المتابع للمشهد السياسى المصرى يقرأ يوميا اخبارا عن عودة عدد من نواب الحزب الوطنى المنحل السابقين الى المشهد من خلال انتخابات البرلمان المقرر إجراؤها مارس المقبل، ورغم ان ابرز هذه الوجوه وهو المهندس احمد عز - أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل- الذى ينتظر حسم مشاركته فى الانتخابات فى 42 فبراير الجارى فإن وجوهاً اخرى تعد العدة لخوض الماراثون الانتخابى فى عدد من الدوائر. ومن خلال ما رصدته »الأهرام الاقتصادى« فان هانى سرور - العضو البارز بالحزب المنحل وصاحب قضية اكياس الدم الفاسدة التى اشتهرت بقضية هايدلينا- يعود للظهور من جديد بدائرة الوايلى بالعباسية حيث بدأت لافتات دعايته الانتخابية فى الظهور بل بدأ المناصرون له حملات لدعوة أهالى الدائرة لانتخابه. المشهد ذاته يتكرر فى دائرة المعادى والبساتين التى أعلن اكمل قرطام - العضو البارز بالحزب المنحل والمرشح على قوائمه فى برلمانى 2000 و2005 - عن خوض الانتخابات فيها على قائمة حزب المحافظين فضلا عن خوض ميمى العمدة - احد وجوه الحزب المنحل البارزة - الانتخابات عن الدائرة ذاتها دائرة المطرية وعين شمس حتى فى دائرة الزيتون التى كان زكريا عزمى - رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق- نائبها الأوحد يتمنى أهالى الدائرة ان يرشح نفسه فى الانتخابات المقبلة نظرا لما كان يقدمه لهم من خدمات. بل تخطى المشهد ذلك ليتم الزج بابناء نواب الوطنى السابقين ممن توفاهم الله ومن ذلك ما يحدث حاليا من أهالى قنا بجنوب مصر من الدفع بنجل عبد الرحيم الغول - الوجه البارز بالحزب- لخوض الانتخابات، فضلا عن ترشح نجل النائب راغب ضيف الله بدائرة الدخيلة بالإسكندرية. الإجابة عن سؤال لماذا يريد الأهالى انتخاب هؤلاء جاءت على لسان أهالى مختلف الدوائر بان هذه الوجوه نجحت فى خدمتهم فى برلمانات سابقة ليعود المشهد البرلمانى القديم - قبل 25 يناير- من جديد ويصبح نائب الخدمات هو الحصان الأسود فى الماراثون الانتخابى بغض النظر عن انتمائه السياسى او مدى مساهمته فى افساد الحياة السياسية او حتى ضلوعه فى أى جرائم جنائية. من هنا تتبادر الى الاذهان العديد من الأسئلة أهمها كيف سيكون شكل البرلمان المقبل؟ وكيف يمكن حل المعادلة الصعبة من كون نائب الوطنى المنحل مقبولا من دائرته ويتمنى المواطنون ترشحه فى حين انه مرفوض شعبيا وسياسيا؟ وما هو أداء نائب الخدمات فى برلمان الثورة؟ من جهتها تقول الدكتورة نورهان الشيخ - أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة - ان وجود نائب الخدمات لا يمكن انكاره فى اى سباق انتخابى برلمانى شهدته مصر وسيظل موجودا تحت قبة البرلمان المقبل. وترجع الشيخ تعاظم دور نائب الخدمات الى ضعف المجالس المحلية فى مصر فالمجالس المحلية هى التى من المفترض ان تؤدى الخدمات للمواطنين وان النائب فى مصر ظل يؤدى دور عضو المجلس المحلى على مدار سنوات طويلة، مشيرة الى ان قانون المحليات الحالى قانون معيب فارغ المحتوى ولا يكرس دورا حقيقيا يذكر للمجالس المحلية رغم