تكتظ المحاكم بقضايا التعويضات.. بعض المحاكم الابتدائية خصصت لهذا النوع من القضايا دوائر مستقلة تحت مسمي دوائر التعويضات وهي دوائر منفصلة عن الدوائر المدنية الاخري. ورغم بطء التقاضي المعهود لاتزال قضايا التعويضات تنهال علي المحاكم. البعض يشكو من تلاعب المحامين.. والبعض يشكو من صعوبة تنفيذ الاحكام, ولكن الجميع لا يجد امامه سوي المحاكم للحصول علي حق ضائع. *** تطالعنا اعلانات الصحف والشوارع عن ارقام تليفونات لمكاتب التعويضات يقول معظمها نعيد لك حقك بدون اتعاب ونحصل علي نسبة من التعويض. ورغم ان ذلك مخالف لقانون المحاماة نجد ان هذا البيزينس يستهوي الكثيرين مثل مكتب حسن حسني في وسط البلد, ومكتب اخر للواء شرطة بالمعاش وغيرها الكثير. وترجع فاطمة سعد المحامية تخصص بعض المحامين في هذا النوع من القضايا الي ارتفاع العائد, بجانب اكتساب خبرة في مجال بعينه يتيح لهم التفوق فيه مشيرة الي ان قيمة الاتعاب تحدد بنسبة حسب الاتفاق بين المحامي وموكله من التعويض بجانب نوع القضية وعدد الورثة واعمارهم ومدة التقاضي. وتضيف ان المحامين يتابعون اخبار الحوادث والوفيات ثم يذهبون لأهل المتوفي للتعزية ويحصلون علي توكيلات منهم ويرفعون القضايا والبعض يتابع والبعض الآخر لا يتابع والمحامون مستمرون في القضايا موضحة ان تحصيل التعويضات وتوصيلها الي مستحقيها ترجع الي ضمير كل منهم. ولفتتت الي ان نشاط قضايا التعويضات ازدهر في الفترة الماضية وتوسع حتي اصبح ظاهرة. وتعزي شيماء سالم محامية طول فترة التقاضي الي شركات التأمين وصعوبة استخراج البيانات من المرور لان سائق السيارة الذي ارتكب الحادثة ليس مالكا لهذه السيارة وبالتالي لم تحدد شركة التأمين في الرخصة, مضيفة انه حينما ترفع القضية الي القاضي يعطي تصريحا بالحصول علي شهادة من المرور علي رقم السيارة يفيد باسم شركة التأمين. ويوضح حسن عطية محامي ان المتضرر او اهله قد يلجأ الي اقامة دعوي تعويض علي المتسبب في الحادثة الناتجة عن وسائل المواصلات وهي تتبع شركات التأمين بعد تحرير المحضر يجري اعلام وراثة لحادثة الوفاة ثم يحصل علي صورة رسمية من المحضر ويقدمها لشركة التأمين وفي غضون4 شهور يصرف التأمين الذي يجب ان تلتزم به بمجرد تقديم الطلب وفقا للتعديل الجديد للقانون في سنة2009 مضيفا ان ما يحدث ان الشركات الخاصة اكثر التزاما من العامة لذا يلجأ المتضرر للتقاضي رغم انه يستغرق نحو عامين بسبب وفاة بعض الورثة فيتم اعلام وراثة من جديد او طعن شركة التأمين علي المحضر بدعوي ان المجني عليه هو المخطيء او الجاني يطعن علي المحضر, لو تم الطعن علي المحضر وأخذ حكم غيابي فيقيم طعنا بالمعارضة علي الحكم الغيابي ثم يطعن في الحكم الصادر علي المعارضة بطريقة الاستئناف ثم يطعن علي الحكم الصادر في الاستئناف بطريق المعارضة الاستئنافية ثم يطعن عليه بطريق النقض وهذا يستغرق فترة تتراوح ما بين5,3 سنوات وخلال هذه الفترة تتوقف دعوي التعويض لحين الفصل في الحكم الجنائي.. مؤكدا أن المحضر احد اساليب اطالة امد التقاضي. وفيما يتعلق بوجود خلل في قضايا التعويضات فالبعض يحصل علي تعويض لا يستحقه والبعض لايحصل علي تعويض يستحقه, فسر ذلك بتعذر الحصول علي الاوراق مثل شهادة الوفاة وعدم تجهيز المستندات الخاصة بصحيفة الدعوي وتعذر