بعد سنوات طويلة من التجاهل قررت امريكا أخيرا أن تنظر الي إفريقيا نظرة مختلفة والا تترك الساحة خالية تماما إلصينيين, فكانت القمة الأسبوع الماضي التي شارك فيها قادة وممثلو شركات من ربوع إفريقيا لإجراء مباحثات التنمية وإحلال الديمقراطية والعلاقات الاقتصادية بين القارة السمراء والقوة العظمي في العالم. فبالرغم من تأكيدات المسئولين بعدم ارتباط القمة بالتحركات الصينية في إفريقيا فإن الاهتمام المفاجئ أسبابه واضحة للجميع. بحسب وزارة التجارة الأمريكية يوجد في الولايات المتحدة حوالي250 ألف وظيفة تستفيد من الصادرات إلي إفريقيا. ولكن الولايات المتحدة ليست القوة الاقتصادية الوحيدة التي تسعي للاستفادة من الفرص الاستثمارية في إفريقيا حيث تنشط الصين والهند في هذه القارة أيضا. وقد أكدت واشنطن أن القمة الأمريكية الإفريقية ليست مرتبطة بالنشاط الصيني في القارة وأن التجارة للمنطقة يمكن أن تكون مفيدة للجميع. وقالت ليندا توماس جرينفيلد مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشئون الإفريقية' نحن لا نشعر بالخطر من وجود دول أخري في إفريقيا'. وأكد مسئولون أمريكيون أن امريكيا لا تهتم كثيرا باستغلال الموارد الطبيعية في إفريقيا ولكنها تهتم كثيرا بإقامة علاقة شراكة مع دول القارة. وقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك اوباما خلال القمة رصد أكثر من ثلاثين مليار دولار من الاستثمارات من اجل إفريقيا, من بين ذلك14 مليار دولار من شركات خاصة, داعيا قادة هذه القارة الي توفير بيئة سياسية واقتصادية ملائمة للأعمال. وقال اوباما ان' الولايات المتحدة ستستثمر في شكل كبير وعلي المدي البعيد في التقدم بإفريقيا'. فبينما نمت الأعمال التجارية الأمريكية إلي مستويات قياسية في الأعوام القليلة الماضية, ذكر أوباما أن التجارة الأمريكية في القارة بأكملها ما زالت تعادل حجم التجارة الأمريكية مع البرازيل وتمثل1% فقط من الصادرات الأمريكية إلي دول جنوب الصحراء. وقال أوباما:' علينا أن نفعل ما هو أفضل, أفضل كثيرا'. شركات أمريكية مثل ماريوت وكوكا كولا وجنرال إلكتريك التزمت القيام باستثمارات بقيمة14 مليار دولار في قطاعات الطاقة والمياه والفنادق والبناء والمصارف وتكنولوجيا الإعلام. كما أعلن اوباما ان بلاده رصدت, بالشراكة مع القطاع الخاص والبنك الدولي والحكومة السويدية,26 مليار دولار لمصلحة برنامج' باور افريكا' الهادف الي زيادة إنتاج الكهرباء في إفريقيا جنوب الصحراء. وتأمل الإدارة الأمريكية, التي ستحصل علي مبلغ إضافي بقيمة سبعة مليارات دولار لتعزيز الصادرات, وعمالقة الصناعة في إقامة علاقات اقتصادية متينة مع إحدي المناطق الواعدة التي تسجل اعلي نسبة نمو مقارنة مع بقية أنحاء العالم, اذ يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصاديات جنوب الصحراء الإفريقية بأكثر من5% خلال العامين الحالي والمقبل. اوباما تعهد بأن تكون الولايات المتحدة' شريكا في نجاح إفريقيا'.. وبتوفير سبعة ملايين دولار لتشجيع الصادرات الأمريكية في إفريقيا. وقد وقع أوباما علي أمر تنفيذي لتشكيل مجلس رئاسي استشاري حول القيام بأعمال مع إفريقيا. وكان رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما قد وجه انتقادا لأوباما في اليوم الاول للقمة بسبب عدم القيام بما كان يتوقعه الأفارقة منه بالنظر إلي تراثه الكيني. لكن زوما قال إنه يدرك أن أوباما اضطر' لان يخطو