د. محمد البنا: يختلف مأزق التأمينات الاجتماعية في مصر عن مشاكل باقي الانظمة في دول العالم. مصر بحاجه لإعادة تقييم سياسات الضمان الاجتماعي. ارتفاع معدلات الفقر التحدي الأكبر الذي يواجه مصر. د. سامي نجيب: ضرورة استثمار أموال التأمينات الاجتماعية في مشروعات مفيدة للعمال -------------------- أصبحت قضية إصلاح نظم التأمينات الاجتماعية إحدي القضايا التي يصعب وجود دولة لاتضعها علي رأس أجندة النظم التي بحاجة لتطوير وذلك في ظل المصاعب المالية التي أفرزتها هذه الانظمة والتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت. لذلك تقوم وزارة التضامن الاجتماعي في الوقت الحالي ببحث ملف التأمينات الاجتماعية وتسيير إجراءات الوزارة إلي3 اتجاهات, الاتجاه الاول بحث طرق تسوية واسترداد أموال التأمينات من وزارة المالية. والثاني إعداد تعديلات علي القانون الحالي للتأمينات الاجتماعية بهدف تطويره. والثالث بحث كيفية استثمار هذه الاموال بهدف تعظيم عوائدها حتي تستطيع الوزارة الوفاء بالمعاشات لاصحابها. وفي هذا السياق قال د. محمد البنا أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد جامعة المنوفية أن دعاوي إصلاح نظام التأمينات الاجتماعية ليست جديدة نظرا لما يثيره النظام الحالي من المشاكل والتداخلات بين وزارة المالية ووزارة التأمينات الاجتماعية وبنك الاستثمار القومي, مما حمل الخزانة العامة بأعباء مالية ضخمة في الوقت الذي عاني فيه النظام الحالي للتأمينات العديد من المشكلات أبرزها ارتفاع معدل الاشتراكات وتعرضه لظاهرة التهرب التأميني. واشار د. البنا إلي إنه لاختيار النموذج الامثل لتطوير نظام التأمينات الاجتماعية ينبغي علي متخذي القرار دراسة مدي تناسب النظم المطبقة في البلاد المختلفة مع الظروف الاقتصادية في هذه البلاد ومدي تماشيها مع السياق الاجتماعي القائم وذلك كله في ضوء ما سيترتب عليه من آثار. وأرجع مشكلة التأمينات الاجتماعية إلي أن نظام التأمين الذي تتبعه مصر هو نظام حكومي إلزامي يطبق مبادئ التأمين الخاص الاختياري وبهذا خالف نظام التأمينات الاجتماعية في مصر كل نظم التأمينات في دول العالم ونتج عن ذلك العديد من المشكلات أهمها ارتفاع معدلات الاشتراكات وثبات المزايا والمعاشات حتي يتمكن من المحافظة علي الملاءة المالية لصناديق لن تغلق في يوم من الايام, حتي تراكمت الاحتياطيات وبلغت حدودا ضخمة كانت تزيد عن300 مليار جنيه في2008. كما ترتب علي هذا الخلل أن أي زيادات أو استحقاقات إضافية تصرف لحساب الخزانة العامة. لذلك فإن المعضلة الرئيسية في نظام التأمينات الحالي هو تزايد الاعباء التي تتحملها الخزانة العامة من إجمالي المعاشات والتعويضات حيث بلغت نسبتها70% في معظم السنوات مما يعني أن الصناديق لاتتحمل الا30% من المعاشات والتعويضات المنصرفة. وحذر د. البنا من اتباع تجارب دول بعينها في إصلاح نظام التأمينات الاجتماعية المصري نظرا لاختلاف طبيعة هذه الانظمة عن النظام المصري الحالي ففي الوقت الذي تعاني اغلب انظمة التأمينات الاجتماعية في دول العالم من تراجع الفوائض وتعرض الصناديق للعجزبينما يتميز النظام المصري بتزايد هذه الارصدة حتي فاقت300 مليار جنيه. كما تختلف طبيعة الهيكل العمري للسكان في مصر عن كثير من الدول خاصة المتقدمة والتي تعاني من انخفاض معدلات المواليد وتراجع أعداد السكان وطول متوسط العمر وتراجع أعداد الداخلين إلي سوق العمل وتزايد مزايا المعاشات وأعداد المستحقين, أما الوضع في مصر فيختلف من كل الزوايا الديموغرافية وإذا كانت الولاياتالمتحدةالامريكية بهيكلها الديموغرافي الحالي لا تواجه مشكلة حادة بخلاف بعض الدول الاوروبية واليابان, فإن الاوضاع الديموغرافية في مصر ومستقبل التنمية بها, وزيادة مستويات التشغيل تجعل مصر في منأي من أي ضغوط يثيرها التحول الديموغرافي. وأوضح د. البنا أنه في ظل الاوضاع الراهنة التي تعيشها مصر فإنه يتحتم علي