اثبات ان المدعي عليه مدين بواجب الحرص والمسئولية وكذلك اثبات ان المدعي عليه أخل بهذا الواجب, بجانب عدم اثبات المدعي ان اخلال المدعي بهذا الواجب نتجت عنه اضرار تستوجب التعويض. ومن وجهة نظر مغايرة يرفض محمد متولي محام العمل في مجال قضايا التعويضات مؤكدا أن الاتفاق علي نسبة ليس من حق المحامي ان يتفق مع موكله علي تقاضي نسبة من الحق المتنازع عليه لان المبلغ غير معلوم القيمة فهو يخضع لتقدير القاضي حينما يصدر الحكم النهائي لافتا الي انه لم يتم تفعيل القانون ولا يعاقب المخالفون الذين يتخصصون في قضايا التعويض. وينتقد المستشار ممدوح راغب رئيس دائرة التعويضات بمحكمة استئناف القاهرة تصرفات بعض المحامين الذين يقومون برفع قضايا دون علم اصحابها مدللا علي ذلك بقوله: في بداية عملي في سلك القضايا سألت سيدة عن سبب مجيئها الي المحكمة فداهمتني بقولها: جئت لاحصل علي معاش بقيمة ضئيلة جدا جنيهات معدودة, ففهمتها انها جاءت لتطلب تعويضا عن وفاة زوجها بلغت قيمته مائة الف جنيه ولا شأن للقضية بالمعاش مضيفا: رغم انها سيدة مسنة فان رد فعلها كان عنيفا اهانت المحامي وخلعت نعليها ورشقته بهما وهو يجري في قاعة المحكمة مدبرا ولم يعقب, لذا فانني حينما اصدر حكما بالتعويض ينتابني القلق خشية الا يصل التعويض الي مستحقيه ولا بد من التأكد من أن صاحب التعويض الاصلي قام بصرفه او اعطي توكيلا خاصا بصرف المبلغ المقضي به حرصا علي صاحب الحق او ورثة صاحب الحق مشددا علي ضرورة ان يستتبع توكيل القضية توكيل خاص بالصرف وبرقم القضية وقيمة التعويض عند طلب صرف التعويض في حالة الحكم. ويشير الي وجود مكتبين مشهورين في الجيزة كانا يرتكبان بعض التجاوزات في منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي مثل الاتفاق مع شركات التأمين بدون علم الشخص المصاب بما آلت اليه القضية والمحامي يطلب توكيلا من المصاب او الورثة لصرف التعويض وينتهي الامر الي عمل توكيل دون القدرة علي متابعته مع المحامي او ان شركة التأمين لا تقدم اسبابا جديدة في الاستئناف فيؤيد الاستئناف كما ان محامي شركة التأمين يدافع عن عدم دفع التعويضات متراضيا لاعطاء فرصة للمكاتب التي كان يتم الاتفاق معها. ويري المستشار ممدوح ان قضايا التعويض تستغرق وقتا في محكمة اول درجة ولكنها امام محكمة الاستئناف قلما يجد جديدا لذا فان حكم الاستئناف يتم بمنتهي السرعة بمجرد اكتمال الشكل, اعلانات الخصوم واحضارهم فيصبح الفصل في الدعوي بمنتهي السرعة وحينما يصدر الحكم يذهب المحامي بنفس التوكيل الذي اقام به الدعوي لصرف التعويض مطالبا بالتأكد من ان صاحب التعويض علي علم بما صدر من حكم وانه قبل ان يقوم المحامي بصرف قيمة التعويض نيابة عنه. ويستنكر بشدة كثرة حوادث القطارات مبديا استياءه من هيئة سكك حديد مصر راجعا مصدر التعويض الي الاخطاء الجسيمة التي ترتكبها الهيئة وتسبب اضرارا للغير بما يلزمها بالتعويض, مضيفا ان معظم مسئوليتها تكمن في حارس الاشياء بموجب القانون المدني الذي نص علي ان مسئولية حارس الاشياء مسئولية مفترضة في تأمين المزلقانات وحدود السكة الحديد لتصبح اماكن غير مخصصة للعبور لان عبور المارة اصبح شيئا طبيعيا مما ادي الي كثرة الحوادث, وكثرت معها قضايا التعويضات التي اصبحت اهم واكثر انواع