تمثل الفجوة التمويلية التى تواجهها مصر منذ سنوات مأزقا صعبا دفع الحكومة إلى طرق أبواب العديد من المؤسسات المالية الدولية والاقليمية إلى جانب التوسع فى الاقتراض الداخلى لسد العجز. حجم الفجوة التمويلية يدور حول 03 مليار دولار فى السنوات الثلاث القادمة منها 21 مليار دولار فى العام المالى الجديد. من ناحية أخرى يحذر الخبراء من آثار التوسع فى الاقتراض الداخلى بينما يرى آخرون أن اللجوء إلى صندوق النقد قد ينطوى على سلسلة من الاجراءات الاقتصادية المؤلمة. هنا تحقيق يدور حول سبل التعامل مع أزمة الفجوة التمويلية وتداعياتها المستقبلية. تشير بيانات الموازنة الجديدة للعام المالى 2017-2016 إلى ان العجز النقدى الذى يمثل الفجوة بين حجم المصروفات والمتاح من ايرادات الدولة يمثل 305 مليارات جنيه بنسبة 4.9% من الناتج المحلى الاجمالى ويمثل العجز الكلى 319.5 مليار جنيه بنسبة 9.8% من الناتج المحلى الاجمالى ويلاحظ ان صافى الاقتراض الذى تحتاجه الموازنة يبلغ 7.913 مليار جنيه مقابل 251.3 مليار جنيه فى موازنة 2015-2016 بزيادة قدرها 4.86 مليار جنيه. ويكشف د. محمد معيط -نائب وزير المالية لشئون الخزانة - انه تتم حاليا مناقشة البيان المالى فى مجلس الشعب وتلقى تعليقات الاعضاء على بعض بنود الانفاق والعجز وحجم الدين. ومن المستهدف الوصول بمستوى العجز من 7% الى 8٪ خلال عام 9102-0202، ومن المقرر ان يتم تمويل العجز من خلال اذون الخزانة والسندات ويتم اثناء العام المالى البحث عن مصادر تمويل اخرى بتكلفة معقولة وانه بمجرد الانتهاء من مناقشة الموازنة فى مجلس النواب واعتمادها سيتم البدء فى البحث عن مصادر التمويل. وزشار إلى ان موازنة العام الماضى لم تشهد اى تمويل من صندوق النقد الدولى وانه منذ 1يوليو 2015 لم تشهد الوزارة اى مفاوضات مع صندوق النقد الدولى فيما يخص تمويل الموازنة. وعلى صعيد آخر اظهرت بيانات وزارة التعاون الدولى انه تم الاتفاق مع البنك الدولى لتمويل عجز الموازنة فى ديسمبر الماضى بمبلغ 3 مليارات دولار على مدار 3 سنوات بواقع مليار لكل موازنة وان الامر متوقف على موافقة مجلس النواب. أوضح د. فخرى الفقى -مستشار بصندق النقد الدولى سابقا-انه يقصد بالفجوة التمويلية الفرق بين مدخرات الدولة وايراداتها ويرجع وجود هذه الفجوة إلى ضعف المدخرات الحكومية وعند طرح معدل العجز من حجم مدخرات قطاع الاعمال العام والخاص ينتج لنا نسبة المدخرات الموجودة فى الدولة والتى تمثل 13% وهى نسبه ضئيلة جدا لا تكفى لتحقيق معد ل نمو يتناسب مع معدل النمو السكانى فالمطلوب لتحقيق معدل نمو مناسب ان يكون ضعف معدل النمو السكانى على الاقل اى 5% ولتحقيق هذا المعدل نحتاج نسبة مدخرات من 18% إلى 02% من الناتج المحلى الاجمالى وتبلغ الفجوة التمويلية حوالى 30 مليار دولار على مدار ال3 سنوات القادمة نحتاج منها حوالى 12 مليار دولار فى السنة الاولى لكى نسير وفق البرنامج الاقتصادى الذى اعددته الحكومة ووافق عليه مجلس الشعب. وهناك مصدران لتمويل هذه الفجوة: الاول لا يمثل اى عبء على الاقتصاد وهو الاستثمارات الاجنبية والتى تعتبر منافع متبادلة بين الدولتين. وطالما الاستثمار ليس بالقدر الكافى نلجأ للاقتراض وحتى اليوم تم تدبير حوالى 02 مليار دولار لمدة 3 سنوات من خلال القروض التى استطاعت وزارة التعاون الدولى الحصول عليها واغلبها قروض ميسرة نسبة المنحة بها تصل إلى 60% وفترة سداد تصل إلى 53 سنة وسعر فائدة 5.1%. وتطرق د. فخرى إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولى واشار إلى ان هناك تخوفا لدى الحكومة المصرية من الاقتراض منه حيث اعلن المسئولون فى الصندوق فى الاجتماع الاخير لهم ان مصر لم تتقدم بطلب للحصول على قرض ولكن الصندوق على استعداد لمساعدة مصر فى حالة رغبتها فى الاقتراض. واشار د. فخرى إلى