لم يمض أكثر من أسبوعين على تقرير مجلة الإيكونوميست البريطانية عن الاقتصاد المصرى والصعوبات التى يواجهها حتى خرجت علينا وكالة بلومبرج العالمية بتقرير معد من مجلس إدارة التحرير، قالت فيه إن حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسى تدفقت عليها معونات بعشرات المليارات من الدولارات، ولكنها قد تبدو غير مجدية بالنظر لحالة الاقتصاد المتعثر. وحملت البرامج الاقتصادية فى مصر مسئولية تردى الوضع الاقتصادى وهو ما اعتبره خبراء الاقتصاد ورجال البنوك تحركات متتالية ضمن خطة معدة من قبل المؤسسات الصحفية الشهيرة لتشويه الوضع الاقتصادى فى الآونة الاخيرة وتفنيد خطوات البرنامج الاصلاحى للاقتصاد. ورغم اعتراف الخبراء بوجود بعض الأخطاء فى إدارة الملفات الاقتصادية والاستثمارية، ولكنها لا تمثل كوارث بالحجم الذى يصوره الإعلام الغربى. وعلى المستوى الرسمى وصف عمرو الجارحى، وزير المالية، ما ذكرته شبكة “بلومبرج” بشأن تقرير يتوقع بإهدار الحكومة لقرض صندوق النقد الدولي، ب”غير الصحيح بالمرة”. وقال إن هذا القرض سيتم استخدامه لخلق قيمة اقتصادية تساعد فى تحقيق نمو اقتصادى مستدام، ولخفض الضغط الاقتصادى على الفئات الأقل دخلا، وهو ما يتم فى برنامج الحكومة للحماية الاجتماعية. وأكد أن نجاح وزارة التعاون الدولى فى الحصول على تمويلات من الخارج بجانب قرض صندوق النقد يعكس ثقة المجتمع الدولى فى قدرة الاقتصاد المصرى على الوفاء بالتزاماته. وتابع: إنفاقنا على البنية التحية هدفه جذب الاستثمارات الخارجية، كما أنه على جانب الطاقة هناك خطوات كبيرة قامت بها الحكومة، لإنتاج الغاز ما يوفر جانبا كبيرا من الطاقة. أضاف: هناك تعاون مع البنك الأوروبى للتعمير هدفه الاستفادة من خبرته فى مجال البنية التحية والأساسية، و خلال أيام ستصل 500 مليون دولار من البنك الدولى لتنمية البنية الأساسية فى الصعيد. وتابعت بلومبرج: قد ترجع بعض متاعب مصر إلى انهيار قطاع السياحة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، إلا أن الكثير من اللوم يقع على عاتق السياسات الاقتصادية ومنها إنفاق المعونات السابقة على مشروعات عملاقة مشكوك فى جدواها، ومنها قناة السويس الجديدة، ولم يتبق من هذه المعونات سوى النذر اليسير للإنفاق على البنية الأساسية الحيوية، ومنها مشروع العاصمة الادارية الجديدة البالغة تكلفتها 45 مليار دولار. وأضافت بلومبرج أن الحكومة فشلت فى الوفاء بوعدها لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، وأكدت فى الوقت ذاته أن مصر يمكن أن تتبوأ مرة أخرى مكانا جديرا بالاستثمار فيه، ولكن قبل أن يتحقق ذلك هناك الكثير والكثير الذى يتعين تغييره. ووصف محمد السويدى، رئيس لجنة الصناعة فى مجلس النواب، التقرير بعدم الحيادية حيث أشار التقرير إلى عدم اتخاذ الحكومة لأى خطوات على طريق الإصلاح الاقتصادى كمنظومة الدعم رغم أن هناك خطوات اتخذت فى موضوع دعم الطاقة والسماد. وأكد السويدى أن التقرير خالف الواقع كثيرا حيث أشار إلى وجود صعوبات فى مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الرغم من وجود مبادرة من الرئاسة تقوم البنوك والجهات المقرضة بتنفيذها