البعض من الناس لايدركون معني الوقف, وما هو الغرض منه؟ وما هي أنواعه؟ وكيف يمكن انتهاجه؟ وما هو دوره في خدمة أفراد المجتمع؟ والبعض الآخر يظنون أنه مقصور فقط علي أملاك الحكومة دون مشاركة أفراد المجتمع المدني المتمثلين في رجال الأعمال والمستثمرين من أهل الخير. إن التعريف الحقيقي للوقف هو حبس ملك في شكل نقود أو أرض زراعية أو عقار أو أي مشروع إنتاجي له عائد ينفق منه علي ما وقف له ولا يجوز لهذا الوقف أن يملك أو يباع, أو ما إلي ذلك, ويعتبر الوقف صدقة جارية للواقف عليه بحيث يجني الفقراء والمحتاجون ثمارها إلي يوم الدين, كما أن الوقف ليس مقصورا علي المسلمين فقط بل للأقباط ايضا. والوقف نوعان: الأول هو الوقف الأهلي ويكون مقصورا علي الزوجة والأولاد والأقارب, والثاني الوقف الخيري والمقصود به وقف إيراد أو عائد أي شيء مملوك لدي القادرين عليه وتوجيهه إلي المنفعة العامة وأعمال الخير المختلفة التي تعمل علي سد الثغرات الاقتصادية والاجتماعية لفئات عديدة من المجتمع, خاصة الفقراء والمحتاجين, ودعونا نوجه البوصلة إلي النوع الثاني من الوقف, حيث يلعب دورا مهما في خدمة أفراد المجتمع في كل مجالات الحياة وشئونها, والجدير بالذكر أن هناك عدة مجالات للوقف الخيري, أهمها الوقف العلمي والتكنولوجي بمقياس هذا العصر, وذلك لأن الثورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة اتسمت بقدرتها علي التغلغل في مختلف جوانب النشاط الإنساني, وأن تقدم أي مجتمع وازدهاره يتسم بالتطور الإبداعي التكنولوجي, الأمر الذي يجعل معظم الدول المتقدمة تعمل علي تسخير أدوات التكنولوجيا لتحقيق معدلات أسرع للنمو الاقتصادي والاجتماعي التي تخدم قاعدة عريضة من الفقراء والمحتاجين, ومن ثم فإن انتهاج الوقف التكنولوجي, عمل خيري واجب العمل به علي كل قادر عليه. لذا يجب أن نستحث المستثمرين ورجال الأعمال من أهل الخير علي الحض علي هذا النوع من الوقف وتخصيص جزء من أملاكهم وقفا تكنولوجيا لنشر الثقافة التكنولوجية ورعاية المخترعين والمبدعين العاملين في مجالات التكنولوجيا بمختلف أنواعها وتوفير الامكانات اللازمة وتهيئة المناخ التكنولوجي لهم, ومن المعروف بمقياس العلم المعاصر أن أهم المخرجات الناتجة عن دمج العلم بالتكنولوجيا خاصة, في ظل مجالات التكنولوجيا الحديثة مثل النانو تكنولوجي وليزر الفيمتو والهندسة الوراثية والمعلوماتية الحيوية, وخلايا جذع المخ, وما إلي ذلك ما هي إلا لتحقيق المنفعة العامة لكل أفراد المجتمع, خاصة شريحة الفقراء والمحتاجين وما هم دون الطبقة المتوسطة.. فقد يسهم هذا الوقف العلمي و التكنولوجي علي سبيل المثال لا الحصر في التوصل إلي تشخيص وعلاج الأمراض الخبيثة والمزمنة والمستعصية كالسرطانات وأمراض الكبد الوبائي والفشل الكلوي والزهايمر... وما إلي ذلك. وقد يكون هناك اختراع تكنولوجي آخر يموله هذا الوقف يسهم بشكل فعال في تحسين سبل الزراعة المختلفة, واستصلاح الاراضي واستنباط سلالات جديدة من الحبوب الزراعية التي تساعد علي زيادة الإنتاجية الزراعية, وتحسين جودة المحصول, الأمر الذي