يري البعض ان الارهاب بات من مظاهر الحياة الطبيعية، وبين حوادث القتل الجماعي وسرقة الحسابات البنكية يسعي الغرب الي تعلم كيفية مواجهة شتي مظاهر الارهاب دمويا كان أو رقميا. هذه الايام تتصاعد مخاوف من الارهاب الرقمي والتعرض لهجمات معلوماتية ضخمة بما قد يترك البنوك خاوية علي عروشها! الانذار الامني صدر عن عدة جهات وتناولته مجلة الايكونومست في سياق تقرير بعنوان «ماذا لو؟».وكان السؤال ماذا لو نجح القراصنة في هجوم متطور علي النظام المالي الاوروبي او الامريكي. التقرير رسم صورة لمستقبل الاقتصاد العالمي خلال السنوات القادمة وذلك من خلال وضع تصور لتداعيات بعض الاحداث المهمة، علي الصعيد السياسي هناك احتمال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب برئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية,وعلي الصعيد المالي ربما يكون الارهاب الرقمي هو أبرز تحد . ماذا لو فاز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الامريكية ... توقع التقرير انه بعد مرور مائة يوم علي وجود ترامب في البيت الابيض ان تكون سياسته الخارجية قد تسببت في نشوب ازمات كبيرة مع فشله في الوفاء بوعوده لاسيما فيما يتعلق بحلمه «صنع في امريكا». دعوته لكبري الشركات الامريكية لاغلاق مصانعها في الصين وخطته لبناء جدار عازل علي الحدود مع المكسيك وعلاقاته بروسيا وغيره جعل من ترامب «صانعا للازمات». وما يدعو للسخرية انه قد تخلي عن برنامجه الانتخابي ولم يفرض جمارك علي السلع الصينية او يمنع المسلمين من دخول امريكا (وان كان قد منع استقبال اللاجئين من العديد من دول الشرق الاوسط). ماذا لو نجح القراصنة في الهجوم علي النظام المالي العالمي؟ تشير الهجمات الاخيرة الي مدي خطورة الجرائم الالكترونية بالنسبة للاقتصاد العالمي ,ومن ثم يحذر محللون من تزايد تلك النوعية من الهجمات التي تستهدف القطاع المالي. وتقول شركات الامن المعلوماتي ان مرتكبي الجرائم الالكترونية لم يعودوا يستهدفون فقط مسنين في منازلهم لسلب مبالغ مالية صغيرة، بل يذهبون مباشرة الى حيث يكمن المال (البنوك). وبالطبع البنوك الامريكية والاوروبية تشكل هدفا كبيرا، لاسيما تلك البنوك الصغيرة التي لا تملك الخبرة او لا تحظى بالمساعدة الضرورية لحماية معاملاتها المتنوعة. وكان الهجوم الذي تعرض له بنك اليونان المركزي في شهر مايو بداية حملة شرسة علي مدار ثلاثين يوما ضد مواقع البنوك المركزية في انحاء العالم . وتعكس الهجمات الاخيرة تحولا جذريا في نطاق وخطورة الجرائم الالكترونية بتحولها الي ما يحاكي ما جاء في فيلم «اوشن اليفن» الشهير. ومن اخطر الهجمات التي سجلت هذا التحول وتدعو للقلق في رأي تقرير الايكونومست حادثتين الاولي نجح فيها قراصنة معلوماتيون فى سرقة 81 مليون دولار اودعها بنك بنجلادش المركزي في حساب لدى فرع مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الامريكي) في نيويورك، وتحويلها الى حسابات مصرفية في الفلبين. لكن عملية القرصنة المعلوماتية التي تثير اكبر قدر من المخاوف تبقى اختراق نظام «سويفت» الالكتروني الدولي الذي يستخدمه 11 الف بنك لتحويل اموال والذي يعالج 25 مليون طلب تحويل في اليوم بقيمة مليارات الدولارات. ومجرد فكرة تكرار هذا النوع من الاختراق يثير الفزع وربما يهز الثقة في نظام سويفت وقد يقود الى مراجعة كاملة لنظام الرسائل القصيرة بين البنوك. يمثل القطاع المالي اكثر من 40٪ من اعتداءات الارهاب الرقمي على مستوي العالم، بحسب شركة «سيمانتيك» للامن لمعلوماتي. وعادة ما تتم عملية الاختراق المعلوماتي عن طريق تبديل وجهة معاملات مصرفية لتحويلها الى حساب القراصنة، او سرقة البيانات الشخصية لعملاء المؤسسات المالية. وهو ما وقع في صيف 2014 لبنك «جي بي مورجان تشيس»، اكبر البنوك الامريكية من حيث الاصول، اذ تمت سرقة قوائم تتضمن بيانات 76 مليون اسرة و7 ملايين شركة متوسطة وصغرى. ويهدف نوع آخر من عمليات القرصنة الى السيطرة على خوادم وبلبلة الخدمة او حتى تعطيلها. وعلي سبيل المثال اي حساب بنكي يمكن ان يضاف اليه مبلغ من المال ثم يتم تحويل ذلك المبلغ الي حساب خارجي «اوف شور» دون ان يثير شكوك او فزع صاحب الحساب الاصلي. الامر دفع شبكة سويفت للتعاقد مع شركات للامن المعلوماتي كما عززت قواعد الامن الداخلية. وحاليا هناك اتجاه لوقف التعامل مع البنوك التي تعاني من ضعف اجراءات السلامة. ووفقا لاحد السيناريوهات ربما كانت سلسلة هجمات نواة لعملية كبيرة في قلب النظام المالي العالمي، فنظام التسويات الاوروبي «تارجت 2» الذي يجري تعاملات كبيرة, كان لديه في عام 2015 تدفقات بقيمة اجمالية تصل الي 470 تريليون يورو (520 ترليون دولار), من خلال 88 مليون معاملة، وكذلك في الولاياتالمتحدة شهد نظام المقاصة الالكتروني خلال نفس الفترة 24 مليار معاملة بما يزيد على 41.6 ترليون دولار. ومن ثم فإن الهجوم علي مثل هذه النوعية من النظم المالية قد يكون لها تداعيات مروعة اذا شملت بنوك مركزية لانه بدون تدخل سريع قد ينتهي الحال بالبنوك خاوية علي عروشها. وتدق «جونيبر للابحاث» ناقوس خطر بأن التكاليف السنوية للجرائم الالكترونية علي مستوي العالم سترتفع الي 2.1 تريليون دولار بحلول عام 2019 مقارنة بنحو 400 مليار في 2014 . زيادة الميزانية المخصصة للامن المعلوماتي باتت امرا ملحا في البنوك، فقد اجمع الخبراء على صعوبة تحديد الجهات التي تشن عمليات القرصنة حتى لو ان القراصنة استخدموا تقنيات من النوع المطبق في عمليات التجسس الالكتروني التي تقوم بها الدول، وبالتالي يجب على المؤسسات المالية ان تكون متقدمة على القراصنة.