انها مجالس تقوم على الانتخاب مثلها تماما مثل البرلمان كما ان أعضاءها لا يقومون بدورهم الرقابى ولا دورهم تجاه المواطنين ليصبح نائب البرلمان هو وجهة المواطنين فى الاستجابة لمطالبهم وحل مشكلاتهم واصبح ذلك نقطة الضعف التى يستغلها النواب لحصد الأصوات. وتقول إنه للأسف الشديد يقوم النائب بدور عضو مجلس محلى رغم ان دوره ارفع من ذلك بكثير، الذى يخطط ويشرع ويضع السياسات العامة التى تسير عليها البلاد كما ان مجلس النواب من المفترض انه يعبر عن إرادة المواطنين. وتطالب د. نورهان بضرورة الإسراع بإصدار قانون المحليات الجديد على ان يتم من خلاله تعديل القانون القائم وجعلها بحق مجالس منتخبة تعبر عن المواطنين وتضع عضو المجلس المحلى فى إطاره الحقيقي. وتلخص رؤيتها بالقول بان الأزمة تكمن فى ثلاثة محاور هى ضعف المحليات، وثقافة المواطن التى اعتمدت على النظر الى النائب بهذه الصورة وجعل الخدمات شرطا للتصويت له فى الانتخابات، بالاضافة الى عدم معرفة النائب لدوره الحقيقي. وتشير الى ان رجوع نواب الحزب الوطنى السابقين الى المشهد السياسى ونية البعض منهم الترشح فى البرلمان المقبل لن يمنعه سوى صدور حكم قضائى لكل شخص على حدة كالذى صدر بحق أحمد عز وبدون ذلك لن تستطيع أى جهة منعه من ممارسة حقه فى الترشح فضلا عن ان المواطن مقتنع بدوره فى الانتخابات المقبلة. وتلفت د. نورهان النظر الى ان تجربة مصر فى هذا الصدد لا تختلف كثيرا عن دول أوروبية عدة، فرغم ثورات دول أوروبا الشرقية للإطاحة بالشيوعية ونجاحها فى اسقاطها عادت من جديد فالشيوعية التى تمت الإطاحة بها عادت للمشهد من جديد بالديمقراطية فى مفارقة عجيبة وبالتالى - وبالتطبيق على التجربة المصرية - فلا يمكن ان نحجر على رأى المواطنين بأى حال من الأحوال. فيما يؤكد الدكتور ماجد عثمان - مدير مركز بصيرة لدراسات الرأى العام ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء الأسبق- ان التجربة تؤكد أن الانتخابات البرلمانية فى مصر أشبه بانتخابات المجالس المحلية فالنظرة للمرشح او نائب البرلمان هى انه مقدم الخدمات ومن يحل المشكلات وبالتالى نجد ان النائب كان متميزا داخل دائرته ومحبوبا من أهلها لكنه على صعيد شئون البلاد ومشكلاتها قد فشل فشلا كبيرا. ويشير الى ان الانتخاب بنظام القائمة من شأنه القضاء على هذا الوضع فى حين الانتخاب بالنظام الفردى الذى ستعتمد الانتخابات البرلمانية المقبلة عليه بنسبة 88٪ سيكرس فكرة نائب الخدمات بل سيفوت على الأحزاب فرصة إثبات قدراتها وبالتالى تكريس ما يؤخذ على الأحزاب من انها ضعيفة فى المشهد السياسي. ويذهب عثمان الى ان البرلمان المقبل لابد ان يضع آلية واضحة ومحددة للانتهاء من التشريعات واقرارها فى أسرع وقت ممكن بل أسرع مما كان يحدث فى البرلمانات السابقة، مشيرا الى ان دستور 2014 وحده يحتاج الى إقرار 30 قانونا كى يتم تفعيله وهذا العدد من القوانين - بحسابات البرلمانات السابقة - كان يستغرق من 8 الى 10 سنوات كى تصدر وبالتالى لابد من وضع آلية للانتهاء بسرعة من هذه التشريعات