خلصنا في المقال السابق الي ان العاصمة الادارية التي يجري التفكير في انشائها ونقل الوزارات اليها من وسط المدينة, مشروع غيرمجد, وانه سوف يخصص موارد فيما تفوق تكاليفه المقدرة المنافع الممكن تحقيقها. اي انه بحسابات المنافع والتكاليف, فان الأولي تقل كثيرا عن الثانية, ويحتم المنطق الاقتصادي عدم الاقدام علي انشائها, وان ما نحتاج اليه هو عاصمة سياسية جديدة, فما هي اسباب ذلك؟ وماهي الخصائص الواجب توافرها في المكان المقترح ؟ وما المكاسب المتوقع تحققها لمصر؟ وما اثر ذلك علي القاهرة؟ ان الأسباب الرئيسية وراء دعوتنا عديدة من بينها تضخم القاهرة تخما رهيبا ينتج بالضرورة مشاكل اجتماعية ومعيشية متنوعة ومتعددة واهم من ذلك في التجربة مع القاهرة منذ وقت غير قصير, ان الحلول الوقتية التي اتخذت لم تحقق سيولة مرورية او تحسين جودة الحياة وزادت من تعقيد مشكلة ادارة القاهرة الكبري في الاسكان والبيئة والتموين والانتقال والمعيشة الهادئة الميسرة. والاهم من هذا وذاك. ان حل المشكلة المحورية طويلة الاجل لمصر هي تحقيق التوازن بين الارض والسكان, ومن ثم يجب ان نضع الهدف الرئيسي لسياساتنا نحو تحقيق ذلك. من المتوقع اذا سارت الامور علي وضعها الراهن ان يبلغ عدد سكان مصر في عام2020 نحو150 مليون نسمة وحيث ان مصر دولة مركزية يصبح للعاصمة الجديدة دور كبير في توسيع الرقعة المأهولة, ويساعد علي انتشار السكان وزيادة الاستغلال الاقتصادي لمساحة مصر علي النحو الذيي سنبنيه بعد قليل. واهم الخصائص التي بجب ان يمتع بها الموقع الذي تنشأ فيه العاصمة السياسية الجديدة هي: 1 البعد عن القاهرة الكبري بما لايقل عن600 700 كيلومترا, وذلك لضمان استقرار المواطنين بها وليس الذهاب اليها في اول النهار والعودة منها في آخره. 2 اضافة موارد جديدة الي دائرة الاستغلال والانتاج سواء كانت زراعية ام صناعية ام خدمية, ان التوسع المحتمل والطبيعي لهذا الموقع سوف يؤدي الي تآكل الموارد القائمة اذا اقيمت بجوارها لهذا الموقع سوف يؤدي الي تآكل الموارد القائمة اذا اقيمت بجوارها وفي هذا خسارة جسيمة مثل جور المدن القديمة الحالية علي الأرض الزراعية القديمة. 3 وجود قاعدة اقتصادية في هذا الموقع بحيث يكون جاذبة لاعداد كبيرة من السكان سعيا وراء الحصول علي وظائف او انشاء مشروعات جديدة بحيث تقلل من عدد العاطلين الحاليين نحو3.7 مليون نسمة وتختص الاعداد التي تضاف الي سوق العمل وتكون معتمدة علي نفسها وليست عالة علي الاقاليم الاخري. والسؤال المنطقي الآن هو ما الموقع الذي يحقق ذلك؟, وقبل ان اجيب عن هذا التساؤل؟ اود ان اسرد واقعة حقيقية حدثت منذ ثلاثين سنة نهاية يوليو1984 فقد رشحت في هذا الحين لادارة هيئة الاستثمارات فطلب رئيس الجمهورية في ذلك الحين ان اذهب للقائه بصحبة وزير الاقتصاد المسئول الدستوري عن الهيئة ويبدو انه لم يكن مشغولا فعرض علينا ان نشرب معه الشاي في شرفة قصر رأس التين واقترحت عليه ان مانحتاج اليه بشدة هو عاصمة جديدة. فقال ما رأيك في مدينة السادات؟ فقلت له انها لا تصلح نظرا لقربها الشديد من القاهرة90 كيلومترا مما يدفع الي الذهاب منها واليها وليس الاقامة فيها, فضلا عن ان المشروعات الزراعية التي انشئت علي الطريق الصحراوي حولته الي طريق زراعي ينتظر اصحابها مثل هذا التحول كي يدمروا الزراعة لصالح اقامة المنتجعات السكنية والترفيهية, وفي هذا هدر كبير لموارد الاقتصاد المصري وللاسف فان هذا هو ما حدث كما نشاهده الآن فسألني اين تكون اذن؟ فتذكرت علي الفور في الصحراء الغربية بمنطقة جبل ابو طرطور وتعجب من ذلك لربما لعدم سماعه عن هذا المشروع الي ذلك الحين فتساءل واين هذا الموقع الذي يبعد عن الواحات الخارجة الي داخل الصحراء. بنحو100 كيلومتر واقيم فيه نشاط تعدين الفوسفات من باطن الجبل, ومصنع لاستخلاص حامض الفوسفوريك, ومساكن لاقامة العمال وغيرهم ومد خط سكة حديد لنقل الفوسفات الي سفاجا بالبحر الاحمر لتصديره الي جنوب وشوق اسيا. واذا تم شق طريق الي الشمال يصل الي منطقة العلمين تكون الارض المنتشرة علي امتداد السكة الحديد من الغرب الي الشرق وعلي جانبي الطريق من الجنوب الي الشمال, هي الابعاد الاربعة المحورية الكارتيزيين ومن ثم يمكن ان تصل المساحة المستغلة الي25% من مساحة مصر وهذا ما ايده بعد ذلك مشروع محور التنمية الذي عرضه د. فاروق الباز بناء علي الخرائط الجغرافية والاستشعار عن بعد ورصد الاقمار الصناعية وكانت اجابة رئيس الجمهورية في ذلك الحين ادرسوها بما يعني عدم فعل شيء يذكر وهذا ماحدث. اذن المكان المقترح هو جنوب غرب البلاد وهناك ايضا مشروع توشكي ولاشك ان هناك اماكن اخري مثل سيناء او جنوبالبحر الاحمر او المنطقة التي يزال منها حاليا الالغام وغيرها. ويجب ان نسرع الخطا بدراسته لاتخاذ قرار سياسي ملزم باقامة هذه العاصمة في المكان الانسب اذا فعلنا ذلك, وعلي افتراض ان عدد سكان مصر سيكون150 مليون نسمة, وان النسبة المستغلة من مساحة مصر زادت الي25% بدلا من ال6% الحالية فينخفض متوسط الكثافة السكانية من1500 نسمة/ كم2.(90 مليون نسمة علي60 الف كيلومتر) الي600 نسمة كم2. وفي هذا تخفيض من الاكتظاظ ليس في القاهرة فقط, ولكن مدن مصر الاخري مثل الاسكندرية وطنطا, والمنيا واسيوط وغيرها والمكسب الرئيسي الآخر هو زيادة الناتج, ومعدل نمو الدخل القومي, وزيادة الامن الغذائي والانتاج الصناعي والصادرات, وغيرها من المؤشرات الاقتصادية وكذلك انخفاض اسعار الاراضي وعدم المضاربة عليها لزيادة عرضها ومن ثم تحسين مناخ الاستثمار. ورب متسائل يقول: ما اثر ذلك علي القاهرة كعاصمة الآن؟ وهل سوف تتدهور وتقل اهميتها؟ علي العكس من ذلك فان الاقتراح الحالي يؤدي الي تحسين الاحوال المعيشية بها ويؤهلها للقيام بوظائفها الثقافية والحضارية والسياحية بفعالية اكبر ويمنع الهجرة من الريف اليها او علي الأقل يحد منهاكثيرا ويمكن من ازالة المناطق العشوائية بها الي غير ذلك من المكاسب, والتجارب الماضية تظهر ذلك فعند انتقال العاصمة من كراتشي الي روالبندي ثم اسلام اباد بالباكستان او من اسطنبول الي انقرة, او من ريدوجنيروي الي برازيليا في البرازيل, فظلت العواصم القديمة مدنا مزدهرة وزادت تطورا ونشاطا, وهذا مانتوقعه للقاهرة حال نقل العاصمة الي احد المواقع المقترحة. وتنفيذ الاقتراح الحالي يتطلب عدة امور منها: * إرادة سياسية لاتخاذ هذا القرار. *تركيز النسبة الكبري من استثمارات البنية الاساسية علي الموقع المختار مع تحديد الاستثمارات في القاهرة الكبري لاغراض الصيانة فقط وذلكم ن اجل دفع السكان الزائرين للخروج منها. *وضع حوافز جاذبة للاقامة في الموقع المختارتختلف عن المدن القديمة سواء من حيث الدخول او المدارس ام التموين ام الانتقال ام الظروف البيئية وغيرها.. *تغيير منهج ادارة الدولة من المركزية الي اللامركزية بما يكون له من مكاسب كثيرة. اننا نشتاق عند مشاهدة احد الافلام القديمة للقاهرة الجميلة الهادئة غير المكتظة بالسكان والعشوائيات والاقتراح الحالي قد يعيد الينا هذه الصورة الجميلة في طبعة حديثة افضل مما كانت عليه في الماضي.