حقا تظل أرض سيناء لغزا عصيا على الفهم.. فمنذ تحريرها بعد حرب شرسة ضد العدو الاسرائيلى بذلت فيها البلاد الغالى والنفيس لاستردادها، وبعد اتفاقية استخدم فيها سلاح المكر والدهاء لاستردادها كاملة.. كان المأمول وقتها ان تكون بارضها السهلة وثرواتها التى تكفى لإقالة العثرة الاقتصادية التى كانت تمر بها البلاد قاطرة للتنمية.. ولكن ظلت تلك البلاد فى وحشة الغربة مقتطعة يفصلها عن ارض العمار قناة السويس الشاهدة على الفارق الشاسع بين هذه وتلك.. ثم يأتى السؤال الساذج.. لماذا يحدث فى سيناء ما يحدث من حوادث ارهابية تقتنص فيها ارواح مصرية على ارض مصرية، انها ارض منسية بقصد او بدون قصد على مدار أكثر من 30 سنة حتى المشروع القومى لتعمير سيناء الذى أطلقه الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى 1994 لتضخ البلاد فيها دماء التنمية ولتقضى فيها على عزلتها بحلول عام 2017، كان أشبه بحلم عاشه اهل سيناء منتظرين تحقيقه على ارض الواقع، ولكن الكابوس الذى فرضه التراخى والإهمال واللامبالاة كان أسبق. وتركت سيناء مفرخة لمختلف انواع الفكر التفكيرى والمخدرات نتيجة طبيعة لسنوات التيه الذى عاشه هذا الشعب الذى شعر بغربته تزداد يوما بعد يوم.. اللواء محمد ناصر رئيس جهاز تعمير سيناء سابقا يقول: ان الازمة الأخطر على تنمية سيناء هى بالفعل عدم توفير العامل الأمنى الذى يهدد الاستقرار الذى يعد الارض الحقيقية لأى إعمار وتنمية . ويضيف: لمن يلقون عبء الأحداث الآثمة الأخيرة على تأخر الدولة فى توفير سبل التنمية أقول لهم إن اقوى بنية تحتية قياسا بعدد السكان على مستوى المحافظات موجودة بسيناء شمالها ووسطها وجنوبها فالصرف الصحى والكهرباء والمياه وخطوط التليفونات وغيرها كلها متوافرة ولا توجد بها أى أزمة.. ولكن طبيعة الارض وأهلها والأفكار الموجودة هناك علاوة على قربها من حدود اسرائيل شكلت عائقا يحول دون الاستثمارات التى تحقق التنمية.. هنا سألته: لماذا بعد معرفة كل ذلك لم تتدخل الدولة بعمل مشروعات استثمارية مشجعة للقطاع الخاص بعد معرفتها بهذه المخاوف الطاردة؟ أجاب: المشروعات تكلفتها باهظة والدولة إمكاناتها محدودة والدليل ان مشروع قناة السويس الذى يجرى تنفيذه حاليا اعتمد على اموال الشهادات التى طرحت للمواطنين لعدم وجود موارد كافية لتنفيذه. وأردف: إننى أؤكد ان 90٪ من مسببات الأزمة ترجع الى غياب الاستقرار وزعزعة الأمن هناك. سألته: دعنا نضع أيدينا على مواضع النزف الحقيقية.. هل كانت هناك ضغوط تمارس على الدولة لعدم إحداث تنمية حقيقية فى سيناء؟ أجاب: دعنى أقول لك ان المشكلة مركبة ومعقدة وأن وجود الأفكار المتطرفة والغريبة عن طبيعة المجتمع المصرى هناك لعدم إحداث الاستقرار الأمنى والسياسى على الحدود لتظل مناطق ملتهبة لعدم إحداث تنمية وهى ما سوف تكون حائط صد أمام أى عدوان خارجى.. ولا أستبعد بالطبع وجود ضغوط من الخارج لعدم إحداث تنمية حقيقية.. الدكتور حسام رفاعى عضو مجلس محلى سيناء يقول: لا يمكن ان يتعاطى مريض علاجا بلا تشخيص حقيقى وإلا أصبحنا فى دائرة العبث كما يحدث حاليا.. تشخيص ازمة سيناء خاطئ وبالتالى العلاج الذى تتم به معالجة الازمة كارثة. فسيناء قبل تحريرها كانت قابعة تحت الاحتلال الاسرائيلى وكان الصراع الدائر بيننا وبينهم صراعا عقائديا فهم يحددون دولتهم من النيل الى الفرات وانكسرت آمالهم بعد حرب 73 ولكنهم لم يفقدوا الأمل، فلذلك أيديهم تعبث فى كل وقت لإحداث الفتن ويمارسون مختلف الضغوط لعدم إحداث تنمية لأنهم يعلمون انها خط الدفاع الأكبر فى صدهم.. وعلى طريقة الفلاش باك يقول: ان السادات باتفاقية السلام التى عقدها مع الجانب الاسرائيلى كان يعتبر سيناء مشروع الحرب والسلم له.. ولكنها للأسف لم تحرر كاملة إلا فى عهد مبارك الذى لم يتحرك نظامه إلا فى أوائل التسعينيات بالمشروع القومى لتنمية سيناء، وأنشأوا لذلك ترعة السلام وكان مخططا لها أن تروى200 الف فدان ففوجئنا بها تغير مسارها عند التنفيذ بغرابة شديدة واصبحت على اربع مراحل غرب القناة لتروى اراضى فى سهل الطينة وارض سبخة وجنوب رابعة ووسط سيناء وكان المأمول من هذا المشروع العملاق ان تمتد المياه الى ارض السرو والقوارير التى يعد تعميرها واستصلاح اراضيها اكبر عائق استراتيجى لليهود