الدكتور مهندس صلاح السبكى الرئيس التنفيذى لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والاستاذ بهندسة القوى الكهربية والرئيس السابق لمركز بحوث الطاقة بكلية الهندسة جامعة القاهرة وغيرها من الخبرات المتراكمة.. كل ذلك جعل الحوار معه ثريا بثراء تلك التجارب العلمية والعملية. وفتح لنا مجالا للكثير من التساؤلات التى فتحنا لها أعيننا وآذاننا لنتلقى اجاباتها التى لابد أنها ستكون موضع تفعيل يقيل البلاد من اخطر أزماتها.. أزمة الطاقة. بداية يؤكد د.م السبكى أن الله قد حبا مصر بإمكانيات طاقوية متجددة وهائلة نستطيع أن نستغلها لإنتاج الكهرباء النظيفة، حيث تتمثل فى مصادر الطاقة الأولية وهى الوقود الأحفورى من خام البترول والغاز الطبيعى بالإضافة إلى الطاقات المتجددة كطاقة (الشمس -الرياح - الطاقة المائية - الكتلة الحيوية). ولقد مثل البترول على مدار الخمسين عاما الماضية المصدر الرئيسى للطاقة نظرا لتوفره ورخص تكلفة إنتاجه مقارنة بالمصادر الأخرى، كما فرض الغاز الطبيعى خلال الثلاثين عاما الماضية نفسه كمصدر إضافى للطاقة نظرا لانخفاض تكلفة إنتاجه. التكلفة المرتفعة وبالنظر للطاقات المتجددة نجد أن تكلفتها الاستثمارية المرتفعة التى مثلت عائقا أساسيا أمام استخدامها وتنميتها كمصدر مهم للطاقة وذلك على الرغم من تكلفتها التشغيلية المنخفضة. ويرجع بذاكرته مؤصلا انه فى العقد الأول من هذا القرن تنامى الطلب على مصادر الطاقة ولم يتواكب مع ذلك القدرة على تنمية المصادر الوطنية وذلك لزيادة التكلفة كما بدأ ظهور الاحتياجات الإضافية من الطاقة التى كان يجب محاولة الوفاء بها بالاستعانة بالعديد من الطرق ومنها على سبيل المثال لا الحصر دفع الاستثمارات فى اتجاه تنمية المصادر الأحفورية وكذا الربط الغازى مع دول الشمال الإفريقى وكذا العراق والخليج والمملكة العربية السعودية والربط الكهربى حول المتوسط وعلى مسار دول حوض النيل وكذلك السعى وراء التنمية الاقتصادية. وإذا انتقلنا الآن إلى مصادر الطاقة الثانوية فنرى أنها تمثلت فى إنتاج المواد البترولية من خلال معامل التكرير وكذا إنتاج الطاقة الكهربية باستخدام الطاقات المتجددة بكمية محدودة جدا وذلك لطبيعة المصادر من حيث استمراريتها وكذا التكلفة الاستثمارية العالية وذلك على الرغم من توافر الرياح بسرعات عالية على مدار العام وكذا توافر الطاقة الشمسية وإمكانية مساهمتها فى الوفاء بجزء كبير من توفير الطاقة الحرارية والكهربائية من الطلب المتنامي. وتتمتع مصر بمصادر ممتازة من طاقة الرياح لاسيما فى منطقة خليج السويس وأيضا على ضفاف النيل والصحارى الشرقية والغربية ومناطق فى سيناء بمتوسط سرعة رياح تتعدى 8 أمتار فى الثانية وتصل فى عدد من المناطق إلى 11 م/ث. ويقدر السطوع الشمسى المباشر فى مصر ب ( 1970 - 2600) كيلو وات ساعة لكل متر مربع سنويا. وعموما فإن الطاقة الشمسية تعد من المصادر التى لديها القدرة على تلبية نسبة كبيرة من الطلب على الكهرباء. كما يتميز العقد الثانى من هذا القرن باستمرار تنامى الطلب على الطاقة للأنشطة الاقتصادية المختلفة وانخفاض التكلفة الاستثمارية لمعدات إنتاج الطاقة الثانوية من مصادر الطاقات المتجددة بنسب تتراوح بين 30٪ و65٪. وتقدر قدرة محطات الطاقة المتجددة التى يمكن الحصول عليها بما يزيد على 50000 ميجا وات من الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، كما تتعدى ال40000 ميجاوات من طاقة الرياح. محطة شمسية حرارية أما عن السياسات والآليات التى يجب أن نتبناها ونأخذ بها لتنمية الطاقات المتجددة فيقول د.