مع كل قطرة دم تنزف على الاسفلت .. تدور عجلة الاقتصاد فى أى مكان فى العالم للخلف، فالعلاقة بينهما طردية.. فمع زيادة النزيف تتعالى الخسائر المالية، لدرجة ان الصحة العالمية اعتبرتها من الاوبئة الفتاكة، بل انها تنافس فى دول الكارثية امراض القلب والسرطان، مما دفع العديد من الدول فى العالم الى تغيير توجهات سياستها وجعلت ضمن مهامها الرئيسية السلامة المرورية على الطرق. -------------- وتعد الولاياتالمتحدةالأمريكية من أبرز الدول التى تهتم بتقدير التكلفة الاقتصادية لحوادث المرور، وأكثر الطرق شيوعًا فى الولاياتالمتحدة لحسابها، خاصة بعد أن قدرت الخسائر منها خلال نهاية الثمانينات ب70 مليار دولار، وفى منتصف التسعينيات تجاوزت 165 مليار دولار، معرفة الفاقد من أجور العمل، المصروفات الطبية، تكلفة اجراءات التأمين، بالاضافة الى تلفيات الملكيات الخاصة والعامة. وتكشف دراسة امريكية ان هناك فوائد من معرفة تكاليف حوادث المرور لمواجهتها، تتمثل فى استخدام التحليلات الاقتصادية للاختيار والمفاضلة بين بدائل تحسين الطرق، والاعتماد عليها فى جدولة أولويات مشروعات التحسين، والمساعدة فى توزيع الحصص المالية بين مشروعات التحسين وبرامجه، بالاضافة الى إقناع صناع القرار بفائدة مشروعات التحسين المقترحة نظير تقليلها من الخسائر الاقتصادية. وعلى مستوى الدول الاوروبية.. تعد اليونان الاكثر تعرضا لهذه الحوادث، لدرجة ان الاتحاد الأوروبى توصل فى تقديراته إلى أن كل حالة وفاة بسبب حوادث السير تقدر بخسارة مليون يورو، يضاف إليها خسارة القدرة الإنتاجية وكلفة العلاج الطبي، والأضرار وكلفة الأمور الإدارية، والكلفة على صناديق الضمان، لدرجة أن الاتحاد ينفق سنوياً 160 مليار يورو على حوادث السير. وأوضحت الدراسات أن اليونانيين خلال السنوات الخمس الماضية، قلصوا استعمال سياراتهم بسبب الأزمة الاقتصادية فى البلد، ما انعكس تراجعاً فى عدد حوادث السير. وأضافت أن «861 شخصاً توفوا عام 2013 بسبب حوادث السير، مقارنة ب976 شخصاً عام 2012، بينما بلغ عدد الجرحى 1326 شخصاً فى مقابل 1443». ويشكو اليونانيون من أن بعض الطرق السريعة، مثل الطريق الذى يربط العاصمة أثينا بمدينة باترا (215 كلم شمال غرب أثينا)، غير مناسب ولا يصلح ليكون طريقاً سريعاً بالمعايير الأوروبية، كما عمدوا أحياناً إلى قطع الطريق ومنع الموظفين العاملين عليه من تحصيل الضرائب من السيارات مقابل استخدام الطريق. وكانت صحيفة «توفيما» نشرت دراسة حمّلت السائقين الشباب بين سن 18 و22 سنة مسئولية التسبب بنسبة حوادث سير تزيد على 75 % من الحد المعتاد، ما يعنى أن فى حال تسببت باقى الفئات العمرية ب100 حادث، فهذه الفئة تتسبب ب175 حادثاً. وعزت الدراسات هذه النسبة المرتفعة الى المبالغة فى تقدير قدرات القيادة لدى الشباب ومخالفة إشارات السير، مشيرة إلى دور مرافقى السائق الذين ينتمون للفئة العمرية ذاتها، الذين يشجعونه على السرعة وإظهار قدراته، فيما يفضّل هو عدم القيادة بهدوء أمامهم خشية التعرّض للسخرية. وتبلغ فاتورة هذه