لا يمكن استمرار الدعم المالي العربي لمصر علي هذا النحو وعلي مصر ان تهرب وبأقصي سرعة من قفص المساعدات الخارجية الذي وجدت نفسها تدور فيه علي مدار السنوات الثلاث الماضية. هذه هي خلاصة رؤي عدد من خبراء الاقتصاد الذين يرون أن هناك فرصة حقيقية لذلك. في هذا الصدد يؤكد السفير د. جمال بيومي مساعد وزير الخارجية السابق والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب أنه لا يتعين استمرار الاقتصاد المصري عالة علي الدعم الخارجي, أيا كان مصدر هذا الدعم ويعتبر أن الحل يتمثل في انجاز العديد من الخطوات المهمة التي لا تحتمل التأجيل.. يقول إن في مقدمة هذه الخطوات أن ينهض المصريون كل في موقعه الي العمل والانتاج باعتباره السبيل والخلاص لانهاء نظرية اعتدناها طوال سنوات بل عقود وهي الاعتماد علي المساعدات والدعم الخارجي. ويشير السفير جمال بيومي الي أنه يتعين أن يقترن بهذا الأمر تأجيل المطالب الفئوية برغم وجاهتها ومشروعيتها, وأن يصبر الناس علي النظام المقبل وأن يلتفوا حوله, باعتبار أنه ليس هناك المزيد من الوقت والجهد ولا لدينا ترف العبث في جدل لا يفيد.. ويري أيضا أنه يتعين العمل علي استعادة الاستثمارات العربية ليس عبر سن حزمة قوانين جديدة بدعوي تهيئة المناخ لها, وانما من خلال بث الثقة لدي المستثمرين في جدية الدولة المصرية عبر تذليل وتسوية المشكلات التي تواجه البعض سواء من داخل مصر أو من المستثمرين العرب من الدول الشقيقة الذين يخشون المجيء الي مصر ليجدوا أنفسهم علي قوائم ترقب الوصول. ويشدد السفير جمال بيومي علي أن وجود توجه سياسي وارادة حاسمة لهذه المسألة أمر هام, وفي هذا الصدد يعبر عن عدم رضائه تجاه تصريحات صدرت عن كبار مسئولين تعكس التمسك بالقطاع العام برغم ما يتسبب فيه من خسائر واستنزاف, ودلل علي ذلك بشركات تصرف أرباحا من لحم الدولة برغم الخسائر التي منيت بها.. ويبدي ثقته في عودة النشاط والحياة الي قطاع السياحة وأنه سيكون قادرا علي تدبير احتياجات مصر من العملات الصعبة التي تغطي الانفاق علي الوقود, ويدعو الي ضرورة حل مشكلات المستثمرين سواء المصريون أو العرب, ويؤكد أن الاستثمار في مصر ليس مرتبطا بمناخ أمني قدر ما هو بمناخ سياسي, وضرورة توافر الارادة التي توفر الثقة لهؤلاء المستثمرين للعودة والعمل في مصر, خاصة مع قرب انتهاء الانتخابات ووجود مناخ جديد.. وقال إن مشكلتنا في الاختيار السياسي, ويري أن العالم العربي لا يمكنه أن يستمر في دفع أموال يدرك أنها تسقط في بالوعة اسمها القطاع العام وموازنة الدولة أو دفع رواتب لموظفين.. ولأن هذا الدعم لا يمكن أن يستمر الي نهاية العمر. ويؤكد أن أمامنا مهمتين تتمثلان في ضرورة تأمين العقود التي يتم توقيعها بين الحكومة والمتعاقدين بحسن نية, وحسم الموقف من شكل النظام الذي سوف تستمر عليه مصر هل هي مع تنمية ودعم القطاع الخاص, أم ستظل تختلق له المشاكل وتظهره علي أنه الذي ينهب ويسرق ويبدد أموال الدولة, ومن ملاحقته بالقضايا مما أدي الي تطفيش عشرات المستثمرين العرب, وخشية عودتهم للعمل مرة أخري. ويعتقد في ضرورة اثبات الدولة أنها منفتحة وجادة أمام الداخل والخارج ليس بالشعارات وانما بتغيير نظرتها, ويقول إنه لم يعد هناك مجال لتكرار الأخطاء التي وقعت من قبل وأفضت الي تطفيش المستثمرين بسبب ملاحقتهم قضائيا. غير أن دبلوماسيا مسئولا آثر عدم نشر اسمه يؤكد أن حزمة الدعم العربي التي قدمت الي