منذ أن انطلقت مظاهرات 18 و19 يناير 1977 التى عرفت باسم ثورة الجياع بعدما خرج الملايين من الشعب المصرى احتجاجا على رفع الأسعار رافضين غلاء ست سلع رئيسية وهى الأرز، والسكر والدقيق والصابون والزيت والجاز بنسب تتراوح من 25% إلى 70% ولم تكن تتعدى الزيادة مبلغ ال3 قروش لكل سلعة. اصبح هناك فزاعة كبرى لأى نظام سياسى يحكم مصر من الاقتراب من منظومة الدعم أو إجراء أى تعديلات عليها رغم أن كل الدراسات أثبتت أنها تذهب لغير مستحقيه حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى معلنا بقوة وحزم اجراء بعض التعديلات على أسعار البنزين والكهرباء والبطاقات التموينية وتطبيق منظومة الحد الأدنى والأقصى للأجور مع فرض ضرائب جديدة بهدف إنقاذ الموازنة العامة للدولة وبالتالى ارتفعت أسعار بعض السلع والخدمات بشكل مباشر وفتحت الباب أمام المعارضين للحكومة بالترويج مرة أخرى لفكرة ثورة الجياع ومحاولة استغلال مشكلات ارتفاع الأسعار والتضخم والتى يعانى منها المجتمع منذ سنوات لتهييج المواطنين على نظام الحكم الحالى إلا أنه لم تحدث أى استجابة من المواطنين ومر أكثر من أربعة أشهر على تلك الاجراءات الاصلاحية دون أى احتجاجات تذكر وهو الأمر الذى يدعو للتساؤل هل ثورة الجياع كانت أكذوبة أهدرت مئات المليارات من ميزانية الدولة على مدار أكثر 30 سنة مضت أم أن هناك تأييدا شعبيا للرئاسة أم أن هناك تقديرا لحجم الأزمة المالية التى تعانى منها مصر وجعلت الجميع فى حالة ترقب وانتظار لجنى ثمار ثورتى 25 يناير و30 يونيو بعد استقرار الأوضاع السياسية؟ "الأهرام الاقتصادى" فتحت ملف فزاعة ثورة الجياع فى مصر. الاصلاحات الاقتصادية مالها وماعليها متسائلا عن الآثار الاجتماعية للاصلاح الاقتصادى وهل وجود ضحايا لعدد من القرارار الإصلاحية هو أمر طبيعى فى المجتمعات الأخرى أم لا وكيف يمكن معالجة الآثار السلبية التى ستطول بعض فئات المجتمع من الفقراء والمهمشين؟ وهل فعلا هناك مخاوف من خروج أصحاب العشوائيات على أصحاب الفيلات؟ الحكومة الحالية تعلم جيدا أن حديث أى مسئول عن الاصلاح الاقتصادى أصبح له صدى سيئ فى المجتمع خاصة الفقراء وهو ما ظهر جليا فى تصريحات رئيس الوزراء ابراهيم محلب الذى يحاول فى كل حديث له أن يؤكد ان الاصلاح الاقتصادى الذى تستهدفه الحكومة الحالية يختلف عما سبق موضحا اننا نستهدف تحقيق معدلات نمو 7 و8% مثلما كنا قبل ثورة 25 يناير ولكن بتطبيق نظام تنموى تشعر به كل فئات المجتمع ويختلف عما سبق مؤكدا ان معدلات النمو قبل الثورة كانت تفتقد الى العدالة الاجتماعية مما جعل هناك تناقضا بين ارتفاع معدلات النمو وفى الوقت نفسه ارتفاع عدد الفقراء وتزايد البطالة وتراجع الخدمات وتدهور مستوى المعيشة. الخبراء أكدوا أيضا أن الفترة القادمة هى فترة حرجة تترقب اصلاحات اقتصادية كبرى قبل الاعلان عن المؤتمر الاقتصادى الضخم الذى أعلنت عنه مصر فى فبراير القادم ولكن فى الوقت نفسه تعد قضية تنمية الفقراء والمهمشين من أهم القضايا التى يجب أن تعمل عليها الحكومة لكى تشعرهم بأنها تعمل لصالحهم وتنحاز اليهم فعلا من خلال حمايتهم من أى أضرار سلبية متوقعة عن قرارات اقتصادية جديدة وفى الوقت نفسه تؤهلهم للخروج من دائرة الفقر وذلك تحقيقا لمبدأ العدالة الاجتماعية وتجنبا لخروج أى ثورة جديدة من رحم الفقر والجوع والجهل. فى البداية رفض الدكتور سمير مصطفى أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى وعضو مجلس ادارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية العربية مصطلح ثورة الجياع قائلا إن ثورة يناير 77 