القضايا التي تنظرها المحاكم المدنية والتجارية في مصر حتي ان بعض المحاكم الابتدائية خصصت لها دوائر مستقلة تحت اسم دوائر التعويضات منفصلة عن الدوائر المدنية الشاملة. وينوه المستشار مجدي عبدالحليم رئيس محكمة كفر الشيخ الابتدائية بشكل واضح الي ان هيئة السكة الحديد تدفع سنويا نحو400 مليون جينه تعويضات للمتضررين بدءا من العام2010/2011 لانها تترك القطارات بدون ابواب في ظل الازدحام ونقل القطارات من خط الي خط عبر التحويلة ونتيجة لعدم ثبات القطارات علي القضبان او اتزان القطارات بسبب السرعة بما يؤدي الي سقوط المواطنين اضافة الي الركوب فوق سطح القطار او بين العربات او خارج القطار مما يؤدي الي تساقطهم حين المرور علي كوبري او مرور قطارين بجوار بعضهما البعض وجميعها صور اهمال تؤدي الي قضايا تعويضات. ويشدد علي اهمية توجيه اموال التعويضات الي تحسين القطارات والخدمات داخل الهيئة لمدة خمس سنوات علي الاقل حتي تنتهي حوادث السكة الحديد. ويتساءل مستنكرا.. ماذا يكلف غلق الابواب او اصلاح المزلقانات او تعيين عامل علي باب كل قطار مؤكدا أن التكلفة ضئيلة مقارنة بالملايين التي تنفق سنويا في صرف تعويضات المضارين بسبب الاهمال الجسيم. ويري المستشار مجدي ان حوادث السيارات مشكلتها مع شركات التأمين حيث تنص المادة8 من القانون رقم72 لسنة2007 ان شركة التأمين تدفع لورثة المتوفي او المتضرر40 ألف جنيه بدون اجراءات لافتا الي ان الشركات لا تصرف التعويض علي الفور خلال شهر كما ينص القانون من تقديم المستندات الدالة علي الحادث واثبات الضرر وينتقد عدم دفع شركات التأمين للتعويض القانوني وهو ما يجعل الجميع يقومون برفع دعاوي قضائية امام المحاكم مؤكدا أن هدف المشرع من هذا النص هو تخفيف الضغط علي المحاكم. ويلفت الانتباه الي عدم قيام شركة الغاز الطبيعي بصيانة دورية للاجهزة والوصلات داخل وخارج الشقق ونتيجة لذلك حدث شرخ في احدي الصواميل الموصلة لعداد الغاز فتسرب الغاز داخل الشقة وعند اضاءة المصباح انفجرت الشقة وحكم فيها بالتعويض بقيمة160 ألف جنيه. وفيما يتعلق بضعف المبالغ التي تقضي بها المحاكم المصرية كتعويضات في حالتي الوفاة او الاعاقة في حدود الخمسين الفا, تعويضا عن الوفاة والاعاقة نحو عشرين الف وهي مبالغ ضعيفة لا تكفي بالكاد متطلبات الحياة المتزايدة لاسرة فقدت عائلها وهي اقل من الحد الادني المطلوب لتجاوز الاسر المنكوبة محنتها الي مرحلة كسب العيش استقلالا بعد فقد العائل. يقول المستشار مجدي ان المحكمة كانت تعطي15 الف جنيه ولكني منحت نحو60 الف جنيه في اول حكم قضائي لي ووصل في اخر العام الماضي نحو مائة وثمانين الف جنيه للوفاة راجعا الي طول امد التقاضي الي استئناف طرفي النزاع من يدفع ومن يحصل بجانب طول الاجراءات فمثلا نقل المحضر من السكة الحديد في اسوان الي القاهرة يستغرق وقتا وهكذا مطالبا بتفعيل المادة8 من القانون72 لسنة2007. ويقترح المستشار مجدي ان يصرف التعويض صاحب التعويض او بناء علي توكيل حديث بعد صدور الحكم مبينا فيه المبلغ المحكوم به ضمانا لوصوله مؤكدا أنه طبق هذا الاقتراح في محكمة كفر الشيخ, مطالبا بعمل اعلانات مضادة لاعلانات مكاتب التعويضات في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة لمواجهة هؤلاء المتلاعبين.