولاء” التى تسجل مشترياتهم، ما يساعدها فى تقليل هدر السلع الغذائية لديها. فمنذ سنوات تحرص الشركة فى الولاياتالمتحدة على تحليل انماط التسوق لعملائها ومتابعتها مع تغير الفصول. وتبين لها على سبيل المثال، زيادة الاقبال على تناول اللحوم فى الفترات التى يكون فيها الطقس دافئا وليس فى ايام الامطار الغزيرة، وعندما تنخفض درجة الحرارة عن 27 درجة مئوية والرياح خفيفة يزيد الطلب على ثمار التوت. ومن ثم، معرفة الشركة لمثل هذه المعلومات، التى قد تبدو بسيطة، تساعدها على طلب الكميات المناسبة من مورديها بما يقلل لديها الفاقد ويعزز ارباحها. الاستفادة من تخزين البيانات الضخمة وتحليلها، مجرد مثال على المكاسب التى توفرها التكنولوجيا لقطاع الزراعة والتجزئة. ومن الامثلة الاخرى، التى اشار اليها تقرير لوكالة بلومبرج، تكنولوجيا “الاستشعار” التى تجعل المزارع اكثر “ذكاء” واكثر اتصالا بتجار التجزئة من خلال ما يعرف ايضا ب”الزراعة الدقيقة” التى تعتمد على الاقمار الصناعية ونظام المواقع العالمي GPS وانظمة المعلومات الجغرافية. ونظام “الزراعة الدقيقة” موجود بالفعل حيث تقوم شركات ومكاتب زراعية بجمع كميات ضخمة من البيانات حول المحاصيل الزراعية وخرائط التربة والتطبيقات الخاصة بالاسمدة بالاضافة الى بيانات حول الطقس والالات وبيانات صحية للماشية. وبحسب التقرير، تحقق تقنيات الزراعة الدقيقة للمزارع زيادة 18٪ فى دخله. ومن ضمن فروع الزراعة الذكية، تكنولوجيا “التربية الدقيقة للماشية”، حيث يتم استخدام اجهزة استشعار فى مراقبة المزارع والكشف المبكر عن حالات الاصابة والولادة فى الحيوانات. ومن بين البيانات التى يتم جمعها، على سبيل المثال، درجة حرارة الجسم ونشاط الحيوان والنبض وموقعه بنظام الGPS . وقد لفت تقرير بلومبرج الى مخاوف البعض بخصوص دور الشركات العملاقة مثل “دو بونت” و”مونسانتو” الامريكيتين فيما يتعلق بملكية البيانات الزراعية. وعلى سبيل المثال، من الذى سيملك بيانات استشعار التربة، هل هى مونسانتو ام المزارع. فاذا كانت الشركة، او غيرها، ماذا ستفعل بها؟ فقد يكون هناك استغلال سيئ من جانب شركات التكنولوجيا الحيوية العملاقة التى ستتقاضى من المزارعين مبالغ متفاوتة مقابل نفس المنتج او الخدمة. كما ان النفاذ الى بيانات تتعلق بالزراعة والحصاد والانتاجية قد يساعد الشركات فى التنبؤ بقيمة الاراضى الزراعية على نحو افضل من سواها بما يتيح لها العلم بخبايا اسواق السلع بشكل لا نظير له. يروج البعض للزراعة الذكية على انها هى اهم الفرص الواعدة فى مجال البيزنس لحل ازمة الغذاء، حيث احتلت المرتبة الاولى فى تقرير الفرص الاستثمارية العالمية لعام 2016 . يذكر انه قديما اقتصر اهتمام المزارعين بالبيانات الزراعية على بيانات فترات الزراعة والحصاد. لكن اليوم توفر التكنولوجيا المتطورة آفاقا جديدة تتيح لهم ادوات بالغة الدقة لزيادة الانتاجية، وشأنها شأن التكنولوجيات الجديدة، سعرها يقل بمرور الوقت. وهكذا وفقا للمسح الذى اجراه ميثاق الاممالمتحدة فى ثمانى مدن منتشرة فى خمس قارات بسؤال 5500 رئيس شركة خاصة وعامة، جاءت “الزراعة الذكية” فى مقدمة حلول ازمة الغذاء العالمية، تليها الفرص الجديدة فى سوق العمل الرقمي. وقد ابدى قادة البيزنس فى امريكا الشمالية وافريقيا جنوب الصحراء والهند يقينا خاصا بامكانيات الزراعة الذكية، موضحين انها ليست تكنولوجيا المستقبل وانما الحاضر لكنها تحتاج الى التوسع فحسب، وهو ما يمكن الوصول اليه من خلال التليفون المحمول، أهم آلية زراعية تسمح للمزارع بالتعرف على بيانات الطقس والمناخ ووسيلة اتصاله بعملاء جدد. يبدو أن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت شرارتها عام 2008 مازالت ذات صدى مؤثر على المناخ الاقتصادى على مستوى العالم وعلى القطاع المصرفي بشكل خاص، رغم أن هناك العديد من الإجراءات التي اتخذتها المصارف الكبرى خلال السنوات السبع الماضية، إلا أنه من الواضح أنها لم تنجح حتى الآن في وضع البنوك الكبرى على خط الأمان.