بحرص شديد' فيما يتعلق بأصوله الإفريقية. الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ينحدر من أب إفريقي, سعي من خلال هذه القمة غير المسبوقة للتأكيد علي جهوده من أجل القارة الإفريقية. من جانبهم حث الزعماء الأفارقة الولايات المتحدة علي تجديد البرنامج الذي يمنحهم مزايا تجارية من بينها إعفاء صادرات إفريقية من رسوم جمركية بمليارات الدولارات وتمديد العمل به لمدة15 عاما وقالوا إنه سيعزز العلاقات التجارية ويدعم التنمية في القارة. وقال زوما وهو واحد من نحو50 زعيما إفريقيا شاركوا في القمة التي استمرت ثلاثة أيام إن تجديد قانون النمو والفرص الإفريقي الذي ينتهي العمل به العام المقبل من الموضوعات الرئيسية في المحادثات. وقال زوما في لقاء نظمته غرفة التجارة الأمريكية' تحظي نحو95% من الصادرات الإفريقية بمعاملة تفضيلية بموجب قانون النمو والفرص' ليضم صوته لأصوات المطالبين بتمديد العمل بالقانون. وبحسب وزير تجارة جنوب إفريقيا روب ديفيز: الدول الإفريقية اقترحت توسيع نطاق المنتجات التي يغطيها البرنامج لتشمل المزيد من المنسوجات والمنتجات الزراعية. ومن بين زعماء العالم الذين شاركوا في القمة رئيس رواندا بول كاجامي ورئيس كينيا أوهورو كينياتا ورئيس نيجيريا جودلاك جوناثان ورئيس الكونغو جوزيف كابيلا ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما. وكان أيضا علي قائمة الضيوف الممثل روبرت دي نيرو والرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر وعمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرج. يذكر أنه لم تتم دعوة زيمبابوي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطي وإريتريا. كما لم تتم دعوة جمهورية الصحراء الغربية التي لا تعترف بها الولايات المتحدة. في كلمتها الافتتاحية في معهد السلام الدولي أكدت مستشارة الأمن القومي الامريكي علي عمق العلاقات بين أمريكا والقارة قائلة' إن أمريكا وإفريقيا شركاء في مستقبل واحد'. تاريخ الصين في إفريقيا تناوله مؤخرا, تقرير لمجلة بيزنس ويك الذي أشار الي أنه بعد انتهاء الحرب الباردة تحول الغرب عن القارة الإفريقية علي اعتبار أن كل مشاكلها إنسانية, التي كانت تحظي بأقل قدر من اهتمام السياسة الخارجية. أوروبا الغربية التي استعمرت إفريقيا لسنوات عديدة تحولت الي أوروبا الشرقية طمعا في ما رأته من عمالة متدربة رخيصة. أما الولايات المتحدة فقد سلكت طريقا' مختلفا' مدفوعة باعتبارات أمنية بالاتجاه إلي الشرق الأوسط الكبير واستثمار طاقاتها ومواردها في التدخل في شئون المنطقة ما أدي الي سلسلة من الحروب المكلفة وغير الحاسمة في العالم الاسلامي. في التسعينيات, كانت الإصلاحات الاقتصادية في الصين كانت قد بدأت تؤتي ثمارها وكان الحزب الحاكم قادرا علي استكشاف العالم بعد فترة طويلة من العزلة. وقد أدركت القيادة في ذلك الوقت أنها لن تحقق أكثر مما حققته من أداء اقتصادي جيد منذ فتح اقتصادها أمام الاستثمار الأجنبي في الثمانينيات, وأن استدامة النمو تستدعي أن تجد لها موطئ قدم في الاقتصاد العالمي عن طريق فتح أسواق جديدة لها. وفي عام1996 وضع الصينيون سياسة جديدة, عرفت باسم' الخروج', ووقع الاختيار علي إفريقيا ليكون لها الأولوية في خطة التوسع. واعتقد كثيرون خطأ أن إستراتيجية الصين في إفريقيا تتعلق بمجرد مواردها الطبيعية ولم يدركوا السبب الحقيقي في اهتمامها بها وفي أهميتها الآن للولايات