ظاهرة «حرق الأسعار» اخترقت السوق التأمينى الذى يقوم على تنافس الشركات فى عمليات الاكتتاب لطرح وثائق للعملاء بأدنى سعر ممكن والمنافسة لا ضير منها بل أحيانا ضرورة لكن فى السوق التامينى تأتى على حساب الخدمة التأمينية المقدمة مما يلحق خسائر بالشركات تعوق قدرتها على سداد التعويضات أو ضياع حقوق حملة الوثائق. ولم تعد تقتصر الظاهرة على فرع السيارات أو التأمين الطبى بل امتدت إلى فروع أخرى مثل الحريق والحوادث وهو ما يمثل ضررا كبيرا يلحق بالسوق التأمينى. وقد طالب الخبراء بضرورة الحد من تفاقم هذه الظاهرة بزيادة التوعية التأمينية من ناحية وإحكام الرقابة على أداء الشركات الذى يعد دور الهيئة الهامة للرقابة المالية. يفسر عبد الرءوف قطب رئيس الاتحاد المصرى للتأمين مشكلة حرق الأسعار بأنها تعنى ان سعر وثيقة التأمين لا يغطى قيمة الأخطار المؤمن عليها فى هذا الاتجاه تنزلق العديد من شركات التأمين فى هذه المسألة وغالبا بهدف تعظيم محفظة العملاء أو نتيجة أنها شركة جديدة فى السوق وتسعى إلى اجتذاب شريحة عملاء فتقدم أسعارا أقل من أسعار السوق او ترفع من عمولة المنتج بهدف تحويل العملاء إلى محفظتها. ويوضح أن قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لا يسمح بوضع تسعير للوثائق لأن هذا يتنافى مع آليات السوق الحر، وفى الوقت الذى تؤدى فيه هذه الممارسات إلى آثار سلبية على مستوى السوق ككل وأيضا على أداء الشركة التى تحرق الأسعار فإن التسعير الخاطئ يضر بمنظومة التأمين بشكل عام ويجعل السعر هو المحك الأساسى ويتعارض مع الغرض من التأمين الذى فى الاصل هو خدمة فإذا اقتصر دور الشركة على تقديم سعر متدن فقط للعميل فإنه لن يحصل على خدمة مناسبة وبالتالى يتضرر من الشركة ويعزف عن القطاع التأمينى فى الوقت الذى يعانى فيه المجتمع المصرى من ضعف الوعى التأمينى فإن تلك الممارسات الخاطئة ترسخ مفهوما سلبيا عن التأمين وعن الدور الذى يقوم به الاتحاد للحد من ظاهرة حرق الأسعار. يرى أحمد عارفين العضو المنتدب للشركة المصرية للتأمين التكافلى أن زيادة المعروض من الخدمات التأمينية مقابل أن الطلب التأمينى أقل يؤدى إلى تراجع الأسعار مما يترتب عليه ان يسجل الفرع التأمينى خسائر. ويعد فرع تأمين السيارات الإجبارى من أهم الفروع التى تشهد خسائر نتيجة نقص الإيرادات المحصلة (الأقساط) مقابل زيادة التعويضات التى تدفعها الشركات كما شهد أيضا فرع الحريق خلال السنوات الأخيرة منافسة شرسة بين الشركات لحرق الأسعار كما أن الزيادة فى معدل الحرائق خلال تلك الفترة زادت من خسائر الشركات . ويوضح عارفين ان لجوء الشركات إلى حرق الأسعار له تأثير سلبى آخر مثل قيام معيدى التأمين بإعادة النظر فى الشروط التى يغطيها مثل تخفيض العمولة أو رفض سداد التعويضات أو رفض تغطية الخطر نفسه وحدث ذلك مؤخرا. يقر حمدى عبد المولى الوسيط التأمينى بأن ظاهرة حرق الأسعار منتشرة منذ فترة كبيرة فى السوق المصرى وهى السبب الرئيسى فى أن يسجل فرعا السيارات والطبى خسائر مستمرة حيث مؤخرا امتدت الظاهرة إلى فروع جديدة شملت الحوادث بما يفاقم تلك الظاهرة حيث إنها لم تقتصر على فروع معينة ويستوجب ذلك تدخلا سريعا من الجهات الرقابية لمنع الانهيار الذى يتعرض له