الحوادث على مستوى العالم 518 مليار دولار تخص البلدان النامية منها 65 مليار دولار، ويأتى العالم العربى فى المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد حوادث الطرق التى تسفر عن إصابات أو حالات وفاة، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التى تقدّر ب25 مليار دولار سنويا، وذلك بسبب غياب العدد الكافى من الطرق الواسعة والمؤهلة، فضلاً عن استخدام آليات وقطع غيار مقلّدة. وأكدت المنظمة العربية للسلامة المرورية أن 36 ألف قتيل و400 ألف مصاب هى حصيلة الحوادث فى العالم العربى سنوياً، إضافة إلى خسائر مادية جسيمة. وأشارت إلى أن النشرات الإحصائية تفيد بأن أكثر من نصف مليون حادث يسجل كل عام فى العالم العربي، الذى يفقد بمعدل مواطن واحد كل 15 دقيقة بسبب حوادث الطرق، فيما بيّنت إحصاءات مجلس وزراء الداخلية العرب أن المنطقة تتكبد خسائر مادية تتجاوز 25 مليار دولار. وأظهر تقرير أصدرته مؤسسة «بوز آند كومباني» ، أن الدراسات والأبحاث تبيّن خطورة استخدام الهاتف الخلوى أثناء القيادة، سواء فى المحادثة أو إرسال الرسائل النصية أو قراءتها، ما يمنع السائق من التحكّم بعجلة القيادة ويشتّت تركيزه. وتتكلف مصر من خمسة الى ستة مليارات جنيه سنوياً نتيجة لحوادث الطرق بالإضافة إلى أن من 70 إلى 80% من ضحايا ومصابى الطرق من الشباب فى مراحل عمرية من 17 إلى 35 عاماً أى أن هذه الحوادث تؤثر على قوة العمل. وتتصدر مصرالقائمة الأعلى فى معدلات حوادث الطرق عالميا من إصابات ووفيات، طبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، حيث تزايدت فى الاوانة الاخيرة، بل فاقت ضحايا ضحايا الحروب وأرجع الخبراء أن العنصر البشرى هو السبب الرئيسى لها فنسبة متعاطى المخدرات من السائقين تجاوزت ال28 % ، وهذا يؤكد أن تدنى أخلاق القيادة بات ضمن أسباب إهدار دماء وحصد ارواح المواطنين على الأسلفت. وتكشف تقارير رسمية أن المسئولية عن حوادث الطرق تتوزع بنسبة 73% على السائق و22% على المركبة و3.75% على العوامل الجوية و1.25% على حالة الطريق. ويضع الخبراء عشر توصيات للتقليل من الحوادث، أولها إحياء المجلس القومى للسلامة على الطرق، ويشكل من الوزراء المختصين وعدد من المختصين من أساتذة الجامعات وممثلين عن المجتمع المدنى، وتكون له ميزانية مستقلة ويكون مصدرها من طوابع تفرض على تراخيص السيارات، لافتا إلى أن كل ثلث ساعة هناك حادث وقتيل على الطرق لأنه عندما أنشئ المجلس القومى للسلامة عام 2003 عقد اجتماعا واحدا فقط، ولم تكن له ميزانية فتوقف وتضمنت التوصيات تدعيم الدوريات الراكبة المتحركة لتغطى جميع الطرق الخارجية وداخل المدن، وتكون مهمتها تنفيذ القانون وعمليات الرقابة والمطاردة والإيقاف والكشف عن السائق، من حيث تعاطيه المخدرات والكحوليات. وتتضمن التوصية الثالثة بأن يتدخل المشرع من خلال إصدار تشريعات أكثر تشددا، واقترح التقرير أن تكون عقوبة الحبس وجوبية فى جريمة القتل الخطأ ورفع الحد الأدنى والأقصى للعقوبة فى جريمتى القتل والإصابة الخطأ، وأن تقوم