لم تكن ثورة للجياع ولكنها كانت ثورة سياسية أخذت مسمى الجياع للتعبير عن الرفض الشعبى والخوف من سياسات الانفتاح الاقتصادى فى ذلك الوقت ولكن مصر لم تشهد ثورة جياع بالمعنى الدقيق على مدى تاريخها الحديث. وقال إن الحكومة الحالية "حظها حلو" لأنها جاءت بعد مرحلة عصيبة من الفوضى والهياج فى الشارع المصرى وقررت مصارحة الشعب بكل المشكلات الموجودة وسبل حلها وهو ماجعل الجميع يشعر بصدق الحكومة وينتظر ويترقب أملا فى تحقيق الاستقرار والنمو ولكن فى الوقت نفسه هناك حدود وطاقة لكل طرف فاذا استمرت الحكومة فى الحديث عن قرارات اصلاحية لصالح فئة دون فئة أخرى أو دون أن يشعر المواطن الفقير بتحسن سيحدث بالتأكيد احتجاجات مجتمعية ولكن مهمها اتخذت من اسماء لن تحدث فى مصر ثورة جياع ابدا ولن يخرج أصحاب العشوائيات على أصحاب الفيلات كما يروج البعض خوفا من التفاوت الكبير والمحسوس بين طبقات المجتمع الغنية والفقيرة مؤكدا أن سكان العشوائيات ليسوا بالضرورة فقراء وغلابة ولكن كل منطقة فيها "الحلو والوحش" ولكن لا ينبغى الضغط على الغلابة أكثر من ذلك. وأكد أن صبر الشعب ودرجة تحمله للاوضاع الاقتصادية السيئة مرهون بصدق الحكومة ومراعتها للفئات الأكثر احتياجا فى المجتمع محذرا من أن معدلات الفقر لم تشهد تحسنا ولابد من مراعاتهم فنحن لا نحتاج الى زيادة دخول او زيادة دعم ولكن نحتاج الى كفاية الدخل وأن تفى الحكومة بوعودها فى ضبط الأسعار ومكافحة الغلاء وزيادة معدلات التشغيل والاهتمام بسكان العشوائيات. الدكتور فؤاد أبواسماعيل أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر بدأ حديثه بوصف مصطلح ثورة الجياع فى مصر بأنها أكذوبة مؤكدا أن هناك العديد من الشواهد والدلائل التى تؤكد على أن مصر ستشهد تحسنا ملموسا خلال السنوات القليلة القادمة خاصة وان الشعب يشعر برغبة حقيقية لدى الرئاسة والحكومة على مواجهة قضايا الفقر هذا فضلا عن المشروعات العملاقة التى انطلقت مؤخرا مثل مشروع قناة السويس وتنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى والمشروع القومى للطرق ومشروع وحدات الاسكان الاجتماعى وغيرها من المشروعات واذا صدقت الدولة فى توجهها للاهتمام بالفقراء وانشاء مشروعات عملاقة تزيد من الدخل القومى لن تحدث اى ثورة جديدة فى مصر. وأضاف أبواسماعيل أن أى ثورة لها سببان رئيسيان أولهما سياسى والثانى اقتصادى أما الشق السياسى فهو يأتى من الظلم والاستبداد وحجب حرية الرأى وسيطرة القلة على الحكم والثروة أما البعد الاقتصادى فيأتى من عدم توزيع الدخل على شرائح المجتمع وعدم توزيع التنمية بشكل جيد وعدم تطبيق العدالة الاجتماعية عموما وما نحتاجه حاليا بشكل سريع الآن هو توزيع ثمار التنمية على كل شرائح الشعب. وأكد أن اى قرارات خاصة بالاصلاح الاقتصادى سيكون لها منتفعون وسينتج عنها متضررون ولكن دور الدولة هو ان تبحث فى النتيجة النهائية لأى إصلاحات مؤكدا أن الخطأ الأكبر لنظام حكم مبارك هو عدم دراسة آثار القرارات الاصلاحية المتخذة والتى كانت تخضع للفكر الاقتصادى الأمريكى المحافظ والمتطرف الأجانب للوزراء مما أدى إلى سيطرة الرأسمالية المتوحشة على النظام الاقتصادى المحلى لأن الفكرة الرئيسية للاتجاه الاقتصادى الامريكى يكمن فى اطلاق يد كبار رجال الاعمال فى قيادة قاطرة التنمية وهو الأمر الذى نتج عنه تزايد معدلات النمو ولكن فى الوقت نفسه تمركزت الثروة فى أيدى قلة من كبار رجال الاعمال وتزايدت معدلات الفقر وارتفع مؤشر البطالة وتدهور مستوى المعيشة للفئات محدودة الدخل. وحول ما يثار من مخاوف حول خروج سكان