إذا ما فكروا فى الإغارة على البلاد.. لأنها منطقة تقابل صحراء النقب العمق المشترك بين سيناء واسرائيل الذى دخلت منه اسرائيل عند احتلالها لمصر.. ولكن هذا لم يحدث وتركت تنمية هذه المنطقة التى تعد الأيسر فى إحداث التنمية من حيث طبيعة التربة الممهدة والارض المستوية التى تعد البوابة الكبرى لتعمير وسط سيناء والحاجز الأخطر لأى عدوان اسرائيلى محتمل . ويقول ايضا فى مشروع السكك الحديدية الذى كان مأمولا أن يحمل الدفقات البشرية لتعمير ارض الفيروز: جاء على الأطراف الساحلية ولم يمر عبر وسط سيناء حيث المطلب الرئيسى للتعمير بل فشل المشروع برمته.. والخلاصة انه خلال ال 30 سنة المباركية ازدادت عزلة سيناء وكانت المشروعات وهمية على طريقة »أسمع ضجيجا ولا أرى طحنا«. سألته: وماذا كان ينوى السادات فى مشروع تنميته الذى وئد بمقتله؟ أجاب: السادات كان عنده فكرة ان يبدأ بضم أجزاء من سيناء الى المحافظات المجاورة السويس والاسماعلية وبورسعيد ليخفف من عزلتها ويعطيها شعورا بانها جزء من الوطن الأم وتم تحقيق ذلك بالفعل ولكن بصورة محدودة وحدثت تنمية بالفعل لهذه الاجزاء وهى ملاصقة للقناة.. ولكن لم تستكمل خطته بالزحف التنموى على بقيتها.. ويتمنى د. حسام ان تعود هذه الأجزاء المستقطعة الى ارض سيناء بعد تنميتها لتستفيد منها بقية الارض السيناوية ويمتد البناء التنموى الى بقية أجزائها.. ثم يردف ان المشروع القومى التنموى لسيناء كان مخططا له بحلول 2017 ان يتم تسكين 3.5 مليون نسمة لإحداث التعمير بسيناء وتخفيف العبء عن بقية الوطن المعمور المكتظ بالسكان . ولكن لم يتبق على 2017 سوى سنتين وعدد السكان فى تناقص هروبا من الأحداث التفجيرية وعدم استهداف سيناء بالتنمية حتى ان العدد حاليا لا يزيد على 300 الف نسمة فقط. ويرى ضرورة تملك أهل سيناء لاراضيهم وان يعاملوا كبقية أهل مصر فى محافظاتهم .. وان يتولى الجيش إحداث التنمية الكاملة بسيناء، كما هو مسئول عن تأمين والدفاع عن اراضيها.. بسنت فهمى: تشغيل الشباب أقوى سلاح لمحاربة الإرهاب أعربت بسنت فهمى الخبيرة المصرفية ومستشارة بنك البركة عن مخاوفها من تداعيات الحرب على الارهاب وأنه سيكون لها تأثير ملحوظ على الاقتصاد خاصة فى ظل الظروف التى تعيشها مصر من عدم الاستقرار الامنى والتهديدات الارهابية فضلا عن ارتفاع عجز الموازنة والدين الخارجى والتضخم وغلاء الاسعار وأزمة البطالة وبالتالى فإن الفترة القادمة هى فترة حذر وترقب تحتاج فيها الى تكاتف كل فئات المجتمع وزيادة نشاط التكافل الاجتماعى بين الطبقات الغنية والفقيرة هذا بالاضافة الى ضرورة أخذ الحكومة لاجراءات تقشفية مع تقنين استيراد السلع غير الضرورية للحفاظ على احتياطى النقد الاجنبى. وأكدت بسنت أن نسبة الشباب فى المجتمع المصرى وصلت الى نحو 60 ٪ وعلى الرغم من أن كثيرا من الدول ترى أن هذه النسبة هى ميزة كبرى تميز مصر لكنها فى الوقت نفسه عيب رهيب لأن هذا الشباب يبحث عن عمل ويبحث عن شقة ويبحث عن طرق تمكنه من الاستقلال بنفسه ومع تلك الظروف الصعبة التى تعيشها مصر فإن هذا الشباب سيتحول من طاقة انتاجية الى طاقة قابلة للانفجار فى أى وقت اذا لم يجد الفرص التى تمكنه من تحقيق ذاته وهو ما تستغله الجماعات الارهابية لذلك يعتبر هدف تشغيل الشباب هو أقوى سلاح للقضاء على الارهاب فى مصر وتحقيق التنمية الاقتصادية. واوضحت بسنت أن الحديث عن جذب استثمارات اجنبية ليس له جدوى الآن فى ظل المؤشرات السلبية للاقتصاد المحلى خاصة بعد اعلان الحرب على الارهاب فى سيناء لذلك فان الفترة القادمة تتطلب توجيه كل الجهود والمنح والمزايا للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة لمساعدة الطبقات الفقيرة والمهمشة خاصة أن ربع الشعب المصرى يعيش تحت خط الفقر حسبما أكدت كل التقارير الدولية والمحلية. وختمت بسنت حديثها قائلة إن الاعلان عن عدد من المشروعات العملاقة ذات الجدوى الاقتصادية شىء جيد ومفيد ولكن فى الوقت نفسه لن يشعر الفقراء بالعائد من تلك المشروعات بشكل مباشر حتى وإن شعروا فلن يظهر ذلك الا بعد خمس سنوات على الاقل وهنا تبرز أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لانقاذ الفقراء من الآثار السلبية واشراكهم فى العملية التنموية التى تستهدفها القيادة السياسية.