عرضنا فى الجزء الأول من هذا الموضوع لبعض عناصر ثقافة التنمية وسلوكياتها . وقبل استئناف الحديث عنه، نود الإشارة الي أن هذه الثقافة مطلوبة علي كل المستويات سواء الافراد أو الحكومات، وفى مختلف القطاعات زراعة وصناعة وخدمات، أى أنها مطلوبة علي المستويات الميكرو والماكرو والأنشطة المختلفة ، وللتذكرة تكلمنا فى المقال الاول عن أهمية العمل ، وعدم الاسراف والتبذير ، وأهمية الوقت ، وقبول الآخر، وتجنب هدر الموارد ، وزيادة الانتاجية، ونستكمل الحديث عن أهم العناصر الأخرى. 7 أهمية الصيانة لايعترف الكثير منا بأهمية صيانة الاشياء المختلفة، فعلي سبيل المثال لايذهب الفرد الي طبيب الاسنان الا بعد أن لايجدى العلاج معها سبيلا ويجب خلعها، وعلي مستوى الدولة ، فمنذ زمن طويل عندما كان من المطلوب الحد من نفقات الموازنة العامة للدولة، فإن أول بند يتم الغاؤه هو صيانة الاصول الانتاجية المختلفة، وترتب على ذلك تدهور انتاجيتها بسرعة، مما يقلل من التكاليف الرأسمالية والتشغيلية، وفى هذا رفع لكفاءة الاقتصاد القومى بأكمله ، واستدامة لنمو الناتج المحلي الاجمالي وخلال السنوات الثلاث الماضية انشأنا استخدام الطرق السريعة، ولم ننفق شيئا يذكر علي صيانتها وأصبح من الضرورى بناؤها من جديد بتكاليف باهظة نحتاجها من أجل تحسين التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ، إن الأصول لاتصون نفسها ولكن تحتاج الي مجهود. 8 محاربة الفساد نشكو جميعا من انتشار الفساد بدرجة مريعة فى مختلف انشطة الحياة فى مصر ويخشى أن يكون هذا الفساد من النوع «الطالح» أى أن وجوده يشجع من هو ليس بداخله علي اغتنام أي فرصة للحاق بقطار الفساد وهذا التمييز بينه وبين الفساد والصالح الذى يشعر الفاسدين بأن سلوكهم مشين ويعملوا علي التخلص منه والتحول الي الاستقامة والصلاح وهذا الحديث ليس من قبيل المثالية ولكن واقع الأمر فى كثير من الدول يشير الي تخلفها عندما عم الفساد فيها وعندما حاربته وقلصته الي أدنى حد ممكن ، حققت تقدما كبيرا. أن للفساد أضرارا لأعباء اضافية غير مبررة، مما يخفض من قدرتها التنافسية ويرفع تكلفة السلع والخدمات علي المستهلكين ، كما يؤدي الفساد الي سوء اختبار المشروعات التى يمكن تنفيذها ، وذلك عن طريق التواطؤ مع المسئولين عن الائتمان فى الجهاز المصرفى ، لأجل اختيار مشروعات ليست مجدية وهذا يعرض أموال المودعين للضياع ، ويخفض معدل نمو الناتج القومى وقد يدفع الفساد بعض رجال الاعمال الشرفاء الي الانصراف عن الاستثمار، مما يحرم الاقتصاد القومى من مزاياه وآثارة الحميدة علي الانتاج والتوظف كما يسهم الفساد فى عدم امتداد هذا الفساد الي مناقصات تنفيذ أو توريد المواد والمعدات فى الجهاز الحكومى ،فإن هذا يسهم فى زيادة عجز الموازنة ونكتفى ببيان هذا القدر من الآثار الاقتصادية السلبية لانتشار الفساد ولانقلل من آثاره السلبية علي الاخلاق لكل هذا فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة تتطلب محاربة الفساد وحصاره فى أضيق الحدود. 9 الدين المعاملة الدين متأصل فى نفوس البشر جميعا، حتى من يكفر به فإنه عندما يقع فى أزمة يقول يارب ، وفى الولاياتالمتحدةالامريكية مطبوع علي الدولار جملة «اننا نثق فى الله» وفى مصر الشعور الدينى عقيدة متجذرة منذ زمن بعيد والثقافة الدينية عند بعض الناس انحرفت عن غرضها الاصلى فاتخذت وسيلة للتربح أو لتبرير العنف والمعاداة أو سبيلا للانفراد بالحكم والمكسب المادى وكل هذه السلوكيات بعيدة عن صحيح الدين الذى يقرر أن «الدين المعاملة» وأن هذه المعاملة يجب أن تقوم علي العدل والمجادلة بالحسنى ، وعدم فظاظة القلب والا يكون هناك اجبار لأحد علي الاعتقاد بشىء لايؤمن به «لا إكراه فى الدين» وكل ذلك لأن الانسان يتحمل تبعة أعماله. والدين عندما يقرر الرضا بالقدر ليس استسلاما وعدم السعى نحو الأفضل، أو أنه افيون الشعوب كما قال بعض المفكرين ،ولكنه يعين الانسان علي تحمل المشاق الي أن يتبدل الحال الي الافضل والمعاناة ضرورية لتحقيق التنمية والتقدم . قال الشاعر : لاتحسبن المجد تمرا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا واذا كان البعض قد أساء استخدام الدين ، فهذا يحدث فى معظم مجتمعات الدنيا بالنسبة للايديولوجيات والفلسفات المختلفة وفى مصر فإن صحيح الدين ضرورى لتحقيق التنمية واشباع رغبات الناس ومراعاة شعورهم بما يحقق الصالحين العام والخاص. 