دائما ماتثير قضية المساعدات الخارجية الي الدول الفقيرة جدلا واسع النطاق حول مدي جداواها في مكافحة الفقر وبالرغم من جهود منظمات ووكالات التنمية لمساعدة الدول النامية في محارية الفساد إلا ان تقرير صحيفة الجارديان عن إهدار اموال المساعدات البريطانية لافريقيا قد اعاد الي اذاكرة عدم قيام المجتمع الدولي بالكثير من اجل الوصول المنح الي مستحقيها في بادرة تبشر بالخير, اطلقت وزارة الزراعة المصرية, قبل ايام قليلة, مشروعا لزراعة اسطح مبني الوزارة بالدقي وذلك في اطار خطة يمكن تنفيذها بالمباني التابعة والمؤسسات الحكومية المختلفة, وبهذه المناسبة يكون من المناسب, عرض تجربة المكسيك, احد اكثر دول العالم تلوثا, مع استغلال اسطح المباني الحكومية وغيرها لتحقيق مكاسب بيئية, اقتصادية, اجتماعية. أبرز ما يلاحظه المسافر الي العاصمة المكسيكية رائحة الياسمين العربي التي تفوح من اسطح البنايات المزروعة في شكل لوحات فنية قد يتواجد مثلها في عواصم ومدن أخري مثل لندن او نيويورك, لكن المثير في المكسيك, انها تخدم ناسا عاديين, فمقابل اقل من مائة دولار يمكن تحويل متر مربع الي حديقة نباتات وزهور لا تحتاج الي مياه وفيرة او رعاية يومية, لتكون ما يسمي ب حديقة بدون مجهود فوق سطح المبني. في عام2010 اطلقت المكسيك مشروعا قوميا لزراعة أسطح المباني الحكومية في انحاء العاصمة وهو المشروع الاكثر طموحا لتحويل المكسيك, أحد اكبر العواصم وأكثر تلوثا في العالم, الي مكان اخضر المشروع استهدف زراعة6000 هكتار( الهكتار عشرة آلاف متر مربع) من اسطح المباني بحلول عام2030 لتخفيض درجة حرارة الجو, خفض نسبة التلوث وتوفير الطاقة اللازمة لتلطيف الحرارة داخل المباني بالاضافة الي فرص العمل التي يوفرها المشروع. المدارس والمستشفيات, بل حتي محطات المترو العديد منها مفتوح للجمهور حاليا للاستفادة من الحدائق التي تمت زراعتها فوق الاسطح, ومن اجل تشجيع الشركات والافراد علي الاشتراك في هذا المشروع الطموح, قررت الحكومة منح خصم يصل الي25% علي الضريبة العقارية اذا كان30% علي الاقل, من سطح المبني أخضر. وفقا لتقرير صحيفة الجارديان عن مشروع زراعة اسطح المباني في المكسيك, فإن وزارة البيئة المكسيكية قد انفقت ما يقرب من مليون دولار العام الماضي علي هذا المشروع ليصل اجمالي المساحة المزروعة علي اسطح البنايات الحكومية22 الف متر مربع تقريبا ومن المقرر زيادة تلك الاستثمارات بواقع الثلث هذا العام. في مدينة المكسيك التي يسكنها21 مليون نسمة مكافحة التلوث تتطلب اكثر من مجرد زراعة اسطح المباني, فبالرغم من استخدام80% من السكان للمواصلات العامة, فإن السيارات الخاصة تملأ الشوارع ولذلك تعتمد وزارة البيئة علي شاشات عملاقة تحتوي علي خرائط الكترونية تبين درجات الحرارة ومستويات الأوزون واذا ارتفعت مستويات التلوث عن الحد المسموح به وظلت كذلك لمدة48 ساعة يتم ترشيد استخدام السيارات بعدم السماح لجميع السيارات بالسير في الشوارع في ذلك اليوم, حيث يتم تحديد ألوان وارقام السيارات المسموح لها بالسير وفق جدول. الحكومة تشجع ايضا علي استخدام الدراجات وتوعية الناس بتحمل المسئولية وترشيد استخدام السيارات, ويأتي مشروع زراعة اسطح المباني الحكومية في اطار مبادرات أخري عديدة لتحسين جودة الهواء بدأتها المكسيك منذ عشرين عاما, وكان من بينها نقل المصافي خارج المدينة واستخدام اتوبيسات نقل نظيفة غير ملوثة للبيئة وبالفعل انخفضت مستويات الاوزون بين عامي1990 و2012. اقتصاديا, الأسطح الخضراء ليست مكلفة ولها فوائد عديدة, حيث تعمل علي تنظيم حرارة المباني, فتقوم بتدفئتها خلال شهور الشتاء وتبريدها خلال فترة الصيف, كما انها تساهم في تقليل مياه الامطار المتسربة من الأسطح, التي تمثل مشكلة كبيرة في بعض الدول. وحسب دراسات عديدة تعمل الأسطح الخضراء علي التقليل من تأثير ظاهرة الجزيرة الحرارية الخضرية عن طريق التظليل الذي تقوم به النباتات لأسطح البنايات, وعملية تبخر الموجود في البيئة المزروع بها النباتات الي الهواء الخارجي تؤدي الي تلطيف الجو المحيط بالنباتات المزروع