السوق المصرى جراء تلك الممارسات غير السليمة. ويضيف قائلا: إن ذلك لا يتعارض مع حرية السوق فحرية السوق لا تعنى على الإطلاق الفوضى تحت مسمى الحرية والهيئة العامة للرقابة المالية لديها من الأدوات والخبراء ما يمكنها من أن تكشف بسهولة عمليات حرق الأسعار التى تقوم بها الشركات وتتخذ تجاهها الإجراء العقابى المناسب فهذا دورها منع اى ممارسات خاطئة فى السوق التأمينى. ويرى عبد المولى أن العقوبة التى وقعتها الرقابة المالية على إحدى الشركات - ويحمد لها ذلك - تكاد تكون الحالة الوحيدة وان كان هناك العديد من الشركات التى تمارس حرق الأسعار لتعظيم محفظتها ولا توقع اى عقوبة عليها وفى النهاية الخاسر هم أصحاب حملة الوثائق والسوق ككل. ويوضح شريف سامى رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية أن لجوء بعض الشركات إلى بيع وثائق بأسعار متدنية فى النهاية قرار تجارى بمعنى أنه قد تسعى إلى اجتذاب العميل لعمليات أخرى مستقبلية تغطى منها اى تراجع فى الإيراد المحقق من الوثائق الاولى المتدنية السعر فهذا أمر متعارف عليه فى التعاملات المالية بصفة عامة وليس فى السوق التأمينى فقط ولا يوجد سبب وحيد للتسعير المتدنى للوثائق فقد يكون نقص السيولة أو قد يكون ضعف الاكتتابات اوالرغبة فى اجتذاب حصة سوقية فى فرع معين أو قد يكون من ضمن الأسباب أيضا سوء التقدير للخطر فنيا ينتج عنه تسعير خاطئ . ويستطرد قائلا: هذا لا يعنى السماح بوجود ظاهرة حرق الأسعار فى السوق التأمينى أو نتخذ الإجراءات المناسبة للحد منها فالهيئة تقوم بشكل دورى بفحص أعمال الشركات لاسيما للوثائق الجماعية وفى كل الفروع واى شركة تسجل خسائر فى أى فروع ترسل الهيئة ملاحظاتها على أداء هذا الفرع واذا استمر ت الخسارة يتطور الامر إلى منع الشركة من إصدار وثائق فى هذا الفرع وهناك واقعة شهيرة لإحدى الشركات التى تم منعها من اصدار وثائق لمدة 3 سنوات نتيجة تسجيلها لخسائر مستمرة لتدنى أسعارها وبدأت الشركة مؤخرا فى توفيق أوضاعها بعد العقوبة التى وقعت عليها. ويوضح سامى قائلا: إننا نادرا ما نتخذ قرار المنع إلا إذا تفاقمت الأوضاع كما فى الواقعة السابقة والتدخل بهدف حماية حقوق حملة الأسهم فالشركة عندما تضر بحقوق المساهمين لابد من التدخل لحمايتهم وفى معظم الأحوال نرسل ملاحظات على أداء الفروع الخاسرة ونطلب من الإدارة تصويب الأوضاع وبطبيعة الحال فان الملاك يكونون حريصين على حماية الشركة وضبط المنظومة المالية لها وان تسجيل خسارة هو شهادة فشل لادارتهم. ويرى عاطف الزيبق العضو المنتدب لشركة الدلتا لتأمينات الحياة أن ضعف الوعى التأمينى لدى الأفراد والشركات هو السبب فى انتشار ظاهرة حرق الأسعار فى السوق التأمينى اضافة لضعف الدخول لدى الأفراد وانخفاض عدد شريحة العملاء فى السوق التأمينى فالعدد محدود فى العملاء بينما عدد شركات التأمين فى السوق المصرى يزداد فالظاهرة نتيجة حدة المنافسة وهى غالبا ليست فى مصلحة الخدمة وتقتصر على السعر المتدنى وهناك شركات كبيرة لجأت إلى حرق الأسعار للاحتفاظ بعملائها. ويضيف قائلا: إن إحدى الشركات زادت لديها محفظة العملاء لدرجة أن فريق تقديم الخدمة بالشركة أصبح لا يتناسب مع عدد العملاء وأصبحت غير قادرة على تقديم الخدمة.