يجمع الخبراء والمهتمون بشئون الاقتصاد أن الدين العام أصبح ظاهرة تحتاج إلى حلول عاجلة إذ تلجأ الحكومة إلى الاقتراض لسد الفجوة فى عجز الموازنة والإنفاق ، مما أدى إلي ارتفاع حصة المواطن من الدين العام 32 ألف جنيه مقابل 62 ألف جنيه فى السنوات السابقة، ويحصد هذا الدين كل ثمار التنمية ومحاولات الاستثمار، بل ويمتد لأجيال قادمة ترث ما اقترفناه نحن. طموح الحكومة في الموازنة الجديدة يسير فى اتجاه خفض العجز ليصل إلى 9.7 بالمائة من الناتج المحلى فى مقابل طموح بأن الأول لن يتجاوز مرحلة الأماني فالواقع الذي أكده عمرو الجارحي وزير المالية أن الموازنة الحالية بلغت نسبة العجز بها 11.5 بالمائة، وهذا يعني أن العجز القادم إن لم يكن أعلى سوف يكون بنفس النسبة رغم كل محاولات السيطرة، لأن هذه المحاولات لا تنسف مبدأ الأقتراض أو تحاول تحجيمه. التحقيق التالي يعرض الموقف الحالى للدين العام ودوره فى الاقتراض وفقا لبيانات البنك المركزي ارتفع حجم الدين العام المحلي إلى 2.49 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، وارتفع الدين الخارجي إلى 53.4 مليار دولار ليصل إجمالي الدين العام (المحلي والخارجي) إلى أعلى مستوى في تاريخه وأوضح المركزي أن إجمالي الدين العام المحلي سجل بنهاية مارس الماضي 2.496 تريليون جنيه مقارنة مع 2.016 تريليون جنيه بنهاية مارس 2015 بزيادة قدرها 480 مليار جنيه . وأفاد بأن نحو 90 ٪ من إجمالي الدين العام المحلي مستحق على الحكومة بقيمة 2.247 تريليون جنيه بزيادة قدرها 376.1 مليار جنيه، فيما بلغت نسبة الدين المستحقة على الهيئات العامة الاقتصادية 0.9 ٪ بارتفاع قدره 11.6 مليار جنيه وشكلت مديونية بنك الاستثمار القومي نحو 9.1 ٪ من إجمالي الدين العام المحلي بواقع 226.2 مليار جنيه بانخفاض قدره 7.5 مليار جنيه. وعلى صعيد الدين الخارجي، أوضح البنك المركزي أن حجم الزيادة في قيمة الدين الخارجي بلغت 13.5 مليار دولار مقارنة بمعدله في نهاية مارس 2015 والذي كان يبلغ 39.9 مليار دولار. وأشار المركزي إلى أنه مقارنة بما كان عليه حجم الدين الخارجي في نهاية 2015 فقد بلغ معدل الزيادة 5.4 مليار دولار بمعدل زيادة قدرها 11.2 ٪، مرجعا ذلك إلى زيادة صافي المستخدم من القروض والتسهيلات بواقع 5.1 مليار دولار وزيادة أسعار صرف معظم العملات المقترض بها أمام الدولار الامريكي ما أدى الى زيادة الدين الخارجي بنحو 300 مليون دولار ، وبالنسبة لأعباء خدمة الدين الخارجي المتوسط وطويل الأجل، أشار البنك المركزي إلى أنها قد بلغت 4.3 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2015 وحتى مارس 2016 فيما بلغت الأقساط المسددة نحو 3.7 مليار دولار والفوائد المدفوعة بنحو 600 مليون دولار، وارتفعت نسبة رصيد الدين الخارجي خلال الفترة من يوليو 2015 وحتى مارس 2016 لتبلغ 16.5 ٪ إلى الناتج المحلي الاجمالي. لم ينف وزير المالية عمرو الجارحي تلك البيانات الخطيرة بل وأكدها عندما صرح بأن اجمالي قيمة الدين قدرت ب 2.7 تريليون جنيه، وجاء ارتفاع الدين العام وفقا لرؤية وزير المالية نتيجة للظروف الاقتصادية بالاضافة إلى ارتفاع بنود المصروفات، وفوائد الديون التي