سطحها, الاسطح الخضراء عن طريق امتصاصها للمواد الكيمائية الضارة في الجو تعمل علي تقليل التلوث, كما انها تعمل ايضا علي تقليل الضوضاء وكعازل حراري بحجبها اشعة الشمس عن اسطح البنايات, حتي انها في الولايات المتحدة تساهم في خفض استهلاك الطاقة في البنايات المزروعة بنسبة40%. الأسطح الخضراء توفر ايضا منظرا جماليا, وعلي سبيل المثال, مركز باركليز في بروكلين كان لديه مشكلة مع شكاوي من الضوضاء منذ افتتاحه في عام2012 ولكن منذ شهور قليلة بدأ في تحويل اسطح بمساحة130 الف متر مربع من النباتات الصغيرة وذلك حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال, وذلك بهدف إضفاء لمسة جمالية للنباتات السكنية المطلة عليه حتي ان الشركة المسئولة عن بيع الشقق في هذا المركز تعتمد علي منظر النباتات المزمع زراعتها في عملية التسويق, هذا بالاضافة الي أن تلك الحدائق ستساعد في تقليل حجم الضوضاء الذي يسببه المركز. الأسطح الخضراء في منطقة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا: تعتبر الاسطح الخضراء صاعدة في المنطقة, ووفقا لتقرير حالة الطاقة المتجددة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لعام2013, فإن اجمالي احتياجات المنطقة من الطاقة قدرت بحوالي800 مليون طن من النفط, بزيادة تصل نسبتها الي15% علي مستوي الطلب علي الطاقة في عام2007 وترجع زيادة استهلاك الطاقة في المنطقة, بشكل رئيسي الي زيادة السكان, وما يترتب عليها من زيادة الطلب علي الوقود السائل والكهرباء لأغراض التبريد والتدفئة. وقد اشار التقرير الي انه, حيث ان احتياجات التدفئة والتبريد تعد سببا رئيسيا في زيادة الطلب علي مصادر الطاقة, فهناك فرص هائلة للاستثمار في الأسطح الخضراء كوسيلة لخفض استهلاك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وفقا لتقديرات الامم المتحدة, يعيش170 مليون شخص من300 مليون هم سكان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا, في مناطق حضرية, ومن المتوقع ان يصل مجموع تعداد المنطقة الي430 مليون نسمة بحلول عام2020, سيكون280 مليونا منهم في مناطق حضرية, وقال التقرير انه من اجل مكافحة ظاهرة الجزيرة الحرارية في المنطقة, يمكن اللجوء الي تشجير وزراعة اسطح النباتات. من ناحية أخري أكدت دراسة ألمانية ان زراعة الأسطح تؤدي الي إطالة عمر الأسطح التقليدية بما لا يقل عن عشرين عاما ويمكن الاستفادة منها ايضا في تقليل حجم النفايات عن طريق تدويرها واستغلالها في زراعة الأسطح. دراسات عديدة في أوروبا مؤخرا اشارت الي فائدة الأسطح الخضراء في الحفاظ علي انواع معينة من الطيور وعلي سبيل المثال, اشارت احصائيات عن انواع نادرة من العصافير المهددة بالانقراض بأن الأسطح الخضراء في بازل في سويسرا كان لها فائدة كبيرة في الحفاظ عليها. أما بالنسبة لمدن مثل دبي, جدة, القاهرة, بيروت, طهران, فإن الأسطح الخضراء قد تعمل كمحمية طبيعية لبعض انواع الطيور النادرة ايضا. أكدت دراسات في انحاء الدول المتقدمة عن وجود علاقة مباشرة بين الاتصال اليومي بالبيعة ورفاهية الانسان وان حجم المساحات الخضراء في حياة الانسان له تأثير كبير علي مستويات الصحة والتوتر. في حين ان الاسطح الخضراء موجودة منذ قرون في الدول الغربية الا انها تكنولوجيا حديثة العهد في شمال افريقيا, في اوروبا, هناك صناعة قوية تحقق ارباحا للمستثمرين في منتجات الاسطح الخضراء وخدماتها, لكن هذا كان بفضل الدعم الحكومي المالي والقانوني لها في دول مثل المانيا, فرنسا, النمسا, وسويسرا, والآن اصبحت الأسطح الخضراء عنصرا مهما للاستدامة في تلك الدول. حتي الآن لاتزال مشروعات زراعة اسطح النباتات نادرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا, لكن مع ذلك هناك سوق واعدة وفرصة جيدة لبيزنس مكاسبه البيئية, الاقتصادية, والاجتماعية كبيرة, كل ما يتطلبه الامر, دعما حكوميا ونشر الوعي بأنه يمكن استغلال اسطح النباتات في غير المناسبات الاجتماعية والغسيل وان زراعتها لا تقلل التلوث, الضوضاء, واستهلاك الطاقة فحسب, لكنها تؤدي ايضا الي النوم الهادئ ليلا.