حتى وان تطلب الامر زيادة ساعات عمل مجلس الشعب. ويؤكد ان نائب الخدمات واقع سيظل موجودا مادام النظام الانتخابى يقوم على الانتخاب بالفردى وليس بالقائمة وان الإرادة السياسية والتفعيل الحقيقى لدور المجالس المحلية هما السبيل للحد من الاعتماد على نائب الخدمات مهما كانت خلفيته خاصة ان النظام الفردى سيكرس كذلك سيطرة المال والسلطة على البرلمان وهو ذاته الوضع قبل قيام ثورة25 يناير. ويؤكد شريف عمر - رئيس لجنة الصحة بالبرلمان سابقا - وجهة النظر ذاتها، حيث يؤكد ان السبب وراء نجاح نائب الخدمات فى الانتخابات هو ضعف المجالس المحلية وعدم القيام بدورها واهمالها لمطالب المواطنين كما ان هناك ثقافة تشكلت فى اذهان المصريين على مدار سنوات طويلة بان نائب البرلمان هو من يحل مشكلات المواطنين ويعين أبناء دائرته فى الوظائف الحكومية وغيرها من أمور مشابهة، مؤكدا ان نائب الخدمات سيظل موجودا حتى فى البرلمان المقبل. اما ناصر أمين - مدير مركز استقلال المحاماة والقضاء احدى منظمات المجتمع المدنى التى عملت فى مجال مراقبة الانتخابات لسنوات- فيقول ان مسالة عودة نواب الحزب الوطنى السابقين لقبة البرلمان مرة اخرى امر من السابق لأوانه الجزم بحدوثه فهذا يعتمد على قبول الناس لهم من خلال التصويت خاصة ان هذه النوعية من النواب اعتادت الوصول الى مقاعدها البرلمانية من خلال الخدمات والرشاوى الانتخابية - على حد قوله - وهى أمور من المفترض انها سقطت بعد ثورة 25يناير. ويشير الى ان اعتزام عدد من هؤلاء النواب خوض الماراثون الانتخابى ينبئ للأسف بان البرلمان المقبل سيكون صورة مكررة من برلمان 2010 مع بعض الفروق وهو بالغ الخطورة سواء على المشهد السياسى او على ما حققته ثورة يناير من مكتسبات، معربا عن عدم تفاؤله باستمرار هذا البرلمان طويلا وسيكون أسوأ برلمان شهدته مصر فى تاريخها. الا ان أمين يرى ان نائب الخدمات سيظل له دور كبير خاصة فى البرلمان المقبل نظرا للظروف الصعبة التى شهدتها البلاد خلال السنوات الأربع الماضية التى اعقبت قيام ثورة 25 يناير. يقول الدكتور قدرى حفنى -أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس- ان نائب الخدمات قبل ثورة 25 يناير كان يعتمد على اجهزة الدولة فى تقديم الخدمات للجمهور وبالتالى فمسألة سماح الدولة بتكرار المشهد نفسه فى البرلمان المقبل سيحدد دور هذا النائب كما ان تمنى بعض المواطنين عودة نواب الوطنى المنحل الى البرلمان لقدرتهم على خدمتهم يعتمد على مدى إيمان هؤلاء المواطنين بثورة 25 يناير من عدمه. ويؤكد حفنى ان رغبة المواطنين فى عودة هذه النوعية من النواب ترجع كذلك إلى الاجندة الإعلامية الخالية التى تخلت عن الحديث عن حكم مبارك ومساوئه لانشغالها بالاخوان ومؤامراتهم لاسقاط البلاد منذ خلع رئيسهم من حكم مصر وبالتالى تناسى المواطنون مساوئ هذا العهد مشيرا الى ان المقدمات القائمة حاليا تنذر بان برلمان2015 سيكون شبيها ببرلمان 2010 فى الشكل والمصير ما يعنى انه لا جديد بعد مرور 4 سنوات على ثورة المصريين على نظام مبارك.