م محمد السبكى إن آليات تنمية الطاقات المتجددة تعتمد على عنصرين أساسيين: الأول هو تنمية مصادر الطاقة المتجددة، والثانى تنمية الطلب على الطاقة المتجددة، ولقد قامت هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة على مدى الثلاثين عاما الماضية بالتعريف بالتكنولوجيات الأكثر شيوعاوالأكثر نضجا من الناحية التقنية وعلى الأخص تكنولوجيات انتاج الكهرباء من طاقة الرياح، كما صاحب هذا عدد من الأبحاث والدراسات والتطبيقات النموذجية فى مجالات استخدام الطاقة الشمسية والكتلة الحيوية. ولقد بلغ حجم محطات انتاج الكهرباء من طاقة الرياح حتى يومنا هذا 750 ميجاوات و20ميجاوات من الطاقة الشمسية بمحطة حرارية تبلغ قدرتها الكلية 140ميجاوات. طرح المناقصات ومن أهم آليات تنمية الطاقات المتجددة آلية بناء محطات إنتاج الكهرباء من خلال طرح المناقصات للتصميم والشراء والتنفيذ وتشغيل تلك المحطات عن طريق هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة. وقد تم إنشاء 750ميجاوات محطات رياح من خلال هذه الآلية حتى الان على مدى 15عاما الماضية وينتظر إقامة مشاريع أخرى تقدر بنحو 1800 ميجاوات خلال الخمسة أعوام القادمة. أما الآلية الثانية فهى أيضا طرح المناقصات لمشاريع البناء والتملك والتشغيل ويجرى حاليا تفعيل مناقصة لمحطة إنتاج كهرباء من الرياح بقدرة 250 ميجاوات، وكذلك 10محطات إنتاج كهرباء من الطاقة الشمسية باستخدام تكنولوجيا الخلايا الفوتوفولتية بقدرة إجمالية 200 ميجاوات، وتلتزم الدولة بشراء الطاقة الكهربية المنتجة لهاتين الآليتين المذكورتين أعلاه وذلك تشجيعا لتنمية الطاقات المتجددة. المنتج الحر والآلية الثالثة يتم تصنيفها تحت مسمى المنتج الحر للكهرباء وفيها يتم التعاقد المباشر ما بين منتج الكهرباء والمستخدم النهائي، وهى تخضع لآليات التنافس فى السوق الحرة ويتم حاليا تفعيل مشروعين لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح أحدهما تبلغ سعته 120 ميجاوات بمنطقة جبل الزيت فى خليج السويس بالإضافة إلى 6 محطات كل واحدة 100 ميجاوات بمنطقة خليج السويس. تعريفة التغذية أما الآلية الرابعة فهى آلية تعريفة التغذية الكهربية والكوتة وهذه الآلية تتميز بضمان سعر شراء الكهرباء من المنتج كما تنطوى على التزام الدولة بشراء الكهرباء وأيضا ببيعها إلى المستخدم النهائى طبقا لنسب إلزامية (الكوتة) يحددها مجلس الوزراء بالتكلفة الحقيقية ولقد تم إقرار هذه الآلية فى الربع الأخير من عام 2014 . كذلك فهناك آلية إضافية تسمح بها الدولة وهى عبارة عن طرح دراسات جدوى فنية ومالية متكاملة تقوم بمراجعتها هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة توطئة لعرضها على المجلس الأعلى للطاقة ومجلس الوزراء لإقرارها، ويتم التنسيق المتكامل والمستمر ما بين شركات توزيع ونقل الكهرباء وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لتفعيل وتنفيذ الآليات المشار