التحدي والاستجابةChallengeandResponse من أهم النظريات المعاصرة في فلسفة التاريخ. فالفيلسوف البريطاني الشهير أرنولد توينبيArnoldToynbee(1889-1975) يفسر حركة التاريخ وقيام الحضارات وانهيارها بأنها تجري علي إيقاع التحدي والاستجابة. فالتاريخ البشري ما هو إلا سلسلة من التحديات والاستجابات. فالتحدي( سواء كان ناتجا عن ظروف طبيعية أو بيئية أو ضغوط بشرية) يستثير الطاقة الكامنة, وهنا قد تكون الاستجابة إيجابية أو سلبية. وكما ربط توينبي بين الاستجابات المبدعة والمبتكرة ونشأة الحضارات وازدهارها فقد ربط أيضا انهيار الحضارات بفقدان المجتمع طاقة ومقومات الإبداع وعجزه عن الخلق والابتكار, فتتآكل الحضارة من الداخل وتتداعي لتلفظ أنفاسها الأخيرة. والاستجابة الناجحة تلد واقعا جديدا, ينشئ تحديا جديدا, ويتطلب استجابة ناجحة جديدة تتناسب مع طبيعة هذا التحدي الجديد, وهكذا دواليك. يصبح الفعل ورد الفعل, أو عملية التحدي والاستجابة آلية عمل لحركة التاريخ صعودا وازدهارا أو هبوطا وانهيارا. وأمامنا في مصر تحديات جمة تحيط بنا من كل اتجاه, ولم يعد ثمة بديل عن اقتحام المناطق الشائكة في السياسة والاقتصاد والاجتماع.. وهو أمر يستلزم المبادرة باستجابات غير تقليدية تتناسب مع طبيعة وقوة هذه التحديات, وأن يتألق الخيال بأفكار ورؤي غير مألوفة, تستشرف المستقبل, وتصور احتمالاته, وتضع سيناريوهات المواجهة من خلال دراسات علمية دقيقة, وبرامج زمنية واضحة. علي المستوي الاقتصادي, يمكننا القول بأن أغلب المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد القومي, والتي تكبل حركته ما هي إلا انعكاس لسياسة الحكومة التي اتسمت بالبطء الشديد في مواجهة الواقع الاقتصادي ومتغيراته. وأزعم أن من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري, في المرحلة الراهنة, هو تحقيق معدلات نمو عالية ومستدامة, وزيادة القدرة الانتاجية وتطويرها, وخلق المزيد من فرص العمل المنتجة. وتتأتي الاستجابة الناجحة لهذه التحديات من خلال تصميم مجموعة متسقة من السياسات الجريئة الطويلة والمتوسطة والقصيرة الأجل تعبر عن رؤية شاملة تحكمها, ومعالم تميزها, وآليات وإجراءات تنظم تطبيقها. - سياسات واجراءات لتحفيز النمو واستقطاب الاستثمارات سواء علي المستوي القطاعي أو الجغرافي, ووفقا للتخصص الإنتاجي بهدف اجتذاب الشركات العالمية المتخصصة في الأنشطة المرتفعة التقنية وتلك الموجهة للتصدير, مع الاسترشاد بالتجارب الدولية في هذا المجال. - سياسات التسويق والترويج في إطار التوجه التصديري, بخلق آليات جديدة, وتبني استراتيجيات قوية تقرب الي كونها هجومية, مثل التوسع الجغرافي والتغلغل السوقي, وفتح اسواق جديدة, وقيادة السوق, وتحقيق تميز تنافسي بابتكار خدمات جديدة ومنتجات جديدة او التميز في طريقة التشغيل وجودة الخدمة او الارتباط العميق بشرائح معينة من العملاء بزيادة القيمة المضافة من منظور العميل, وبحيث يصبح توسيع الحصة في السوق من خلال خلق مزايا تنافسية هو التوجه الاستراتيجي الاساسي, ومحور الفكر والممارسة. - التحول من إدارة التنمية مركزيا إلي نظام للإدارة المحلية يطلق طاقات الاستثمار في جميع المحافظات, ويخلق التنافس فيما بينها, ورسم خرائط جديدة للاستثمار والتنمية تحفز التخصص الانتاجي وتوطن الانشطة الانتاجية والخدمية في كل محافظة وفق مواردها البشرية والمادية وذلك في اطار الخريطة التنموية الشاملة لمصر. - الارتقاء بمنظومة الجودة من خلال تطوير المواصفات القياسية المصرية, بما يتطابق مع مثيلاتها العالمية, وكذلك تطوير المعامل وجهات منح شهادات الجودة, ورفع المكون التكنولوجي في الصناعة المصرية. - سياسات تفعيل دور المناطق والتجمعات الصناعية, وتخصيص مساحات للصناعات الصغيرة والمتوسطة كصناعات مكملة ومغذية للمشروعات الكبيرة, وتطبيق مفهوم العناقيد الصناعيةIndustrialClusters باعتباره مفهوما ديناميكيا يتضمن سلسلة من العلاقات والتأثيرات التي تؤدي الي زيادة التنوع التكنولوجي. - الاهتمام بالتعليم وتعظيم دور البحوث والتطوير وتوفير الآليات اللازمة لتحقيق الربط بين مراكز البحث العلمي والجامعات من ناحية, وبين المشروعات الصناعية من ناحية أخري, فهذا هو السبيل لتحقيق التميز والتفوق والإبداع, والعبور نحو العصرنة والحداثة.