مصر بعد ثورة30 يونيو مستمرة وحتي بعد انتخاب الرئيس الجديد, ويرفض الخوض في تفاصيل هذا الموضوع, باعتبار أنه ليس من المصلحة الخوض في هذا الموضوع في الوقت الراهن. ويذهب الي حد التأكيد بأن حزمة الدعم العربي لن تتوقف بحلول شهر أغسطس أو سبتمبر حتي لو كان هذا الأمر قد تم الاعلان عنه من قبل عبر وسائل الاعلام, ويشير في هذا الصدد الي أن هناك من القضايا التي يتعين أن تحظي بالأولوية في تحركاتنا وتناولنا الاعلامي خلال الفترة المقبلة, وقال إن علي رأسها قضية ترشيد استهلاك الطاقة ووضع حد لهذا الاسراف بها بالنظر الي خطورتها وتفاقم الأمر الذي سيواجه مصر خلال فصل الصيف. ويشير الي وجود مشاورات واتصالات جرت وتجري لمتابعة موضوع الدعم العربي لتوفير الوقود, ويؤكد أنه لا يوجد ما يبرر اثارة الهلع والخوف عند الناس من انفلات أسعار الوقود بدعوي وقف الدعم العربي لها. اما الدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد الأسبق فيؤكد أن هناك اخبارا غير مؤكدة أن يستمر الدعم المادي والنفطي لمدة خمس سنوات مقبلة, لكن ليس هذا معناه ان نعتمد عليه في حل مشكلاتنا الاقتصادية وما يتبعها من مشكلات أخري. وأكد أنه يجب الاعتماد علي أنفسنا وأن نستغل طاقتنا الانتاجية بشكل كبير جدا واستغلال طاقتنا البشرية في مزيد من العمل والانتاج. إلا انه اكد أن الدعم الخليجي لمصر لمصلحة الأمة العربية كلها فالحفاظ علي استقرار مصر سياسيا واقتصاديا معناه الحفاظ علي استقرار الأمة العربية, فمصر ساندت كل البلدان العربية في أوقات مختلفة. وقال يجب استغلال الموارد المتاحة لمصر وادارتها بشكل جيد, ولن نتقدم إلا من خلال أبنائنا. وقال ان المعونة هي عنصر مساعد ولكن لا تحل محل الامكانات المحلية, صحيح عندنا نقص في الطاقة لكن عندما نزيد من الانتاج ونصدر الفائض سيكون لدينا فائض مادي يمكننا من شراء احتياجاتنا من الطاقة في أي وقت ومن أي مكان, وكذلك شراء ما نحتاجه من سلع لمستلزمات الانتاج أو غيرها. وقالت د. هالة السعيد المدير التنفيذي للمعهد المصرفي يجب أن نعد ونجهز لطرح مشروعات استثمارية مشتركة مع الدول العربية الصديقة, فلدينا مساحات كبيرة من الأراضي التي تصلح لعمل مشروعات في قطاعات مختلفة مثل محور قناة السويس الذي سيستوعب الكثير. وقالت انه يجب علي المسئولين عند طرح المشروعات الاستثمارية ان تكون بمواصفات ومعايير مصرية, علي ان تطرح لتشغيل وخلق فرص عمل للشباب. ولفتت الي انه يوجد صناديق تنمية عربية تم انشاؤها من فائض الثروات البترولية لاستخدامها في دعم الدول العربية غير البترولية ليس للمنح ولكن لاستثمار أموالها في مشروعات تدر دخلا علي أصحاب هذه الصناديق. وأكدت أهمية النظر الي المصانع المتعثرة بالمدن الجديدة والعمل علي تشغيلها بجميع الطرق, حيث إن تشغيل المصانع المتوقفة سيعيد العمال الي أعمالهم ويخلق فرص عمل جديدة لتخفيف حدة البطالة. أما د. عالية المهدي عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فقالت: لا بد أن يكون لدينا خطة واضحة ومدروسة, ويكون عليها توافق مجتمعي, ويكون هناك شجاعة في اتخاذ القرار وبلا تردد. وقالت: لا بد ان يوجد اعداد لتعويض الدعم الذي يمكن الغاؤه يسبقه اعداد وتجهيز للتنفيذ, وأن يكون هناك بدائل للترشيد تكون مناسبة ولا تضر محدودي الدخل. ويجب ان نقلل من سوء استخدام الدعم في رغيف العيش والبطاقة التموينية, وخطة جاهزة لمحدودي الدخل. وتساءلت.. هل كنا نعتمد علي المعونة العربية أو غيرها قبل ثورة25 يناير حتي نستمر في تلقي الدعم العربي أو غيره ؟ وقالت اذا لم تكن القيادات المقبلة لديها برنامج يضع مصر علي نفس المستوي قبل25 يناير من معدل التنمية ثم نستعيد قوتنا هذا غير مقبول. وأكدت أن مصر لم تكن تعتمد علي الدعم من قبل باستثناء المعونة الهزيلة من أمريكا, ومن هنا لابد من الاعتماد علي النفس والموارد الذاتية لأن مصر بها امكانات تعيش بها أحسن مما كنا عليه قل ثورة25 يناير. ولا بد ان تكون معدلات التنمية5% أو6% أو7%, ولا بد من العمل علي جذب الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي من خلال استباب الأمن والحزم وإعمال القانون وهو ما يدفع المستثمر المصري والعربي والأجنبي لضخ استثمارت متنوعة وسريعة. أما د. عبدالمطلب عبدالمجيد استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية وعميد المعهد العالي للتسويق والتجارة ونظم المعلومات فيتوقع أن نعمل للاتجاه الأكثر جدوي بعد الانتخابات الرئاسية, وسيكون علي أساس احلال الدعم العربي الي استثمارات عربية مقبلة. ويعتقد عبدالمطلب أن التعجيل بعمل تعاقدات مع الدول العربية هو تمهيد لاستثمارات عربية قادمة بعد حل المشاكل الخاصة بالمستثمرين الخليجيين بمصر. وتوقع تدفق استثمارات عربية كبيرة من السعودية والامارات والكويت معتبرا ان هذه هي الصورة القادمة لمصر قريبا وهي الأفضل لنا ولهم بأن نستقبل المزيد من الاستثمارات ونفتح فرص للاستثمار العربي لتكون لها الولوية عن الاستثمارات الأجنبية. وقال عبدالمطلب مفروض علينا أن نوفر مناخا جاذبا للاستثمار من خلال استقرار الوضع الأمني والسياسي لاستقبال الاستثمارات وليس المعونات, فلدينا اقتصاد يتيح فرص استثمار ونمو بشكل كبير جدا, ولابد من ترسيخ ذلك, والعمل علي احداث تعبئة استثمار محلية بالاضافة الي الاستثمار العربي قبل الأجنبي وبالتالي سيدفع بعجلة النشاط الاقتصادي للأمام. أما عن تدفق المشتقات البترولية لمصر خلال الشهور الماضية فكان لعدم وجود فائض مالي يتح للحكومة شراء مشتقات بترولية لتكفي لتلبية تشغيل محطات الكهرباء وتموين السيارات, وكان كله بسبب انهيار السياحة والعائد منها وتوقف العديد من المصانع وتسريح بعض العمال وتوقف الاستثمارات, وقد أصبنا بعدم قدرتنا علي دفع فاتورة المشتقات البترولية بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني. وأوضح ان الدعم العربي فيه شيء من المرونة لتحريك عجلة الاستقرار الاقتصادي خلال الشهور الماضية وبعدها لابد من الاعتماد علي انفسنا في العمل والانتاج, ولا بد أن نكيف انفسنا علي الاعتماد علي الاستثمار وليس المعوانات. وقال لابد من احلال الاستثمار العربي محل المعونات العربية فهم متعاونون معنا بما فيه الكفاية, فهم يعلنون أن قوة مصر من قوة العرب وتعافي الاقتصاد المصري في مصلحة المنطقة العربية. وقال ان الاقتصاد المصري يحمل قدرات هائلة من النمو ويجب أن نعمل علي ذلك بأسرع وقت ممكن وسننتقل الي الأفضل مما كنا عليه بدليل ان مصر سيكون لها قيادة وهذا أحد التحديات الأساسية في تحسين الأداء الاقتصادي. وأكد أن كل القطاعات وهياكلها لم تتأثر ولم يحدث انهيار لها وان كانت تعاني من بعض المشكلات, والمطلوب فقط ان نحسن من أداء كل القطاعات في شكل منظومة سليمة وصحيحة اعتمادا علي ان هذه القطاعات لم تنهر بل واجهتها بعض الصعوبات فقط والأمور بعدها ستتجه الي الأحسن.