يهيأ للبعض انه مانح لصكوك الغفران.. وانه برضائه او عدم رضائه عن شخص او دولة ما، قد منحه او انتزع منه صكوك الغفران التى سادت العصور الوسطى الاوروبية وكانت تمنح من قبل الكنيسة الكاثوليكية، مقابل مبالغ مادية وتتضمن اعلان توبة المرء عن اخطائه الدنيوية، وقد تعرضت لهجوم عنيف من جانب مارتن لوثر والمصلحين البروتستانت. وقد فات هؤلاء، سواء على مستوى الافراد او الدول، ان صكوك الغفران قد ولى عهدها واتضح إثمها وانها كانت منفذا لافساد الذمم والعلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والافراد، فى العصور الوسطى الاوروبية. اقول هذا فى ظل تنامى مفهوم صكوك الغفران، من قبل الكثيرين، سواء كانوا افرادا او جماعات او دول وحكومات. فعلى مستوى الافراد، حدث ولا حرج، يظن البعض انه حرمك من الدنيا ونعيمها، اذا لم تتمتع بطلته البهية واحاديثه الشجية وانك ستظل حزينا ومكدرا الى يوم الدين، مادمت حرمت من اوهامهم - او صكوك الغفران- التى يمنحونها برضائهم عنك- ناسين متناسين، ان زمن صكوك الغفران قد ولى. وبالنسبة لما شهدته مصر من احداث منذ 25 يناير وحتى الان، فهو صورة أخرى من صور صكوك الغفران الكاذبة واللاهية، فالجماعات ذات المسميات المختلفة، حاصرت المواطن المسالم المستنير المتطلع الى الاستزادة من العلم ومفاهيم الديمقراطية والحرية، بمفهوم صكوك الغفران الالهية التى تتجاوز حدود الدنيا الى الاخرة، وتقتضى الامانة الموضوعية والعلمية الاشارة الى ان هذه الجماعات، قد شهدت السبعينيات صحوتها وتراكم سطوتها، حتى اعلنت على الملأ خلال السنوات الاربع الماضية، عن صكوك الغفران الدنيوية والدينية، لتغرى بها البسطاء وتحاصر كل من تسول له نفسه بالاختلاف، فكان كمد الطبقة الوسطى واحزانها، ولكن كانت الصحوة العامة والصيحة المشتركة، بان زمن صكوك الغفران قد ولى. ولابد ان نشير الى ان منحة صكوك الغفران-على صعيد مصر وخلال هذه السنوات- لم تكن مقصورة على هذه الجماعات ذات العباءات الدينية، كم من ادعياء الديمقراطية رفعوا شعار المنح والمنع لصكوك الغفران فى مواجهة الآخر، لمجرد الاختلاف فى الرأى، وكم من هؤلاء اثرى وحقق شهرة من خلال المتاجرة بهذه الصكوك الوهمية! لكل هؤلاء نقول ان زمن صكوك الغفران قد ولى. وعلى صعيد الدول والحكومات، حدث ولا حرج عن صكوك الغفران التى سيطرت على اذهانهم وصانعى السياسات ومتخذى القرارات على صعيد السياسات الخارجية الخاصة بالعديد منهم ، واشنطن تستضيف الجماعات المتشددة التى تعلن الجهاد فى مواجهة الوطن، مصر الوطن والمنشأ والمعاش، على حد تعبير الاديب المصرى العالمى نجيب محفوظ، فى ظل الادعاء بالاختلاف وحرية الرأى والديمقراطية، بينما هؤلاء - هذه الجماعات- يرون فى الديمقراطيىة والليبرالية، رجسا من عمل الشيطان والانفتاح على الثقافات الاخرى ومنها الامريكية هدما لقواعد صحيح الدين، بل ان التقارب مع واشنطن فى ظل العلاقات الدولية، مؤامرة كبرى تحاك، فكيف تستقيم الامور على هذا المنوال؟ سنقول لامريكا وغيرها ممن فتح ابوابه لهذه الجماعات او لابواقها المسموعة والمرئية اوالمقروءة، كفى لقد ولى زمن صكوك الغفران.. لقد ثارت اوروبا عليها منذ القرون الوسطى، فهل نقبع نحن الآن فى انتظار صكوك غفرانكم، فى القرن الحادى والعشرين؟! انكم بذلك تهزمون شعاراتكم عن الديمقراطية والليبرالية ومبادئكم عن حقوق الانسان، الذى لا ينتظر المنح والمنع لصكوك الغفران، فقد ولى زمانه فلنقل جميعا، وداعا صكوك الغفران، سواء كانت من فرد او جماعات مدعية، او دول وحكومات متأرجحة او متاجرة بهموم الشعوب، ناسية متناسية، انها نفسها رفضت واسقطت صكوك الغفران.