المتحدة واقتصادات كبيرة أخري قد ترغب في الدخول في اللعبة الإفريقية. علي مدار السنوات العشر الماضية وطدت الشركات الصينية علاقاتها بإفريقيا حيث لم تتواجد الشركات الغربية المنافسة. ويري الصينيون أن الخبرات المكتسبة في إفريقيا سوف تعزز تنافسيتهم في الأسواق الدولية الأكبر, الأكثر ثراء' والأكثر صعوبة. وهناك بالفعل نماذج عديدة لهذه الإستراتيجية في مجال الاتصالات تحديدا'. فشركة' تينكو' للاتصالات وشركةZTE لأعمال البنية التحتية لشبكات المحمول, اعتمدت علي إفريقيا في التحول الي العالمية. والسبب الثاني المهم في التواجد في إفريقيا كان النمو السكاني حيث تراهن الصين علي الطبقة المتوسطة المتنامية في إفريقيا. فبالرغم من النظرة التقليدية الي إفريقيا علي انها فقيرة فإنها أصبحت مؤخرا من أسرع مناطق العالم نموا, وقد زادت حصتها من النمو الاجمالي العالمي الي4.1% مقارنة ب3.4% في مطلع الألفية. وإفريقيا لديها طبقة متوسطة أكبر من الهند. ومع استمرار النمو الاقتصادي سوف تستفيد من التكنولوجيات الجديدة التي ستساعدها في التغلب علي العقبات المتعلقة بتدني مستويات البنية التحتية والاتصالات فيها. ومع ذلك, طموحات الصين بخصوص إفريقيا لا تختلف كثيرا عن أحلام الغرب بشأنها في العصر السابق, الفارق بينهما أن الصين قادرة علي تحقيق أهدافها, ومن يسير في شوارع دول القارة يجد نفسه محاصرا بالسلع الصينية. بالنسبة لأمريكا, الاهتمام بإفريقيا الان لا يعني مجرد تعديل في الأولويات لتشملها وإنما إعادة التفكير في النظرة الي القارة. وعالم البيزنس يحتاج الي مزيد من التوعية بإفريقيا, والإدارة الأمريكية يجب أن تغير لهجتها, بحيث لا تكون قضايا الإرهاب والأمن هي محور العلاقات بين البلدين. -------------- -قالوا عن إفريقيا والشراكة معها: 'مفتاح العصر المقبل للنمو في إفريقيا ليس موجودا هنا في الولايات المتحدة بل في إفريقيا'. الرئيس الامريكي باراك أوباما 'من الواضح أن إفريقيا2014 ليست إفريقيا2000'. ممثل التجارة الخارجية في الولايات المتحدة مايكل فرومن 'فوجئت قليلا بكل هؤلاء الأفارقة الذين التقيتهم في الطائرة القادمين الي أمريكا ليقولوا لرجال أعمال محنكين هناك فرص جيدة في افريقيا'. رجل الأعمال السوداني الأصل مو ابراهيم الذي اصبح احد اثري الافارقة بفضل قطاع الاتصالات 'في كل انحاء افريقيا هناك رجال اعمال صينيون وبرازيليون. لم يذهب أحد منا الي البرازيل او آسيا او الصين ليطلب منها القدوم الي افريقيا للاستثمار, بادروا من تلقاء انفسهم, وأتوا واستثمروا' رجل أعمال من جنوب إفريقيا 'إفريقيا هي المنطقة الثانية في العالم من حيث حجم النمو الاقتصادي'. وزير الخزانة الأمريكي جيكوب لو. 'إن ستة من أسرع10 اقتصادات نموا في العالم موجودة في إفريقيا' وزارة التجارة الأمريكية 'إن الديمقراطية والمجتمع المدني القوي وحقوق الإنسان الواسعة ليست قيما أمريكية بل قيم كونية.' وزير الخارجية الامريكي جون كيري ----- ( بدأ العمل بقانون النمو والفرص الإفريقي في عام2000 وجري تجديده بالفعل قبل الموعد الأصلي لانتهاء العمل به في عام2008 ليستمر سريانه حاليا حتي30 سبتمبر2015. وتستفيد نحو40 دولة إفريقية من البرنامج. وبلغت قيمة الصادرات المتجهة من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلي الولايات المتحدة- وعلي رأسها النفط- بموجب قانون النمو والفرص وامتيازات تجارية أخري26.8 مليار دولار في عام2013.)