* الإمارات تهدد بإلغاء صفقة أقمار صناعية بقيمة926 مليون دولار مع فرنسا بسبب احتوائها علي مكونات أمريكية الصنع ------------------- اعتادت شركات التكنولوجيا الامريكية الاعتماد علي الاسواق الواعدة في آسيا وأوروبا من اجل بسط نفوذها العالمي وتعني شركتي سيسكو وسيستمز السيطرة علي جميع القطاعات بفضل التدفقات النقدية التي تحققها بالتوسع في تلك الاسواق, لكن الأمر لن يكون كذلك في المستقبل, وآمالها بالهيمنة العالمية قد تصطدم بواقع أليم تنخفض فيه المبيعات وتلغي صفقات, بل مقاطعة للتكنولوجيا الامريكية وذلك بعدما ساءت سمعة الصناعة علي اثر فضيحة تجسس الولاياتالمتحدة علي العالم, لتدفع شركات التكنولوجيا بذلك فاتورة سياسة اوباما. وقد أثرت تسريبات وكالة الأمن القومي بخصوص نشاطها المتعلق بتوسيع نطاق برنامج المراقبة الحكومي علي المواطنين داخل الولاياتالمتحدة وخارجها- بالتعاون أحيانا مع شركات التكنولوجيا- علي بيزنس شركات التكنولوجيا الامريكية العملاقة الذي قد يكفلها مليارات الدولارات. فمنذ ان تم الكشف عن برنامج وكالة الامن القومي للمراقبة العام الماضي, سجلت شركات سيسكو, اي بي ام, مايكروسوفت واتش بي انخفاضا في مبيعاتها في الخارج, لاسيما الصين وتتوقع مؤسسة فورستر للابحاث ان تصل خسائر شركات تكنولوجيا الانترنت الي180 مليار دولار وهو ما يقدر بربع عائداتها بحلول عام2016. القضية أخذت طابعا سياسيا الشهر الماضي بعد العاصفة الدبلوماسية التي اثارها الكشف عن مراقبة الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل من قبل الاستخبارات الامريكية, وعزم ميركل التعاون مع فرنسا من اجل انشاء شبكة اتصالات أوروبية تتجنب مرور وسائل البريد الالكتروني او أي بيانات للمواطنين الأوروبيين عبر الولاياتالمتحدة لتكون بذلك بديلا عن البنية التحتية للانترنت التي تهيمن عليها حاليا الشركات الامريكية. هذا الامر سياسا أثار قلق مسئولين استخباراتيين أمريكيين بشأن تهديد قدرة البلاد علي فتح ابواب خلفية للدخول علي نظم الحاسبات الآلية في الخارج بما يعني لها نزع تسلح الولاياتالمتحدة في وقت تشتعل فيه الحرب الالكترونية. ولكن علي صعيد البيزنس أبدت شركات التكنولوجيا قلقها, بل استياءها تجاه تجاهل الرئيس الامريكي باراك اوباما لمطالبها بوضع قيود للمراقبة الحكومية إنقاذا لسمعتها. ووفقا لتقرير الصحيفةUSAToday لا تجد كثير من شركات التكنولوجيا خيارا آخر سوي العمل علي تقنيات مضادة للمراقبة في ضوء تهديدات عملائها, من الصين إلي المانيا, بمقاطعة المنتجات التكنولوجية الامريكية وبالفعل تعمل شركة جوجل علي سبيل المثال علي تقنية بديلة عن تقنية ملفات كوكيز المستخدمة حاليا لتتبع المستخدمين. عبر أجهزتها وانظمة تشغيلها وخدماتها علي الانترنت. وتجد شركات التكنولوجيا الامريكية صعوبة بالغة هذه الايام في طمأنة عملائها في الخارج بأنهم في مأمن من تجسس الولاياتالمتحدة عليهم. وقد هددت دولة الامارات العربية المتحدة بالغاء صفقة شراء قمرين صناعيين للاستخبارات بقيمة926 مليون دولار مع فرنسا بعد ان تبين ان هذه الاقمار تحتوي علي مكونات امريكية الصنع, خوفا