بالإضافة إلى إدخال نظام النقط من خلال إصدار تشريع يحدد عدد النقاط التى تخصم سنويا لكل قائد سيارة خلال العام، ويحدد أيضا عدد النقاط التى تخصم من الرصيد لكل فعل مخالف والحد الأدنى الذى إذا وصل إليه صاحب الرصيد وجب استدعاؤه أمام ضابط الاستماع لمواجهته بأخطائه وتحذيره أو إلحاقه بمدرسة المخالفين. وجاءت التوصية الرابعة لتؤكد ضرورة إقامة محطات لفحص المركبات فنيا، حيث إن 22%من الحوادث تتسبب فيها الحالة الفنية السيئة للمركبات، وطالب التقرير بتزويد تلك المحطات بالأجهزة اللازمة للفحص الدقيق، وأشار إلى صعوبة تمويل المشروع فى الظروف الحالية، ودعا التقرير لمشاركة القطاع لخاص فى التنفيذ على أن تسعى الدولة لتدبير الأرض والاشتراك فى تكلفة المبانى، ويقوم القطاع الخاص بتوريد الأجهزة والتشغيل بإشراف إدارة المرور، ودعا التقرير فى التوصية الخامسة إلى إيجاد نظام متكامل لنقل مصابى حوادث الطرق بطائرات هليكوبتر وتجهيز بعض المستشفيات المحيطة بمداخل القاهرة بمهابط للطائرات. وطالب الخبراء بإنشاء وحدة تحقيق حادث المرور بكل إدارة مرور، وفى التوصية السابعة برفع كفاءة وتأمين وإخلاء مسرح الحادث، من خلال توفير سيارات مجهزة بكل عيادة طريق رئيسية أو فرعية للانتقال الفورى لمكان الحادث، وايضا مدارس القيادة بالمحافظات بمشاركة بين القطاع الخاص والحكومى، أما التوصية العاشرة فشددت على تعريف علمى للنقطة السوداء تتفق على عدد معين من الحوادث أو عدد حالات الإصابة والوفاة، وتحدد معها الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها عند توافر تلك الشروط. وكشفت دراسة علمية حديثة أن إجمالى التكاليف الشاملة للحوادث المرورية فى المملكة العربية السعودية تقدر بنحو 87.17 مليار ريال (حوالى 23.25 مليار دولار) . وقدرت الدراسة الخسائر الاقتصادية الكاملة لوفيات الحوادث المرورية بنحو 79,92 مليار ريال، فى حين يقدر إجمالى تكاليف علاج الإصابات البسيطة بنحو 170,73 مليون ريال، وإجمالى تكاليف علاج الإصابات البليغة ب 135 مليون ريال، وتكاليف الإضرار بالممتلكات «السيارات» 6,94 مليار ريال، أما إجمالى التكاليف الشاملة للحوادث المرورية فيقدر بنحو 87,17 مليار ريال. ووسط هذا الركام من الخسائر والارواح لم تجد الاممالمتحدة، سوى اطلاق تحذير لمجتمع الأعمال من أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحوادث أصبحت خارجة عن نطاق السيطرة وآخذة فى التصاعد ما لم تصبح إدارة الكوارث الناجمة عن الحوادث جزءًا أساسيا من استراتيجيات الاستثمار والأعمال. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أنه بمراجعة الخسائر الناجمة عن الكوارث فى 56 بلدا خلال ال40 عاما الماضية، تبين أن هناك تقييما أقل للخسائر المباشرة الناجمة عن الفيضانات والزلازل والجفاف، بنسبة لا تقل عن 50%. وأشار التقييم إلى أن الخسائر المباشرة الناجمة عن الكوارث خلال القرن الحالى تصل إلى 2.5 تريليون دولار أمريكي، وهو أمر غير مقبول إذا ما كنا نملك المعرفة اللازمة للحد من الخسائر وتعظيم المكاسب.