يحقق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة وقصب السكر والتي نقوم باستيراد كميات كبيرة منها حتي الآن لتغطية احتياجاتنا الاستهلاكية, هذا بالاضافة إلي أنه يمكن استخدام نظم الري الحديثة, والوصول إلي الطرائق التقنية الحديثة وتوظيف الطاقات الآمنة مثل الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية, وما إلي ذلك في تحلية مياه البحار المتوافرة لدينا بكميات كبيرة لري الأراضي الزراعية بدلا من استخدام مياه النيل والمياه الجوفية التي في سبيلها إلي النضوب في المستقبل غير البعيد. كما يمكن ايضا أن يكون هناك اختراع تكنولوجي ممول من الوقف التكنولوجي يسهم في تطوير معالجة مياه الشرب وتنقيتها وفقا للقياسات العالمية علي أن يكون ذلك علي أيدي كوادر مصرية متخصصة في هذا المجال. وينبغي أيضا التنويه إلي اختراعات تكنولوجية مدعمة بالوقف التكنولوجي, والتي تساعد علي تفجير ملكات الإبداع والابتكار لدي العقول المصرية في استخدام التقنيات الحديثة للحصول علي طاقة جديدة ومتجددة صديقة للبيئة لتشغيل السيارات ووسائل النقل والمعدات وآلات المصانع تجنبا وتقليلا لانبعاثات الغازات السامة التي لها أثر سلبي ملموس علي الإنسان والبيئة. وتجدر الإشارة إلي أهم أوجه الدعم من خلال الوقف العلمي و التكنولوجي, وهو مجال صناعة خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجالات برمجة العمليات الإدارية والهندسية والصناعية والزراعية والطبية والمعلوماتية الحيوية.. وما إلي ذلك والتي هي في حاجة إلي امكانات لتهيئة المناخ التكنولوجي المناسب للعقول المفكرة والمبدعة للحصول في النهاية علي منتج رقمي له قيمة مضافة في النهوض بالمستوي الاقتصادي والاجتماعي, والذي سيعود بالنفع علي أفراد المجتمع. ويمكن من خلال هذا الوقف أن نستحث علماءنا المصريين بالخارج وعقولنا البشرية المهاجرة التي حققت نهضة عالمية في مجالات التكنولوجيا, خاصة الحديث منها, إلي أن تعود إلي أرض الوطن علي أن يسهم هذا الوقف في توفير كل الامكانات والأدوات التكنولوجية لتوهج تلك القدرات في بلادنا وربط الاحتياجات المستقبلية لمصر, وتلك التخصصات النادرة المتميزين بها لمواجهة الآثار الخطيرة الناجمة عن الأزمات والكوارث التي قد تلقي بظلالها علي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وعلي الجانب الآخر, ينبغي علي الدولة وضع أسس وقواعد العمل بهذا النوع الخاص من الوقف وسن القوانين والتشريعات اللازمة للتسهيل علي الواقفين عليه من رجال الأعمال والمستثمرين من أهل الخير وتوظيف ذلك الوقف في مساراته التكنولوجية الصحيحة وتوجيه موارده التوجيه الأمثل حتي نلحق بركب الدولة المتقدمة تكنولوجيا, وتنقل من مصاف الدول التي تعتمد علي التكنولوجيا الزائرة والمستعارة إلي مصاف الدول التي تعمل بالتكنولوجيا الوطنية وبصناعة تكنولوجية مصرية100%. وعلي صعيد الدول العربية ينبغي أن نحث المستثمرين ورجال الأعمال والشيوخ والأمراء العرب علي انتاج الوقف التكنولوجي لاستعادة التضامن العربي, وأن القوي الفاعلة والمؤثرة في مسيرة العمل العربي لن تتحقق إلا بالعلم والتكنولوجيا.