العشوائيات على اصحاب الفيلات أكد أبواسماعيل ان نسبة الاحتقان بين طبقات المجتمع انخفضت بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير وغياب كبار رجال الاعمال عن الساحة واختفاء اللوبى الاقتصادى الذى كان يسيطر على الحكومة المصرية فى عصر مبارك لأنهم كانوا يذللون كل العقبات لأنفسهم حتى الضرائب والأراضى العامة للدولة والخصخصة بحجة التنمية الاقتصادية ويبحثون فى كيفية زيادة الأسعار والغاء الدعم للفقراء بحجة الحمل على الموازنة العامة للدولة. أما فيما يتعلق بشكل الفقر الحالى فى المجتمع قال الدكتور فؤاد أبواسماعيل أن الدولة بدأت فعلا فى رعاية الطبقات الفقيرة لانها ليس أمامها خيار آخر للتنمية خاصة وان صندوق النقد الدولى أعطى توجيهات بضرورة رعاية الطبقات المهمشة وذلك من خلال انتشار جغرافى للمشروعات الصغيرة على جميع أنحاء الجمهورية وحصر الطبقات الفقيرة ورفع الحد الادنى للمعاشات موضحا انه ليس هناك خطة او مشروع يمكن اى يقضى على الفقر فى مصر بشكل فورى ولكن كل ما نقوله هو ان البداية التى بدأتها الحكومة هى بداية صحيحة حتى الان خاصة فيما يتعلق متخصص مليارات الجنيهات لتحسين احوال المناطق العشوائية وتوفير مساكن مناسبة لمحدودى الدخل وزيادة حصص المواد الغذائية الدعمة على بطاقات التموين. أما حافظ الغندور نقيب التجاريين بالقاهرة فكان له رأى آخر فيما يخص التحذير من ثورة الجياع حيث أعرب عن مخاوفه من الوضع الاقتصادى وتأثيره على الاوضاع الاجتماعية مؤكدا أن كل مسببات الثورة موجودة حتى الآن نتيجة المشكلات التى توارثتها الحكومة الحالية من ارتفاع نسب الفقر والبطالة اللذين يعدان المغذى الرئيسى للانحراف والارهاب والثورة ورغم ذلك لم نر خطة واضحة ومحددة لمواجهة هاتين المشكلتين. وأضاف لم يكن أحد يتوقع أن تحدث ثورة فى مصر او فى تونس عام 2011 لذلك لا نستطيع الجزم بعدم حدوث ثورة تحت اى مسمى مادامت مسبباتها موجودة وهى الفقر والبطالة والجهل والعشوائيات هذا بالاضافة الى الضغوط الحياتية اليومية للمواطن مثل الزحام والتعليم والدروس الخصوصية والتأمين الصحى وغيرها لذلك يجب على الحكومة اجراء اصلاحات سريعة وملحوظة لتلك القضايا الشائكة التى تراكمت عبر 30 عاما مضت. وقال الغندور إنه رغم انشاء وزارة خاصة لانهاء ازمة العشوائيات إلا ان الحكومة عندها تضارب وارتباك شديد فيما يخص التعامل مع تلك القضية فلماذا لا نستفيد من تجارب الدول الاخرى فى حل مشكلاتها مثل فرنسا التى أطلقت مشروع يسمى تجديد شباب المدن عندما حددت المناطق المراد تجديدها ودرست تكلفة المشروع والاهداف منه واعطته لشركات استثمارية مع الاحتفاظ بحق السكان الأصليين للمكان فى السكن فى نفس المنطقة. واقترح ان يتم التعامل مع قضية العشوائيات بنفس المنطق فى مصر ودون ان نكلف ميزانية الدولة مليما واحدا بحيث يتم انشاء شركة للاستثمار العقارى خاصة بكل منطقة عشوائية تبحث قيمة الارض وتقدم تعويض للسكان او ان تقدم لهم سكن فى نفس المنطقة ولكن بعد تطوير العشش الى عمارات ضخمة تستوعب عدد سكان اكبر وفى الوقت نفسه تصلح للاستهلاك الادمى وتستطيع الشركة الحصول على ربح من بيع باقى الوحدات السكنية وبذلك نضمن القضاء على العشوائيات بسرعة وسهولة وبعيدا عن ميزانية الدولة. وحول رؤيته للاصلاحات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة أوضح الغندور أنه يبنغى العمل على شقين الاول يتعلق باتخاذ القرار المناسب للاصلاح الاقتصادى والشق الثانى يتعلق بآثار هذا القرار على فئات المجتمع المختلفة وماهى الفئات المستفيدة والفئات المتضررة من هذا القرار