ان تكون هذه الاجزاء مصممة لاعتراض البيانات المرسلة الي محطة ارضية بما يهدد الامن المعلوماتي للإمارات. ووفقا لدراسة كندية, تعتزم25% من الشركات البريطانية والكندية الاستغناء عن خدمات الحوسبة السحابية الامريكية, التي تشمل تخزين البيانات علي سحابة الكترونية, كما تراجعت ثقة الألمان في شركات التكنولوجيا الألمانية. وكشفت دراسة لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز أن22% من الشركات الألمانية تشعر بالقلق ازاء مخاطر استخدام خدمات الحوسبة السحابية الامريكية, و54% يرون ان استخدامها فيه مخاطرة كبيرة. وتشير تقارير عديدة الي زيادة الوعي بأهمية اختيار قنوات آمنة لنقل البيانات والمعلومات لاسيما الحساس منها بعدما كشفت صحيفة واشنطن بوست في شهر اكتوبر الماضي عن اختراق وكالة الامن القومي لخطوط اتصالات تستخدمها شركتا جوجل وياهو لنقل كميات ضخمة من البريد الالكتروني وغيره من معلومات المستخدمين بين مراكز بيانات في الخارج وكذلك قيام الوكالة بجمع ما يقارب200 رسالة نصية قصيرة من شبكات الهواتف المحمولة حول العالم لتكوين قاعدة بيانات ضخمة يمكن ان تحوي معلومات شخصية بما في ذلك تفاصيل تتعلق ببطاقات الائتمان. وقد نقلت مجلة تايم عن جون شامبرز, الرئيس التنفيذي لشركة سيسكو سيستمز تأكيده للشكوك التي أثارتها فضيحة التجسس الامريكي بتأثر البيزنس الامريكي, وقال شامبرز إن بعض العملاء باتوا يعيدون النظر في شراء التكنولوجيا الامريكية, لذلك انخفضت مبيعاتها18% في الربع الأخير العام الماضي في مؤشر واضح علي تداعيات الفضيحة المذكورة. ووفقا لوول ستريت جورنال, قد تفرض الهند قريبا حظرا علي خدمات البريد الالكتروني من قبل جوجل وياهو, أما البرازيل فتدرس قضية انتهاك الشركات الامريكية لقوانينها المتعلقة بحماية الخصوصية. ويري مراقبون ان انخفاض مبيعات شركات التكنولوجيا الامريكية في الصين, مثلما حدث لشركة أي بي ام من انخفاض22% في الربع الثالث العام ما هو إلا فصل جديد من الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوالصين وان فضيحة التجسس الامريكية كانت بمثابة فرصة للصين لخفض انفاقها علي التكنولوجيا الامريكية والضغط علي المسئولين الامريكيين ردا علي اتهامهم لشركة هواوي الصينية بأن أجهزتها تحتوي علي تكنولوجيا للتجسس, ومن ثم كان وصف تشاينا ديلي للشركات الامريكية, ومن بينها سيسكو سيستمز, بأنها تمثل تهديدا خطيرا للأمن. والتهديد الذي تمثله شركات التكنولوجيا الامريكية لا يقتصر, بالنسبة للبعض علي صعيد أمن المعلومات فحسب فهناك من يراها كالوحش الذي يفترس كل ما هو أمامه, فهذه الشركات تنقض علي كل ما يأتي في طريقها ابتداء من مجال الاعلام وحتي الفضاء. يتبين من التحركات الأخيرة لشركات التكنولوجيا العملاقة انها قضت علي روح المنافسة وعززت قدرتها علي الهيمنة بينما هي تتوسع في اسواق جديدة, ومثلما فعلت القوي الصناعية في الماضي, ترغب هذه الشركات في السيطرة علي كل شيء. علي نحو متزايد, تتحول الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا, مثل امازون, آبل, فيس بوك, جوجل الي تكتلات ضخمة, والأمر