10 الاعتماد علي أهل الخبرة أى عندما تقوم الدولة باختيار كوادر للقيام بمهام مختلفة فإن اختيارها يجب أن يقوم علي أساس الخبرة والكفاءة ، لا الثقة والمحسوبية وكذلك الحال بالنسبة للافراد عند اختيار المديرين لمشروعاتهم ، أو الطبيب الذى يعالجهم وغيرهم . إن الاعتماد علي أهل الثقة وليس الخبرة يؤدى فى ظل غياب المعرفة الي تدهور اوضاع المهام المكلفين بها سواء فى الاستثمار أو التعليم أو الصحة أوأى مجال آخر ذلك لأن أهل الثقة يتمتعون بخصائص أهمها القبول عند المسئول وكذلك وهى الأهم عدم اعتراضهم علي مايقول بل يزينون له كل مايريد حتى لو أدي ذلك الي الاضرار بصاحب القرار ، أى أنهم «صوت سيده» وبالتالي لايذكر المحاذير حتى يمكن تجنبها ولايقترح البدائل التى قد تكون افضل من المقترح وليس ادل علي الاضرار التى تنتج من الاعتماد علي أهل الثقة وحدهم من «الدبة» التى قتلت صاحبها وهى تعتقد أنها تحميه من الذبابة. 11 إعمال العقل تنتشر فى كثير من المجتمعات النامية الخرافات والخزعبلات بما يجافي العقل والعلم، الذى يقدع فى قلب التقدم، وهل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون ؟ لقد كان مجتمع الجزيرة العربية قبل الاسلام فى تخلف شديد ، وعندما سادت قيم الاسلام وثقافته التى تحث علي التفكير والتدبر ، والبحث العلمى تقدم المجتمع تقدما كبيرا وانشاء دولة سادت العالم، فبعد أن نشط العلماء المسلمون فى ترجمة العلم والتراث الانسانى فى الفلسفة والرياضيات وغيرها ، اسهم فى تقدم العلوم فهذا هو الخورازمى الذى وضع علم الجبر، وجابر بن حيان عالم الكيمياء وابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وفى الطب ابن الفصيل وفى الفلسفة ابن رشد وغيره كثير وكانت أوروبا فى العصور الوسطى فى ظلام وتخلف ، وعندما احتلت بالمسلمين وأخذت عنهم العلم نفضت عن نفسها التخلف وتركت عصور الظلام ودخلت فى عصر النهضة واصبحت هى مصدر الاشعاع العلمى والمعرفي. والآن نحن نعانى من تخلف الأحوال الاقتصادية ونسبة كبيرة تعانى من الجهل، ومستوى العلم متدن، ونحن نستورد العلم والمعرفة ولا نسهم فى تقدم العلوم والتكنولوجيا ويجب علينا ان نعمد على العلم ونعلى شأنه في كل المجالات. 12 الابتكار والتجديد: ان الاختراع يؤدي الي الابتكار والتجديد فى مختلف مجالات الانتاج وهذه المخترعات هي التي تمكن الانسان من غزو الفضاء ومجالات جديدة فى الانتاج والتغلب على الامراض وغيرها. وعدد براءات الاختراعات التى نسجلها قليل جدا، ،نتحمل تكاليف باهظة للحصول على المنتجات الحديثة مقابل حقوق الملكية الفكرية وثقافة الابتكار والتجديد التي تحث افراد المجتمع منذ الصغر على اكتشاف الجديد. وفى هذا الصدد يسىء كثير منا فهم القول المأثور من ان «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار» من اجل محاربة اجل محاربة كل جديد، في حين ان الاسلام يدين من يسير في طريق الماضى اتباعا لنهج الآباء ويحث المسلمين على التدبر والتفكير والعودة الى الممارسات السليمة ان هذا القول المأثور ينطبق على المعتقدات والعبادات وهي اوامر آلهية لاتجديد او ابتكار فيها ولا بدعة. اما شئون الدنيا «فنحن ادرى بها» وعلينا ان نجتهد، ولاح دود لاعمال العقل فيها، للتوصل الى مافيه مصلحة الانسان وييسر معيشته وبالرغم من التقدم العلمي الجبار والمخترعات الرائعة فى مختلف مجالات الحياة الا ان اسرار الكون مازالت شبه لانهاية ومجال التقدم والابتكار والاختراع واسعا وعلينا ان نعمق هذه الثقافة اذا اردنا ان يكون لنا مكان بين الامم، ونحقق الرفاهية لمجتمعنا وشعبنا.