تشمل ضخ 200 مليار جنيه على أربع سنوات لدعم هذه المشروعات. وأكد السويدى أن لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان هى المسئولة عن الرد عن هذه التقارير ولكننا فى اللجنة الاقتصادية أو لجنة الصناعة ندرسها بشكل مستفيض. وقال إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق إن التقارير الصادرة عن المؤسسات الأجنبية تجافى الحقيقة فى كثير من جوانبها رغم أنها تحوى حقائق بشأن الأداء الاقتصادى خاصة أن المشكلة تكمن فى أن الأداء الاقتصادى المحلى لا يمكن تقييمه دون النظر إلى الوضع العالمى للاقتصاد ومؤشراته. وأضاف حسن أن الحكومة مطالبة بالرد العملى على تقرير بلومبرج، مع مشاركة وزارات التجارة، والاستثمار، والمالية، والتعاون الدولى، ومحافظ البنك المركزى، ورئاسة الوزراء فى إعداد هذا الرد. وقال شريف الجبلى، رجل الأعمال، إن التقرير به جوانب صحيحة ولكن الرد عليه يجب أن يكون من الجهة المختصة، وليس كما حدث فى أزمة مجلة الايكومنست العالمية التى سارعت الخارجية للرد عليها مع أن القضية فى الأساس تخص الجانب الاقتصادى من الحكومة. وأشار إلى أن الوضع الحالى يتطلب الإسراع فى استكمال المشروعات الاستثمارية الضخمة التى تنفذها البلاد حاليا إلى جانب علاج المشكلات القائمة حاليا والمتعلقة بالاستثمار والتنمية والبيروقراطية القاتلة والعمل فى أسرع وقت على معالجتها. وطالب جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق بتجاهل مثل هذه التقارير خاصة أنها تتسبب فى تعكير صفو الرأى العام بشكل عام ويؤثر على الأداء الاقتصادى بشكل خاص. وشدد بيومى على ضرورة استكمال جميع خطط المشروعات التى يجرى تنفيذها دون الالتفات إلى هذه المقالات وإن كان بعض الجوانب التى أبرزها التقرير يجانبها الصواب لكن بشكل عام التقرير لا يعكس حقيقة الأداء الاقتصادى ومؤشراته. وطالب بيومى المختصين فى هذا الشأن، سواء على الجانب الدبلوماسى أو الاقتصادى، بالرد على مثل هذه المقالات بحرفية وبالحقائق الواضحة والدامغة دون اندفاع خاصة أن مثل هذه المؤسسات تحظى بثقة عالمية ولها تأثير على صناع القرار على مستوى العالم. وقالت بلومبرج إن “ربع السكان البالغ عددهم 90 مليونا يعيشون فى فقر، وحوالى النسبة نفسها من البالغين أميون. مصر قد تدخل فى أزمة توفير المياه خلال عقد بفضل تسارع نمو السكان، وممارسات الهدر فى الزراعة، والاتفاق السيئ الذى تم إبرامه مع الجيران فى أعالى النهر (النيل)”. وبحسب بلومبرج فإن مسئولى صندوق النقد يقرون بأن حزمة المساعدة الجديدة لمصر هى بدرجة كبيرة أشبه بأدوات التجميل، موصية الصندوق وأصدقاء الرئيس المصرى فى الخليج بأن يصروا على تطبيق إصلاحات حقيقية فى البلاد. “على مصر أن تستثمر فى بنية أساسية بسيطة مثل الطرق والمدارس ونظام توفير المياه، وتيسير توفير القروض البنكية للمشروعات المتوسطة والصغيرة”. وتضيف وكالة الأنباء الاقتصادية أن “هناك حاجة أيضا لإنهاء الحملة ضد المجتمع المدنى والمضى تجاه انتخابات رئاسية حرة وعادلة”. وأنهت بلومبرج افتتاحيتها بقولها “يمكن أن تصبح مصر مجددا مكانا يستحق الاستثمار فيه، ولكن قبل أن يحدث ذلك يجب أن تتغير أشياء كثيرة