تواجه صناعة الأسمنت العديد من التحديات التى جعلت الصناعة التى كانت توصف بأنها الرابحة دائما تتذوق مرارة الخسارة رغم أن تكلفة إنتاج الطن لا تصل إلى ربع سعر البيع كما يرى خبراء. حالة من التناقض فرضتها نتائج أعمال شركات الأسمنت التى أسفرت عن تكبد أكثر من شركة خسائر فادحة، كما تقلصت أرباح أخرى رغم نمو الإنتاج وزيادة الطلب على القطاع بشكل مطرد. وفى حين يلقى مستثمرون ومنتجون بالمسئولية على نقص إمدادات الطاقة وزيادة تكاليف الإنتاج ومشكلة المحاجر، يرفض خبراء فكرة خسارة شركات الأسمنت من الأساس فى ظل ضعف تكلفة الإنتاج وطلب متزايد وحظر الاستيراد ويرون أن الأمر لا يعدو حلقة جديدة من حلقات ابتزاز المستثمرين للدولة من أجل المزيد من التدليل. طبقا لبيانات هيئة الاستثمار وصل إجمالى الإنتاج فى 2015 إلى 54 مليونا و116 ألف طن والاستهلاك 54 مليون طن، مرتفعا عن عام 2014 الذِِى سجل فيه الإنتاج 52 مليون طن، والاستهلاك 51 مليونا و280 ألف طن، فى مقابل حجم إنتاج فى 2013 بلغ 50 مليونا و800 ألف طن واستهلاك 50 مليون طن. هذه الأرقام تكشف زيادة الطلب على الأسمنت عاما تلو الآخر، إلا أنه فى المقابل جاءت نتائج أعمال الشركات فى 2015 مخالفة لذلك فعلى سبيل المثال بلغت خسائر شركة أسمنت الإسكندرية 214 مليونا و278 ألف جنيه، وأسمنت السويس 60 مليونا و144 ألف جنيه، بينما وصلت خسارة أسمنت سيناء إلى 38 مليونا و833 ألف جنيه، أما أسمنت طرة فبلغت خسارتها 219 مليون جنيه. كما أن نتائج الربع الأول لعام 2016 جاءت أيضا غير مبشرة فقد ارتفعت خسائر أسمنت طرة بنسبة 17٪ مسجلة 22.37 مليون جنيه مقابل 22 مليونا فى الفترة المناظرة لها من 2015 . ونفس الحال بالنسبة لأسمنت سيناء التى ارتفعت خسائرها بنسبة 248.5 ٪ مسجلة 38.06 مليون جنيه، مقابل 10.9 مليون جنيه فى الفترة المناظرة. أما أسمنت السويس فقد تراجعت أرباحها إلى 4.3 مليون جنيه مقارنة ب62.8 مليون جنيه بنسبة تراجع 93 ٪. كل ذلك فرض تساؤلا ملحا عما اذا كانت الخسائر طبيعية نتيجة احداث خارجية عن سيطرة القطاع ام أن هناك أيادى خفية تعبث لتعيق ذلك القطاع لتحقيق مصالح شخصية ذات اهداف مشبوهة. يقول مدحت إسطفانوس رئيس شعبة مصنعى الأسمنت باتحاد الصناعات: إن تحقيق شركات الأسمنت خسائر يعد أمرا طبيعيا نتيجة زيادة تكاليف مدخلات الإنتاج بشكل غير طبيعى، وندرة الطاقة وتغيير نوع الوقود. ويتفق معه وليد جمال الدين -رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء- مرجعا الخسائر إلى أن إمدادات الطاقة من الغاز والمازوت لم تكن منتظمة ما أدى إلى أن بعض المصانع أوقفت الإنتاج ما كبدها المزيد من الخسائر، مشيرا إلى أن الوضع بدأ يتحسن خصوصا مع التحول نحو استخدام الفحم، وأنه بعد التوسع فى استخدامه سوف يضمن استمرارية توفير الطاقة مما يحسن الأوضاع فى القطاع. ويعزو أحمد عبد الحميد رئيس غرفة مواد البناء الخسائر إلى سببين أولهما: أسعار الطاقة المغالى، والثانى هو اللائحة الخاصة بقانون المحاجر التى فرضت أرقاما فلكية على محاجر الحجر الجيرى المستخدم فى صناعة الأسمنت. ومن جانبه يوضح د. حسن راتب رئيس شركة أسمنت سيناء أن إنتاج شركته تراجع بنسبة 50٪ ل أن المصانع تعمل بنصف طاقتها، نتيجة العراقيل التى تواجهها فتكلفة نقل طن الأسمنت من سيناء إلى الوادى تزيد 90 جنيها على الطن نتيجة ارتفاع أسعار النقل والنولون، كما أن الأحداث الإرهابية أثرت على الإنتاج فالمصانع لا تستطيع أن تعمل فى الورديات الليلية كما توجد صعوبات فى نقل العمال مما أدى إلى ارتفاع الخسائر وهى مرشحة للزيادة إن لم تتحسن الأحوال. أما بالنسبة لشركة أسمنت طرة فيقول رأفت سلامة القيادى العمالى بالشركة: إنه رغم بيع شركة إيتاليشمنت حصتها إلى شركة هايدلبرج الألمانية فإن الخسائر مستمرة نتيجة أخطاء متراكمة فالشركة السابقة الإيطالية التى كانت تمتلك مجموعة أسمنت السويس التى