ارتفعت من 90 مليار جنيه خلال العام المالي 2010-2011، لتصل حاليا إلى 244 مليار جنيه، كما أن الأجور ارتفعت من العام نفسه إلى 288 مليارا حاليا وأشار إلى سعر الفائدة فى الأذون بالموازنة الجديدة 12 إلى 12.5 والسندات من 14 إلى 14.5، وهو سعر الفائدة الذي تم حساب الدين العام بموجبه فى الموازنة. موضحا أن الحكومة أنهت العام المالي 2015-2016 بعجز يقترب من 11.5 ٪، من إجمالي الناتج القومي الإجمالي المقدر له 2.4 تريليون جنيه، موضحا أن عدم الوصول إلى نسبة العجز المستهدفة، والتي كانت مقررة ب 9.5%، جاء نتيجة عدم تحقق بعض الإيرادات الضريبية، والتي كانت مدرجة مثل القيمة المضافة نتيجة عدم إقرارها، هذا التصريح يكشف حجم المشكلة التى لابد أن تتخذ الحكومة كافة الاجراءات لحسمها . عرضنا المشكلة على الدكتورة عبلة عبد اللطيف رئيس المجلس الاقتصادي الاستشاري وأوضحت أن مشكلة الدين العام كبيرة وصعبة وتحتاج لدراسات كثيرة، مشيرة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي طالب الحكومة بأن يكون أي اقتراض محسوبا من جهة الفوائد والأعباء، وقالت إن المجلس يقدم قائمة مقترحات لكل المشاكل الاقتصادية للرئيس والحكومة لأن دوره استشاري، وهو على اتصال دائم بنواب مجلس الشعب وتقديم المقترحات لهم رافضة الإعلان عن هذه المقترحات لأنها في النهاية تصب في الجهات التنفيذية للدولة. يقول الدكتور على لطفى رئيس الوزراء الأسبق، إن ارتفاع الدين المحلى بهذا الشكل يمثل خطرا على الاقتصاد القومى وقدرة مصر على الالتزام بمديونياتها الداخلية والخارجية. وأرجع تفاقم الدين إلى استسهال الحكومات المتعاقبة سداد عجز الموازنة بالاستدانة، دون النظر إلى المخاطر التى تلحق بالاقتصاد، جراء تراكم هذه المديونية، مؤكدا أن العجز السنوى للموازنة العامة للدولة أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الاقتراض، ومن ثم الدين العام المحلى والخارجى. موضحا أن تفاقم الديون يؤثر على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المحلية الخارجية واستمرار ارتفاع عجز الموازنة، إضافة إلى إعاقة الاستثمار المحلى ومصادر تمويله، نتيجة ابتعاد البنوك المصرية عن دورها الحقيقى، وهو تمويل مشروعات القطاع الخاص، لزيادة معدلات التنمية والاتجاه إلى ضخ السيولة المتاحة لديها فى أذون الخزانة والسندات الحكومية، للاستفادة من هامش الربح المرتفع، مما يعنى أن نسبة كبيرة من السيولة يتم توجيهها لعلاج عجز الموازنة، بدلا من توفيرها للمستثمرين، لبدء مشروعات جديدة وتوفير فرص عمل حقيقية، وحذر الحكومة من أن وصول الدين العام إلى 95.5٪ من إجمالى الناتج القومى تصاحبه مخاطر اجتماعية لأن الارتفاع فى معدل الديون مقابل الناتج المحلى الإجمالى سيؤثر بدوره على نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى. - هل الصكوك هي الحل؟ أوضح محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل و الاستثمار أنه في ظل التطورات التي تشهدها أساليب ادارة الدين العام المتنامي في مصر فإنه يجب الانتباه إلي أن حجم الدين المحلي وأعباء خدمته يمثل تحديا كبيرا مقارنة بالدين الخارجي والذي يمثل نسبة أقل من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بمتوسط منطقة الشرق الأوسط. ولا يمكن التحكم في حجم الدين دون التعرض لعجز الموازنة المزمن الذي عانت منه مصر على مرور الأعوام ومازالت تعاني منه خصوصا خلال الأعوام الأربعة الأخيرة والتي انخفضت فيها الايرادات وزادت المصروفات بشكل مطرد، بينما يمكننا محاولة تخفيض أعباء خدمة الدين عن طريق الإدارة الرشيدة لمحفظة الدين الحكومي. واضاف ضرورة التوجة الي اعتماد الاداة المالية ( صكوك التمويل ) في الوقت الحالي سواء علي المستوي الحكومي مما سيجذب استثمارات عربية خليجية للدخول في سوق الدين بما يرفع من الحصيلة الدولارية من جانب و يخفف العبء عن البنوك المحلية من جانب آخر و يرفع من مساحة البدائل التمويلية المتاحة ، فهناك ضرورة للاستفادة من هذه الاداة في إطار خطة الدولة نحو تطوير الأدوات المالية وتنويعها لزيادة قدرة الشركات و الحكومة وغيرها من الجهات الاعتباريةالمختلفة في الحصول على التمويل، لما في ذلك من أثر إيجابي على زيادة حجم الاستثمار والتشغيل في الاقتصادي القومي، وعلى تمكين تلك الجهات من تنويع مصادر تمويلها، ولتلبية احتياجات شريحة كبيرة من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والشركات الراغبة في تمويل أنشطتها ومشروعاتها أو التوسع فيها عن طريق الصكوك. مثلت أدوات الدين المحلى نسبة متصاعدة من ودائع وحدات الجهاز المصرفى، فى الوقت الذى تراجعت فيه معدلات توظيف القروض إلى الودائع على مستوى القطاع ككل ، وهو الدور الرئيسى المعنى به البنوك كوسيط مالى لتوظيف ودائعها فى مشروعات تحقق قيمة مضافة لاقتصاد البلاد ، و يري أنه لا بد من وضع حد أقصى للاستدانة الداخلية وحجم طروحات الأوراق المالية التى تنوى طرحها من إجمالى ودائع البنوك، وأن يكون لديها مؤشر يربط بين محفظة استثمارات البنوك فى أدوات الدين، وبين إجمالى الودائع المتوفرة لدى وحدات الجهاز المصرفى، إذا كانت تهدف فعليا لإنعاش الأسواق ومحاربة الركود الاقتصادى ، و في حال تطبيق ذلك سيكون على وزارة »المالية« تقليص حجم الطروحات لفترة زمنية؛ حتى تهبط بالمؤشر للحدود الآمنة التى تسمح لها باستئناف الاقتراض، وهو ما سيدفع البنوك حتما لبذل المزيد من الجهد للبحث عن قنوات بديلة لتوظيف ما لديها من سيولة وتوجيهها لقنواتها الصحيحة، عبر ضخها بسوق القروض والتسهيلات الائتمانية للشركات وأصحاب المشروعات. على الرغم من استمرار وزارة المالية في زيادة السندات ذات الآجال المتوسطة في مقابل أذون الخزانة ذات الآجال قصيرة الاجل وبناء منحنى عائد لإصدارات الحكومة، من خلال اصدارات منتظمة لآجال مرجعية (1.5، 3، 5، 7، 10 سنوات) وإعادة فتحها لخلق سيولة في جانب المعروض من السندات؛ إلا أن نشاط السوق الثانوي لسندات الخزانة مازال ضعيفا حيث يبلغ النشاط نسبة 1.1٪ من إجمالي الإصدار، وذلك حتى في ظل زيادة المعروض من الإصدارات بالإضافة إلى تركز المستثمرين في سندات الخزانة لهذا نري ضرورة الاسراع بخطوة تفعيل سوق السندات الثانوي بالبورصة المصرية، حيث إن السوق ما زال ضعيفا وغير عميق، وتستحوذ البنوك على كل تعاملاته، وذلك على عكس الأسواق الأخرى عالميا المتوافر بها أسواق ثانوية