بين حين وآخر يتجدد الجدل حول مسألة رفع أسعار الفائدة الأمريكية،ومنذ سنوات،قبل كل اجتماع للمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) كانت تتنامى التوقعات بإرجاء القرار فيهبط الدولار ويرتفع الذهب وتضطرب الأسواق. لكن الآن تغير الوضع بتحسن حالة الاقتصاد الأمريكي مما يعزز توقعات برفع أسعار الفائدة الأمريكية قريبا» .والقرار في جميع الأحوال يعتمد على نظرة المجلس تجاه الاقتصاد . فكيف سيؤثر رفع الفائدة الأمريكية ,لأول مرة منذ 9 سنوات, علي المستثمرين والأسواق؟ بعد أن لمحت رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي(البنك المركزي الأمريكي) مؤخرا» بأن المجلس قد يكون في سبيله لرفع أسعار الفائدة في وقت لاحق من العام الجاري انخفض الذهب ليبتعد أكثر عن أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع في حين صعد الدولار.حيث قالت جانيت يلين إن زيادة سعر الفائدة القياسي لمجلس الاحتياطي «قد يكون له ما يبرره في وقت لاحق من العام « في ظل التحسن المستمر في الأوضاع الاقتصادية الأمريكية. وما بين تلك التصريحات وتوقعات المستثمرين , رأي تقرير لمجلة الايكونومست إن قرار رفع سعر الفائدة وصعود الدولار سوف يكون له تداعيات واسعة النطاق ليس اقلها الأضرار التي ستلحق بالأسواق الناشئة. عودة إلى التاريخ,يتبين انه خلال الشهور الثلاثة التالية لانهيار بنك ليمان براذرز ومع دخول الاقتصاد العالمي أزمته الطاحنة وفرار المستثمرين إلى ملاذات آمنة , ارتفع الدولار بنسبة 5٪ مقابل سلة من العملات . لكن المثير في الأمر ما سجله من ارتفاعات أكبر , بلغ 11٪ خلال الشهور الثلاث الماضية , و 22٪ على مدار العام الماضي, وهى أسرع وتيرة لارتفاع العملة الأمريكية منذ عشرات السنين. وصعود الدولار يفيد المصدرين في أنحاء متفرقة من العالم لا سيما أوروبا، لكن سيكون له تأثير سلبي واسع النطاق في الاقتصادات الناشئة. الجدير بالذكر هنا انه مع ركود اقتصاديات أوروبا واليابان , وتباطؤ النمو في الصين والأسواق الناشئة الأخرى , يبدو الاقتصاد الامريكى قوي نسبيا»,(يتوقع صندوق النقد الدولي نموه بمعدل 3.6٪ هذا العام ).وقد بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تشديد سياسته النقدية بالانسحاب من برنامج التحفيز النقدي , ويستعد للمضي قدما» برفع أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام , ولأول مرة منذ عام 2006. ويقول محللون إنه مع الاتجاه لتشديد السياسة النقدية الأمريكية وقيام بنوك مركزية أخرى بتخفيفها, يمكن أن يحقق المستثمرون عوائد مرتفعة من الأصول المقومة بالدولار. ومع تدفق رءوس الأموال يستمر الاتجاه الصعودي للدولار. علي الصعيد الأمريكي , أبرز تأثير لقوة الدولار يتمثل في تضرر المصدرين الامريكييين , فما يقرب من ربع أرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تتحقق بعملات أجنبية . ولكن خارج الولاياتالمتحدة تأثير صعود الدولار له وقع الصدمة, وذلك بالنسبة للشركات في أنحاء العالم لاسيما في الأسواق الناشئة المثقلة بالديون الدولارية, وهى تلك التي شجعها انخفاض أسعار الفائدة علي الاقتراض بالعملة الخضراء. ووفقا» لبنك التسويات الدولية , فإن حجم الديون الدولارية المستحقة على الشركات غير المالية ارتفع بنسبة 50٪ منذ الأزمة المالية العالمية , لتصل حاليا» إلى نحو 9 تريليونات دولار، ونصف هذا المبلغ مستحق علي شركات الأسواق الناشئة ، وذلك مقارنة بالثلث , (نصيبها) قبل الأزمة. وتقدر ديون الشركات الصينية بما يزيد على تريليون دولار حاليا» من حوالي 200 مليار دولار في عام 2008. ومع صعود الدولار