في إشارة جديدة الي استمرار الفساد في البنوك العالمية, أو ربما كما يفسره البعض بهجوم انتقامي من الأجهزة التنظيمية, علي سبيل العقاب المتأخر علي تجاوزات العاملين في القطاع وقت ازدهاره, تجري السلطات في ثلاث قارات تحقيقات مع ما لا يقل عن15 من البنوك الكبري في احتمال تلاعبها في اسعار الصرف في سوق العملات الأجنبية أو ما يعرف بسوق فوركس الذي يبلغ حجم معاملاته اليومية5.3 تريليون دولار. القضية بدأتها السلطات البريطانية بالتدقيق في أسواق فوركس ForeignExchangcMarket لمدة عامين بسبب شكوك واسعة النطاق بين مستثمرين بخصوص تلاعب محتمل, لكن الأمر لم يسفر عن شيء حتي الصيف الماضي. والتحقيقات التي بدأتها هيئة السلوك المالي البريطاني في لندن- حيث يجري41% من نشاط السوق العالمية للصرف الأجنبي- اتسعت فيما بعد مع تدخل السلطات في الولاياتالمتحدة, سويسرا, هونج كونج. وتشمل بنوك دويتشه بنك, باركليز, سيتي جروب, جولدمان ساكس, اتش اس بي سي, جي بي مورجان تشيس, رويال بنك أوف سكوتلاند, ستاندرد تشارترد ويوبي اس. القضية تصاعدت عندما تبين قيام بنك باركليز بتعليق عمل ستة متداولين علي الرغم من انه لم يتم توجيه أي اتهامات لأي من موظفي تجارة العملة بالبنك, بما في ذلك مدير ادارة الصرف الأجنبي, هذا الإجراء اتخذته خمسة بنوك لحين انتهاء التحقيقات, ومن جانبه أعلن بنك' يو بي اس' عن إجراء تحقيق داخلي حول نشاط تجارة العملة. وتركز التحقيقات علي جوانب كثيرة منها غرف الدردشة والرسائل الالكترونية التي يتبين منها ارسال وسطاء معلومات حساسة عن اسواق صرف العملات بشكل غير قانوني وهناك شكوك قوية من قيام متداولين في البنوك برفع او خفض اسعار الصرف, فمن الاتهامات الموجهة الي بعض البنوك انها دأبت علي دفع عملائها لاستخدام سعر مرجعي محدد في حين كان هناك سعر أفضل متاح ليحصل البنك علي هامش ربح أعلي, وبالرغم من سيولة السوق, حسبما يقول أحد محللي اسواق العملات, لكن أمر بقيمة200 مليون دولار او اقل, عادة ما يكفي للتأثير علي الأسعار. ويري محللون ان الطريقة التي يتم بها احتساب معدلات العملات الأجنبية او اسعار الصرف المختلفة التي يحددها مجموعة تتراوح بين شركات بلومبرج وتومسون رويترز الي البنك المركزي الأوروبي من خلال تجميع الأسعار التي تشتري وتبيع بها البنوك المختلفة كل عملة في وقت محدد. هذه المعدلات هي اسعار مرجعية اساسية, ولكن جزءا ضئيلا, يقل عن10% من التداولات يتم وفقا لها, في حين أن بقية التعاملات تتم علي اساس ثنائي بين البنوك وعملائها, ولكن مثلما كشفت فضيحة الليبور من قبل, أي سعر قياس يعتمد علي أسعار من المشاركين في السوق يكون معرضا للتلاعب في حالة طمع المتداولين, وإذا كانت اسعار سوق فوركس تستند الي تداولات حقيقية وليست تقديرية, الا أن مثل سوق الليبور, سوق فوركس به ايضا متداولون لديهم طمع في الحصول علي علاوات كبيرة. ومن المتعارف عليه حصول المتداولين علي أعلي شريحة رواتب في القطاع ضمنهم من يبلغ مجموع راتبه خمسة ملايين جنيه استرليني أو أكثر سنويا. وسوق فوركس الذي ليس له مقر محدد, فيطلق علي عمليات ما بين البنوك, حيث تتم التداولات من خلال شبكات البنوك هو أكبر سوق مالي ويستخدم من قبل ملايين الشركات, الصناديق, المؤسسات والمستثمرين, ويتم تداول جميع العملات