إليها. الإنجازات: التأهيل وإتاحة الأراضي ولقد تم تأهيل ما يزيد على 77 مقدما للخدمة فى مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم المستهدف لها 300 ميجاوات وعلى مدى الثلاث سنوات القادمة. أما فى مجال المشاريع الكبيرة ذات السعات من 20 ميجاوات حتى 50 ميجاوات فقد تم تأهيل 78 تحالفا لمشاريع الطاقة الشمسية و36 تحالف لمشاريع طاقة الرياح. ولقد اتاحت الدولة من خلال هيئة أراضى الدولة ما يزيد على 7600 كم2 يتم تخصيصها من خلال هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لتنفيذ تلك المشاريع ويبلغ اجمالى السعات التى يمكن الوصول إليها من خلال تلك المساحات إلى ما يزيد على 40000 ميجاوات من طاقة الرياح و50000 ميجاوات من الطاقة الشمسية. أما فيما يتعلق بالمستهدف بعد إقرار قانون تعريفة التغذية منذ أغسطس الماضى فيذهب د.م. محمد السبكى إلى أنه قد تم التركيز على استهداف 4300 ميجاوات مقسمة كالآتي: 300 ميجاوات مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم تلتزم فيها شركات توزيع الكهرباء بشراء الطاقة الكهربية المنتجة من هذه المشاريع. وهناك 2000 ميجاوات طاقة كهربية من الرياح و2000 ميجاوات طاقة كهربية من الشمس تتراوح سعتها ما بين 20و 50 ميجاوات وتلتزم الدولة أيضا بشرائها من خلال الشركة المصرية لنقل الكهرباء، كذلك بالنسبة للمشاريع التى طرحتها الحكومة الخاصة بالطاقات المتجددة فى مؤتمر «مصر المستقبل» فى شرم الشيخ فهى عديدة كما يشير د.م السبكى إلى أن هناك العديد من المشاريع إضافة إلى مشاريع تعريفة التغذية الكهربائية متاحة للتنفيذ من خلال آليات التعاقدات المباشرة مع شبكات الكهرباء القائمة.. واضاف تم توقيع مذكرتى تفاهم فى المؤتمر لمشاريع مجموعها 4000 ميجاوات رياح وشمس لعمل دراسات جدوى لهذه المشاريع وتقدر قيمتها بنحو 6 مليارات دولار عند التنفيذ. هذا بالإضافة إلى مذكرات تفاهم بإتاحة الأراضى للقياسات لمشاريع طاقة شمسية تصل إلى 200 ميجاوات بتكلفة 300 مليون دولار عند التنفيذ. ومن الجدير بالذكر أنه من المستهدف ان تساهم الطاقات المتجددة بنسبة 02٪ من مجموع السعات المتاحة عام 2020 وستزداد هذه النسبة لتصل إلى ما يزيد على 30٪ عام 2035 . الخلايا الفوتوفولتية وفيما يختص بالتقنيات المتاحة لاستغلال الطاقات الشمسية الفوتوفولتية يؤكد د.م. محمد السبكى أن تقنية الخلايا الفوتوفولتية تتميز بسهولة وسرعة إنشائها وتنفيذها وعدم احتياجها إلى عمليات إنشائية معقدة. ولكن يجب عدم إهمال البديل التكنولوجى الآخر وهو المحطات الشمسية الحرارية التى لها خاصية تخزين الطاقة الحرارية حيث إن التكلفة الاستثمارية لتلك التكنولوجيات فى انخفاض واضح لاسيما فى الثلاثة أعوام الماضية. كما أن صيانة هذه الخلايا الفوتوفولتية عملية بسيطة وسهلة لا تتطلب تكلفة عالية. وهناك إمكانية عالية لأن يتم التوسع فى إنشاء تلك المحطات الشمسية الحرارية ذات التخزين الحرارى التى يمكن لها أن تكمل أو تحل تدريجيا محل الطاقات التقليدية التى تعمل بالوقود الأحفوري. كما أن هناك فرصا عديدة للتصنيع المحلى لمعدات الطاقات المتجددة خاصة فى مجال إنتاج الطاقة الحرارية من الطاقة الشمسية ومن أفضل الطرق لتشجيع التصنيع المحلى إنشاء شركات مشتركة للدفع بقاطرة الصناعة فى هذا المجال. البنوك وتوفير التمويل ويشير د.