تزيد تكلفة سداد تلك الديون وخدمتها بالعملة المحلية لأى دولة . ومع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تقييد سياسته النقدية سوف ترتفع الفائدة على القروض الدولارية - سواء في أسواق السندات أو عبر البنوك- ومن ثم سيلوح شبح التعثر في أفق المقترضين في ظل صعود الدولار وارتفاع تكلفة الاقتراض وإعادة التمويل. وهذا لا يعنى بالضرورة موجة من الإفلاس بين الشركات لكنه سيعنى حتما مشاكل مالية. ومع اقتراب موعد رفع أسعار الفائدة يبدو أن عصر الأموال الرخيصة في الولاياتالمتحدة انتهى . وهذا سيؤدى إلى تأثيرات واسعة النطاق على المدى الطويل على الاقتصاد والأسواق. يذكر انه قبل أسابيع قليلة خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي توقعاته للنمو الاقتصادي والتي فسرها المستثمرون بعزمه إرجاء رفع أسعار الفائدة . وكان معدل التضخم انخفض في شهر يناير نتيجة لاستمرار هبوط أسعار الطاقة , كما انخفض معدل البطالة إلى أقل مستوى في 7 سنوات إلى 5.5٪. ولكن بعد تصريحات جانيت يلين رئيسة الاحتياطي الفيدرالي توقع المستثمرون في الأسواق الأمريكية الآجلة ارتفاع سعر الفائدة الرئيسي إلى ما بين0.5-0.75٪ مقارنة» ب0- 0.25٪ حاليا». وكان في معظم المرات السابقة لرفع أسعار الفائدة دائما» الأسهم الأمريكية تهوى عند الحديث عن رفع الفائدة . ولكن بعد 6 أشهر من أول زيادة تكون سوق الأسهم أعلى مما كانت عليه قبل الرفع . والخوف هذه المرة أن تختلف التداعيات. فدعم البنوك المركزية للأسواق منذ عام 2008 كان غير مسبوق» ( وهذا ليس فيما يتعلق بخفض النسبة إلي قرب الصفر فحسب وإنما أيضا» بالتحفيز النقدي) ويشير محللو سوسيتيه جنرال إلى إن تاريخ الأسهم الأمريكية لم يشهد سوى مرتين فقط صعودا سريعا بالوتيرة التي كان عليها خلال السنوات الست الماضية منذ عام 2009 بعد الأزمة العالمية. وفى كلتا المرتين (1923-1929و 1993-1999 تلاها سوق هابطة. وقد أبدي مديرو صناديق تحوط مخاوفهم وعقدوا مقارنة بين الأوضاع الحالية وعام 1937 عندما تسبب تقييد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية في انهيار سوق الأسهم وعودة الاقتصاد الأمريكى مرة أخرى إلى الركود. ووفقا» لدويتشه بنك فإن 40٪ من أرباح الشركات في مؤشر ستاندرد اند بورز 500 تتحقق في الخارج. وكذلك ثلث مبيعاتها. وربع الأرباح مقومة بالعملة الأجنبية.وهذا يعنى أن صعود الدولار 10٪ معناه انخفاض الأرباح بواقع 2.5٪ واستناد» لصعود الدولار وتأثير انخفاض أسعار النفط على أرباح شركات الطاقة يعتقد دويتشه بنك عدم زيادة أرباح شركات ستاندرد اند بورز 500 هذا العام عن العام الماضي. وقد دفعت مخاوف بشأن تأثير صعود الدولار على الأرباح الأسهم الأمريكية إلى الهبوط وذلك قبل تصريحات الاحتياطي الفيدرالي التي عززت ثقة المستثمرين فصعدت أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية.وفى ظل توقعات بإرجاء رفع الفائدة ارتفعت السندات لأجل عشر سنوات 2.03٪ قبل أسبوعين . وبالرغم من كونها منخفضة نسبيا» إلا أنها أفضل من السندات الألمانية فالعائد علي السندات الألمانية لأجل عشر سنوات .2٪ والايطالية 1.35٪ ومع استمرار البنك المركزي الاوروبى في برنامجه لشراء السندات الحكومية (المعروف ببرنامج التيسير الكمي) ستظل تلك العوائد منخفضة وهذا سيبقى أيضا عوائد سندات الخزانة منخفضة مما سيشجع في النهاية المستثمرين على نقل أموالهم من أوروبا إلى أمريكا. يرى محللون أن الفترة القادمة ستكون مشابهة لفترة 2004 و2005 عندما ظلت عوائد السندات الطويلة الأجل منخفضة بالرغم من ارتفاع أسعار الفائدة القصيرة الأجل .