تضم أسمنت حلوان وأسمنت السويس وأسمنت طرة وتبلغ نسبتها فى أسمنت طرة 66.12 ٪ وال33.88٪ الباقية ملك للشركة القابضة ومساهمين هى المسئولة عن الخسارة، متهما المستثمر الإيطالى بأنه كان يحمل تكاليف مستلزمات الإنتاج للمصانع الأخرى على أسمنت طرة بدلا من تحميلها على المصانع الثلاثة، والأكثر أنه يوجهها إلي أسمنت حلوان لأنه يملكها بالكامل، مشيرا إلى أنه كان يوجد وقت بيع الشركة إلى المستثمر الإيطالى 4 أفران تعمل من 9 أفران وتم إيقاف ثلاثة أفران من الإدارة تباعا فى 2008 وفى 2010 وفى 2013 بحجة نقص الغاز والمازوت في حين كل من أسمنت السويس وحلوان تعملان بكامل طاقتهما. ومنذ يناير 2015 إلى الآن لا يعمل إلا فرن من واحد من أحد الفرنين اللذين يعملان بالتناوب نتيجة نقص الطاقة، ومشكلة المحاجر، مستدركا أن الدولة قامت فى الفترة الأخيرة بحل مشكلة المحاجر، والكرة الآن فى ملعب الشركة الجديدة، حتى تعيد أسمنت طرة إلى سابق عهدها، وهذا ما يستلزم تشغيل الفرنين بكامل طاقتيهما فى الأجل القريب. ويرى محمد رمزى رئيس اللجنة النقابية بأسمنت طرة أن إدارة الشركة الإيطالية كانت تتعمد الخسارة ولا تضخ استثمارات رغم موافقة الدولة علي تخصيص محجر جديد لها بالقرب من المحجر القديم فى طرة، ويطالب بتركيب فلتر لخط «9» وطاحونة فحم جديدة. ويضيف أن الخسارة المحققة 22.3 مليون جنيه فى الربع الأول لا نعتبرها خسارة لأنه لو تم ضخ استثمارات فسيمكننا تعويض الخسارة، متمنيا الإسراع فى حل مشاكل الشركة وأن تقوم الدولة بدورها. ويستطرد: قامت الشركة بنقل مبنى الإدارة المالية الخاص بأسمنت حلوان وأسمنت طرة خارج أسمنت طرة إلى مكان آخر وبتكاليف باهظة، رغم أننا عرضنا عليهم مكانا آخر وهو مبنى مكتب البيع علي الكورنيش لتجهيزه ولن يكون بالإيجار ما يوفر النفقات المستحدثة لوقف نزيف الخسائر إلا أنهم رفضوا. ويطالب بتدخل الدولة لإقالة أسمنت طرة من عثرتها فهى أقدم شركة أسمنت بورتلاند فى مصر حيث أنشئت عام 1927، وكانت تنتج 11 نوعا من الأسمنت والآن لا تنتج إلا نوعا واحد وهو أسمنت بورتلاند، وتم إغلاق مصنع الأكياس والكثير من خطوط الإنتاج، متسائلا: أين الشركة القابضة للصناعات المعدنية؟ فقد عانينا منذ 2006 والمنحنى فى الهبوط منذ 2010 . وعلى الجانب الآخر يرفض رضا عيسى الخبير الاقتصادى فكرة وجود خسائر فى شركات الأسمنت قائلا: لا أستطيع أن أفهم خسارة شركات الأسمنت فى ظل سوق فيه طلب متزايد وحظر استيراد، تحتاج إلى تدقيق شديد للبيانات، موضحا أن شركات الأسمنت الأجنبية المتعددة الجنسيات معظمها تحتاط لعدم استقرار سعر العملة وتقوم برفع الأسعار حتى توزع أرباحا على المالكين الأجانب، فعندها معادلة صعبة تتعلق بسعر الدولار بعيدا عن تكلفة الإنتاج فى مصر فالأرباح تنخفض نتيجة انخفاض سعر العملة المحلية فتلتف حوله فتقوم برفع الأسعار حتى تحافظ على قيمة أرباحها بالدولار فعلى سبيل المثال إذا كانت لافارج الفرنسية تحتاج إلى تحويل مليون دولار مكاسب إلى الخارج فإن هذا كان يعنى أنها تحتاج 6 ملايين جنيه، ولكن الآن تحتاج إلى أكثر من 11 مليونا. وينوه بأن المتابع لتقارير الشركات الأم فى الخارج يدرك قدر المكاسب التى تحققها. مشيرا إلى أن الطلب علي شركات الأسمنت لم يقل بدليل طرح الدولة لرخص جديدة. ويستطرد قائلا: إن الشركات تلجأ إلى ذلك لابتزاز الحكومة وقد ظهر ذلك فى أن الحكومة قررت تأجيل إلغاء الدعم للصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة فى الموازنة الجديدة. لافتا إلى أن تكلفة طن الأسمنت نحو 200 جنيه ولكنه يباع بأكثر من 600 جنيه نتيجة احتكارات وسوق متعطش وتدليل المستثمرين، فالشركات تأخذ الطاقة بسعر مدعم والمحاجر بسعر رمزى، مدللا على ذلك بأن إيراد المحاجر فى الموازنة العامة للدولة قيمة رمزية، وأن هذه الشركات تحذو حذو شركات الدواء فى الضغط على الحكومة من أجل الحصول علي أى مكاسب.