فيه ابتداء من الدولار الأمريكي إلي الفورنت المجري, وتركز التحقيقات علي سوق اليورو- الدولار الأكثر سيولة في العالم التي تمثل ما يقرب من ربع حجم التداولات, وتشمل التحقيقات عملات أخري مثل الجنيه الاسترليني والدولار الاسترالي. البنوك المتورطة في التحقيقات تدرس حاليا الحد من دخول متعامليها غرف الدردشة علي شبكة الانترنت مع البنوك الأخري في ظل التحقيقات الجارية, باركليز وسيتي جروب ضد البنوك التي تنوي اتخاذ تلك الخطوة. المحرر المصرفي للفاينانشال تايمز باتريك جينكينز يقول في مقال له بعنوان تصميم سوق فوركس مدعاة للفساد ان الاصلاحات الجريئة واجبة. ومن خلال التخلي عن آليات التسعير الحالية بحيث يكون هناك بورصات شفافة للتعاملات في العملات الأجنبية وتقليص علاوات المصرفيين التي تشجع علي الممارسات غير القانونية حتي تتمكن البنوك من استعادة ثقة عملائها مرة أخري وتضع حدا لمسلسل الفضائح. ويري جينكينز ان ضغوط التحقيقات المتتالية ستفرض اجراء اصلاحات ضرورية. تأتي قضية التلاعب في سوق العملات الأجنبية في اعقاب فضيحة الليبور التي كبدت خمسة بنوك غرامات بقيمة3.5 مليار دولار من بينها' رابو بنك' ثاني اكبر بنك هولندي الذي دفع1.1 مليار دولار لتسوية التهم. وكذلك' يو بي اس' دفع1.5 مليار دولار. ومن المرجح ان تؤثر التسويات القضائية علي ارباح البنوك وعلي سبيل المثال, في بريطانيا ابدي أحد مسئولي رويال بنك اوف سكو تلاند شكوكه من القدرة علي توزيع ارباح علي الأسهم بسبب ارتفاع تكاليف الدعاوي القضائية, كما أعلن دويتشه بنك, أكبر بنك في المانيا عن تخصيص1.2 مليار يورو للتسويات القضائية ايضا. الممارسات غير المسئولة من قبل المصرفيين وتجاوزاتهم لن تقتصر عقوباتها علي مجرد غرامات مالية فحسب فقد قدمت بريطانيا مقترحا بمسودة قانون بعقوبات قد تصل الي السجن سبع سنوات من اجل الحيلولة دون المخاطرة بدافع تعظيم الارباح او اتخاذ أي قرارات تؤدي الي فشل البنك او الفشل في منع آخرين من اتخاذ تلك القرارات, ويأتي هذا الاقتراح ضمن اصلاحات مقترحة لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي, فوفقا لموقع انقل أموالك هناك2.4 مليون عميل في بريطانيا سحبوا أموالهم من اكبر خمسة بنوك في البلاد في عام2012 بعد سلسلة الفضائح التي نالت من سمعتها, وقال الموقع ان نتيجة الاحصائية التي قام بها تعكس الغضب الشعبي تجاه البنوك الكبيرة وهي: لويدز, بنك اوف سكوتلاند, باركليز, اتش اس بي سي, ستاندرد تشارترد. وكانت حملة انقل اموالك قد دعت عملاء البنوك الكبيرة الي سحب أموالهم لدي تلك البنوك ونقلها الي ما سموه البنوك الأخلاقية, وذكرت الحملة علي موقعها الالكتروني اسماء البنوك الخيرية والاسلامية المرشحة كبديل للبنوك اللاأخلاقية. وفي الولاياتالمتحدة تتعالي انتقادات لوزارة العدل لعدم إقامتها أي قضايا جنائية ضد المؤسسات المالية علي دورها في ازمة الائتمان وان البنوك وموظفيها أكبر من ان يسجنوا. يذكر انه قبل فضيحة الليبور كان الاعتقاد السائد هو الثقة في الأسعار الاسترشادية لكن هناك شكوكا حول التلاعب في الأرواق ويبدي البعض مخاوفه ان يكون التلاعب هو القاعدة وليس استثناء ولذلك تبحث السلطات في انحاء العالم ما إذا كان هناك تلاعب في اسعار أخري, بما في ذلك اسواق النفط الفورية.