نشطة مما يسمح بتوفيرتمويلات متوسطة و طويلة الاجل للشركات. ويستدعي ذلك اتخاذ حزمة من الاجراءات المتكاملة لتعزيز قدرة السوق الثانوي لسندات الخزانة ومنها توسيع قاعدة المستثمرين، واستحداث آليات مثل بيع وإعادة شراء السندات، وتوحيد تسوية الأذون والسندات لتفعيل آليات تسليف الأوراق المالية الحكومية، والمحافظة على الإصدارات المنتظمة وخلق نقاط مرجعية في كلٍ من سوق الإصدار والتداول وكذلك توحيد نظام التسوية للأوراق المالية الحكومية لتعزيز سيولة السندات، حيث تساهم سيولة السوق الثانوي في تخفيض تكلفة تلك الأوراق من خلال خفض عائد الإصدار، هذا بالإضافة إلى إعادة النظر في نظام طرح العطاءات ونظام التداول بالسوق الثانوي . - حلول عاجلة يوضح د.مصطفى النشرتي أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة مصر الدولية ان الدين المحلى تجاوز المعايير الدولية لحدود الأمان والتى تضع نسبة 06% من الناتج المحلى الأجمالى باعتبارها النسبة الآمنة ، مضيفا ان البنك المركزي الأوروبي قام بدور كبير تجاه دول اوروبا عندما تنازلت له البنوك المركزية في كل دولة عن حقها في ادارة الدين العام ليقوم هو بالتدخل إذا ما تجاوز الدين ال 06% ويفرض اجراءات تقشفية وتدابير كثيرة وحدث ذلك في فرنسا ، وإذا ما نظرنا للدين العام في مصر نجد أنه أصبح 97% من الناتج المحلى ويشكل خطرا حقيقيا يهدد الاقتصاد المصري. ويقول د.النشرتي إنه على الحكومة اتخاذ حلول عاجلة لخفض الدين ومنها مبادلة الديون المتراكمة على الدولة لدي البنوك بنسب مشاركة في الشركات الرابحة ، ذلك لأن البنوك توجه 40% من ودائع العملاء لشراء اذون خزانة وهذا يتناقض مع الدور التمويلي للبنوك فضلا عن أن هذه الأذون يتم بيعها للبنوك بأعلى فائدة تصل الى 61% وهذا يحمل الموازنة العامة للدولة عبء فوائد الدين ، فإذا تم مبادلة الديون بنسبة في شركات القطاع العام الرابحة سوف يؤدي ذلك الى خفض الدين العام بنسبة 40% وعودة الدور الاستثمارى والتنموي للبنوك ، وقال دكتور النشرتي إن الدولة لديها مشروعات رابحة يمكنها استغلالها في التنمية والخروج من دائرة العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة فضلا عن ان وجود البنوك في هذه المشروعات يؤدي الى تنويع الملكية والادارة وهذا يرفع كفاءة العمل في هذه الشركات ، واقترح ان تكون هناك خطة لخفض العجز على مدار خمس سنوات يتم خلالها السيطرة بشكل كامل على الدين المحلى ، وأشار إلى أهمية أن تقوم الهيئات التابعة للدولة والتى تحقق ارباحا مثل الهيئة العمة للاسكان والتعمير بطرح سندات حكومية لتمويل مشروعاتها وبهذا يرفع كاهل هذا الهيئات من على الحكومة وتكتفي بالهيئات الخاسرة ، وأشار النشرتي الى أن القطاع العام مازال يمثل ثلث الاقتصاد وله أهمية كبيرة واستغلال البورصة في تطويرة وطرح نسب مشاركة منه في سوق الاوراق المالية سوف يساهم في تنشيط الاقتصاد ، كما ان التفكير في تنمية الصناعة بشكل جاد سوف يكون له دور في خفض العجز الكلي للموازنة، موضحا أن نصيب المواطن المصري من الدين العام، ارتفع إلى 32.5 ألف جنيه مصري في نهاية مارس 2016، مقارنة ب 26 ألف جنيه فى نهاية مارس من العام الماضي.