وذلك بهدف تلافى ومعالجة أى آثار سلبية للاصلاحات الاقتصادية على الطبقات الفقيرة والمهمشة. وأضاف أن الاصلاح الاقتصادى لمنظومة الدعم لم يحدث بشكل كامل الا على الكهرباء وبالتالى فهى لم تمس الفقراء بشكل كبير أما رفع جزء من الدعم عن البنزين فهو ماكان له التاثير الاكبر على الفقراء لانه تسبب فى غلاء أسعار الخضار والفاكهة والمواصلات حتى لو بنسب بسيطة لذلك يجب التفكير جيدا فى المرحلة القادمة عند استكمال اصلاح منظومة الدعم خاصة البنزين بحيث يتحمل الاغنياء وأصحاب السيارات الفارهة فقط هذه الزيادة. أما الدكتورة بسنت فهمى الخبيرة الاقتصادية فأكدت أن التوسع والاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر هو طوق النجاة للفقراء والمهمشين فى المجتمع وفى الوقت نفسه سيصب فى مصلحة الاقتصاد الكلى للدولة لأن مصر تمر بمرحلة حرجة لن تمكنها من جذب استثمارات أجنبية تفى باحتياجات التنمية فى ظل هذه الظروف الامنية الصعب وفى الوقت نفسه امكانيات الدولة فى التوظيف واستيعاب البطالة ضعيفة للغاية أما المشروعات الاقتصادية العملاقة التى بدأت الحكومة فى تنفيذها فأثرها الاقتصادى لن يظهر الا بعد 5 سنوات على الاقل لذلك الحل الوحيد هو الانتاج عن طريق المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وقالت بسنت إن المخاوف من حدوث ثورة جياع يخرج فيها أصحاب العشوائيات على أصحاب الفيلات هو مجرد وهم ولا يمكن أن يحدث مهما اشتد الفقر على فئات معينة والا كان حدث فى فترة الهزيمة عام 1967 عندما اشتد الفقر والجوع وقلت السلع الرئيسية فى الاسواق. وأضافت نحن فعلا فى أزمة وكل المؤشرات الكلية للاقتصاد مازالت سيئة منذ الثورة حتى الان فنسبة الفقر 26% والبطالة 13.5% فضلا عن التضخم فى اسعار السلع وعجز موازنة هائلة ودين خارجى مفزع هذا الى جانب التهديدات الامنية الداخلية والخارجية فنحن فى حالة حرب حقيقية من الجيل الرابع على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والامنية وهو مااعترف به رئيس الجمهورية، لذلك يجب زيادة معدل التكافل الاجتماعى بين الطبقات الغنية والمتوسطة والفقيرة وتقنين الاستيراد والاهتمام بالطبقات الفقيرة والمهمشة. أما الدكتورة سلوى العنترى أمين اللجنة الاقتصادية بالحزب الاشتراكى المصرى فحذرت من الوقوع فى فخ السياسات الاقتصادية التى تعمل لصالح الاغنياء تحت مسمى التنمية موضحة أن الفقراء تحملوا ارتفاع تكلفة البنزين على كل السلع والمواصلات تفهما لظروف البلد رغم معاناتهم وفى المقابل رفض رجال الأعمال من أصحاب مصانع الحديد خفض هامش ربحهم فصرخوا للحكومة من هجوم الحديد الصينى على السوق المصرية فاستجابت لهم على الفور بوضع رسوم إغراق على الحديد المستورد حتى لا يخفضوا أسعارهم مطالبة بسرعة العمل على إدخال الفقراء والمهمشين فى منظومة جديدة للتنمية حتى يشعروا بانحياز الحكومة لهم وليس بانحيازها للطبقات الغنية حفاظا على الاستقرار الاجتماعى ومنع الاحتقان بين الطبقات الغنية والتى تمثل رجال الاعمال والفقيرة التى تمثل العمال والفلاحين. وقالت سلوى العنترى ان تداول القنوات الاجنبية وخاصة قناة الجزيرة لمشاهد لفلاحين مصريين يحرقون محصولهم من القطن احتجاجا على السعر الذى اعلنته الحكومة لشراء القطن والذى لم يغط حتى تكلفة العمال الذين قاموا بجنى المحصول استغلته كل الجبهات المعارضة لمصر للترويج والتهييج بأن الحكومة لا تعمل للفقراء والفلاحين بل تعمل على افقارهم لصالح الطبقات الغنية لذلك يجب على الحكومة توضيح سياستها والاستماع الى مشكلات صغار الصناع والفلاحين والعمل على حلها.