م السبكى إلى دور البنوك الفعال فى تمويل الاستثمارات الخاصة بمشاريع الطاقة المتجددة وتوفير العملات الأجنبية المطلوبة لتمويل المكونات الأساسية التى يتم استيرادها وتصل فى كثير من الأحيان إلى 70٪ من تكلفة المعدات المستخدمة. أما فيما يتعلق بالاستثمارات التى تحتاجها الدولة فيقدرها د.م محمد السبكى بأنها تربو على 6 مليارات دولار لبرنامج التغذية الكهربية من القطاع الخاص وما يقرب من 3 مليارات دولار من برامج الطاقات المتجددة التى تتولاها الدولة حيث إن الاستثمارات لكل واحد ميجاوات فى المتوسط من الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة تصل إلى 1.5 مليون دولار وذلك بالنظر إلى خطة الدولة التى تستهدف 4300 ميجاوات من طاقات الشمس والرياح على مدى الثلاث سنوات المقبلة. السخانات الشمسية والدروس المستفادة وعودة إلى الماضى وإلى التجربة السابقة التى عانت منها بعض قرى الساحل الشمالى التى استعانت بالسخانات الشمسية فيرجع د.م محمد السبكى ذلك جزئيا إلى عدة أسباب منها القصور فى أعمال التركيبات التى تمت دون مراقبة على أعمال التوصيلات وكذا المواد والخامات التى استخدمت ومنها على سبيل المثال وليس الحصر خامات التصنيع للمواسير والتوصيلات وكذا عدم المراقبة الدقيقة للمواصفات القياسية للسخانات نفسها هذا بالإضافة إلى عدم التقبل الجماهيري. ولتفادى ذلك تقوم هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بالتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة ومنها على الأخص هيئة المبانى ووحدة ترشيد الطاقة بمجلس الوزراء وهيئة المواصفات القياسية المصرية بإعداد المواصفات لتلك المعدات (السخانات الشمسية) وإجراء الاختبارات اللازمة. انقطاع الكهرباء الصيف القادم ولتفادى انقطاع الكهرباء فى الصيف المقبل يضيف د.م السبكى قائلا إن هناك ثلاث آليات للتفادى الجزئى لانقطاع الكهرباء ومطلوب تنفيذها بشكل آنى وهي: ضمان توافر الوقود الأحفورى (مواد بترولية وغاز) لمحطات إنتاج الكهرباء من كلٍ من الإنتاج المحلى والاستيراد. القيام بصيانة محطات إنتاج الكهرباء والعمل على سرعة الانتهاء من الخطة العاجلة لدخول المحطات الجديدة للخدمة، وتشغيل محطات إنتاج الكهرباء عند أعلى معدلات لها. الاستخدام المرشد للكهرباء المتاحة وتلك مساهمة من المستخدم النهائى فى محاولة للعبور من عنق الزجاجة. كما يمكن لبعض الأنشطة المسائية تغيير توقيتات استخدامها للكهرباء بما لا يضر بنشاطها مما يخفف الطلب على الكهرباء فى فترات الذروة المسائية. حل جزئي وعن إمكانية أن توفر الطاقات المتجددة حلولا سريعة لأزمة انقطاع الكهرباء يذهب د.م السبكى إلى أنه يمكن للطاقات المتجددة المساهمة بشكل جزئى وسريع فى تخفيض انقطاعات الكهرباء عن طريق مشروعات وحدات انتاج الكهرباء من ألواح الطاقة الشمسية الصغيرة الحجم والمتناثرة على مستوى شركات التوزيع على الجهود المنخفضة والمتوسطة، مما سيخفض الطلب على الوقود أثناء النهار وبالتالى إتاحته مساء لمحطات إنتاج الكهرباء. أما محطات إنتاج الكهرباء ذات السعات الكبيرة من الطاقة الشمسية أو الرياح فإنها تحتاج إلى فترات تتراوح ما بين العام والعامين طبقا للاشتراطات مؤسسات التمويل.