الحكومة ان تقوم بدور اكبر في تنظيم الاسواق وتحفيز الافراد وتقديم حماية اجتماعية خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر, حيث تعتبر قضية الفقر من أكبر التحديات التي تواجه البلاد حاليا الامر الذي يتطلب تحقيق معدلات نمو افضل مصحوبة بإعادة توزيع الدخل والثروة, وإعادة تصميم سياسات الضمان الاجتماعي من خلال تقوية استهداف الفقر وسد منابعه وتوفير شبكة أمان اجتماعي تستهدف الفئات المهمشة. وعن المجالات التي يمكن ان يتم استثمار اموال التأمينات الاجتماعية فيها أشار د. سامي نجيب خبير التأمين الاستشاري, استاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف إلي ان تأمين المعاش يقابل التأمين علي الحياة وإن كان الاول اجباريا ويتمثل اغلب افراد المجتمع واكثر قدرة علي تجميع المدخرات وتكوين الاحتياطيات المتاحة للاستثمار ولفترات طويلة قد تكون لانهائية مما يتيح مساهمتها في تمويل خطط التنمية الاقتصادية وأرجع أهمية العائد من الاستثمار لأموال الاحتياطيات الفنية لاموال المعاشات إلي أنه في هذا النوع من التأمينات الاجتماعية تكون باستمرار أمام اجيال جديدة من العاملين الذين يبدأون حياتهم العملية ويحلون محل أصحاب المعاشات ولايتعرض التأمين لمطالبات اختيارية بالمعاشات بل يحدد القانون شروطا وحالات استحقاقها وهكذا فإن الاحتياطيات الفنية لاتكون محلا للاستيراد اذ يكفي انها تدر عائدا يكفي مع حصيلة الاشتراكات الدورية لتغطية نفقات المعاشات. وأكد د. نجيب علي أنه ليس هناك حاجة لتشكيل لجنة لبحث اوجه انفاق أموال التأمينات الاجتماعية فالتأمينات الاجتماعية نظام اقتصادي متكامل في كل دول العالم وله أدوار عديدة في عمليات التنمية ولايجب ان ينظر إليه علي انه نظام اجتماعي. كما انه يجب ان يراعي عدد من الشروط والقواعد عند استثمار هذه الاموال أهمها ضمانها بحيث تتم الاستثمارات في اماكن توظيف لا تتسم بالمخاطرة بل يتعين ان توجه أغلب هذه الاموال إن لم يكن كلها إلي اوجه توظيف مضمونة, ويمتد مفهوم الضمان إلي الحفاظ علي قيمة الاموال المستثمرة من انخفاض القوة الشرائية للنقود. بالإضافة إلي تحقيق اقصي فائدة اقتصادية واجتماعية لاصحاب هذه الاموال فمادامت المعاشات تقتصر علي العاملين ويتم تمويل هذا النظام من اشتراكاتهم فإن اعتبارات العدالة الاجتماعية تقضي ان توجه هذه الاموال إلي اكثر المشروعات فائدة للعمال. وهذا لايعني الا توجه هذه الاموال إلي استثمارات تعود بالنفع علي المجتمع ككل وإنما من الضروري الاعلان عن هذه المشروعات وأن يكون للفائدة المباشرة للعمال المقام الاول في تقرير اي من هذه المشروعات توجه إليه استثمارات التأمينات الاجتماعية. وأوضح أن استثمار اموال التأمينات الاجتماعية يتميز بعدم أهمية سيولة هذه الاستثمارات نظرا لأن الاحتياطيات في ظل اسلوب التمويل القائم تتراكم بهدف استثمارها فقط للحصول علي عائد يساهم إلي جانب الاشتراكات في تغطية نفقات المعاشات, كما ان هناك باستمرار اشتراكات العاملين الجدد علاوة علي ذلك فإنه عادة ما يخصص جزء من هذه الاموال لاستثماره في اوراق حكومية قصيرة الاجل وهي بطبيعتها سهلة البيع والاستحقاق مما يساعد علي إبقاء الجزء الاكبر من الاستثمارات ضمن السياسة الاستثمارية الموضوعة لها. وأكد علي انه من الضروري ان يتم التنسيق بين سياسة استثمار احتياطيات أموال التأمين والسياسة الاقتصادية العامة علي أن توفر الحكومة ضمانات خاصة للاستثمارات ذات السمات الاجتماعية والاقتصادية إذ من الضروري عدم الاخلال بشرطي الضمان والعائد. واقترح د. نجيب استخدام جزء من هذه الاموال في تمويل مشروع تنمية محور قناة السويس خاصة أن هذه الاموال بحاجة إلي توظيف طويل الاجل ملائمة لمثل هذه المشروعات. واستنكر تشكيل لجنة لبحث أوجه استثمار أموال التأمينات الاجتماعية وفي المقابل هناك مشروعات ضخمة مثل تنمية محور قناة السويس التي تناسب هذه الاستثمارات وبحاجة إلي تمويل.