العجيب انها تتجه الي محاكاة نموذج رواد الاعمال الذي قضي علي محاولة اليابان الهيمنة الصناعية علي العالم لتصبح شركات التكنولوجيا هي النسخة الامريكية من نموذج كيريتسو الشهير الذي ميز الاقتصاد الياباني لفترة طويلة وتجسد في مجموعات واسعة النفوذ مثل ميتسوبيشي وتويوتا. وفي اطار ال كيريتسو تندمج الشركات الصناعية والتجارية لتشمل العديد من المجالات. والعصر الذهبي لشركات التكنولوجيا الامريكية العملاقة يشبه ايضا فترة اوائل القرن العشرين التي هيمنت عليها شركات السكك الحديدية والقطن والفضة. فسيطرة مجموعة صغيرة من الشركات علي الموارد الهائلة( حاليا المعلومات والاتصالات) مثل احتكار القلة في وقت سابق يوفر تدفقات نقدية مستمرة ويتيح التوسع في اسواق جديدة والأهم انه يعطيها الفرصة ان تستمر بعد فشلها. ومثال علي ذلك, صفقة بيع جوجل مؤخرا لوحدة محمول موتورولا بخسارة تقارب العشرة مليارات دولار كان من شأنه ان يؤدي الي إفلاس كثير من الشركات, لكن بالنسبة لجوجل, لم يؤثر فيها, حيث تصل ايراداتها الفصلية الي17 مليار دولار, والسيولة المتاحة لديها56.5 مليار مما دفع بقيمتها السوقية في النهاية الي380 مليار دولار. والواقع يكشف رغبة شركات التكنولوجيا العملاقة في السيطرة علي أي شيء يستخدم تكنولوجيا المعلومات ابتداء من الخدمات اللوجستية والأجهزة الطبية الي الأجهزة المنزلية, فجوجل لم تعد تسعي للسيطرة علي محركات البحث فحسب ومايكروسوفت لم تعد آمالها تقتصر علي مجال البرمجة. فخلال العام الماضي غامرت جوجل بالدخول في مجالات جديدة بعيدة عن تخصصها الرئيسي فدخلت مجال صناعة الروبوت والطاقة ورسم الخرائط بل انتاج سيارة بدون سائق, ومؤخرا استحوذت علي شركة نست الرائدة في مجال المنزل الذكي وهي جزء مما يسمي ب انترنت الاشياء لكنها تمنح جوجل فرصة جديدة لجني قدر أكبر من المعلومات الخاصة التي تترجم لدي صناعة الدعاية والاعلان الي ارباح. ومن خلال الاستثمار علي نطاق واسع والتهام الاسواق الناشئة فإن عصابة الاربعة من شركات الانترنت وهي مايكروسوفت, آبل, فيس بوك وجوجل لديها ميزة رئيسية هي الخبرة التكنولوجية والسيولة. وحتي الساحة التي هيمنت عليها وكالة ناسا من قبل وهي الفضاء, تم اقتحامها, والرئيس التفيذي لشركة امازون جيف بيزوس اس شركته الخاصة لاستكشاف الفضاء, وإذا استمرت ناسا في التراجع في مجالات استكشاف الفضاء, من المرجح ان ينتهي الامر في المستقبل بأن ينتمي الفضاء الي شركات التكنولوجيا, فالآن يمكن رؤية سيطرة شركات تكنولوجية محددة علي صناعة الاخبار والمعلومات فموقع ياهو هو الموقع الاخباري الأول في الولاياتالمتحدة بمشاهدة شهرية تصل الي110 ملايين مشاهد, وتأتي اخبار جوجل في المرتبة الرابعة بعدد مشاهدين يصل الي65 مليون مشاهد. ويري محللون من ناحية أخري ان احتكار القلة وادارة مجموعة صغيرة من الشركات لصناعات حيوية لا يبدو انه افضل استراتيجية لاستمرار تطور التكنولوجيا, فلا يمكن ان يزعم أحد ان محرك جوجل او برامج مايكروسوفت افضل اليوم مما كانت عليه قبل ثلاث او خمس سنوات مما قد يعيد إلي الاذهان تجربة اليابان مع نموذج الكيريتسو.