انه قد آن الأوان ان تستفيد مصر من وجودها فى الصندوق خاصة ان لنا اموالا تمثل حصتنا فيه؛ فالصندوق يعتبر بيت خبرة دولى وسوف يراجع البرنامج الاقتصادى لمصر للتأكد من ان مكوناته تضمن تعافى الاقتصاد وسداد ما عليه بما لا يضر بالفقراء نظرا لأن قيمة القرض تأخذ من حصص الدول الاخرى كما انه آن الأوان ان تستفيد مصر من الخبراء والامكانيات المالية الهائلة بالصندوق خاصة بعد ان طلب الصندوق زيادة الحصص به. - مزايا وعيوب أشارت د. شيرين الشواربى -أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة- إلى ان لكل اسلوب فى تمويل العجز بالموازنة مزايا وعيوب؛ فالدين الداخلى يمتاز بالاستقلالية ولكن يصعب الاعتماد عليه بشكل كلى ولفترات طويلة لانه سيؤثر سلبا على الاستدامة المالية، لذلك فمن المهم الاخذ فى الاعتبار نسبة الدين الداخلى إلى الناتج المحلى الذى يستمر فى الزيادة منذ فترة وهو ما يعتبر امرا مقلقا، اضافة إلى تأثيره السلبى على معدلات التضخم ومعدل النمو. اما الاقتراض الخارجى فنسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى مازالت آمنة وليس هناك تخوفات منها ولكن يجب التأنى والدراسة الكافية للاقتراض الخارجى فى ظل تقلب سعر الصرف ومدى توافر العملة الاجنية اضافة إلى ان الاقتراض الخارجى يتطلب جدارة مالية معقولة وهو ما لا يتوافر حاليا فى ظل الظروف الراهنة ودرجة عدم اليقين التى يتصف بها الاقتصاد المصرى كما انه يرفع من تكلفة الاقتراض لذلك ليس امام مصر الا الاتجاه إلى مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الدولى والبنك الدولى والتى تتسم بمعدلات فائدة منخفضة وفترة سماح تصل إلى خمس سنوات، وليس صحيحا ان هذه المؤسسات تفرض شروطا معينة وانما تطلب ايضاحا من الدولة عن كيفية سداد تلك الاموال وفى حالة عدم امتلاك الدولة لبرنامج اصلاح اقتصادى تقترح هى روشتة لعلاج المشكلات الاقتصادية منها زيادة ايردات الدولة خاصة الحصيلة الضريبية واجراء اصلاحات على جانب النفقات من اجور ودعم وغيرها وكلها امور بحاجة للاصلاح لذلك ليس من الضرورى الحكم على الاجراءات المطلوبة من خلال مصدرها فهى بالنهاية مطلوبة ويجب اتخاذها. كما ان أهم من البحث عن مصادر التمويل هو البحث فى كيفية خفض هذا العجز وهنا تجب التفرقة بين نوعين من العجز أولهما العجز الناتج عن زيادة استثمارات الدولة ويكون حالة طارئة ويتوقع ان تقوم عوائد الاستثمار بزيادة معدلات النمو وهنا لا يمثل العجز مشكلة، اما العجز الآخر فهو ما ينطبق على الموازنة المصرية وهو العجز الناتج عن زيادة النفقات الجارية ويمثل مشكلة ضخمة لانه فى حالة عدم تدخل الدولة للتحكم فى هذا العجز سيزيد مع مرور الوقت نظرا لعدم وجود عوائد تقلل من هذا العجز، كما ان مصر ما زالت تعانى من مشكلة فى جانب الايرادات خاصة الحصيلة الضريبية فهناك مشكلة فى كفاءة التحصيل وضيق القاعدة الضريبية. واوضحت د. ماجدة شلبى -استاذ الاقتصاد بالقسم الفرنسى بجامعة القاهرة - ان مصر من حقها الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى بقيمة 4.9 مليار دولار بنسبة 300% من حصتها التأسيسية فى الصندوق اسوة بما فعلته الهند. واشارت إلى ان مصر لديها تخوف من الاقتراض الخارجى لما حدث فى الماضى فى فترة الثمانينيات عندما تخطى حجم الدين الخارجى الحدود الآمنة وبعد انتهاء هذه الازمة لم تعد تلجأ الدولة للتوسع فى الاقتراض الخارجى واعتمدت بشكل كبير على الاقتراض الداخلى حتى تراكم الدين الداخلى وتخطت نسبته 08% من حجم الناتج المحلى الاجمالى ويتعدى ذلك الاتفاقات الدولية التى تشير إلى عدم تخطى الدين الداخلى06٪ من حجم الناتج المحلى، وعدم تخطى نسبة العجز 3٪ من الناتج المحلى الاجمالى، وترتبت على ارتفاع نسبة الدين الداخلى اضرار كثيرة للاقتصاد منها اثر مزاحمة الموازنة للقطاع الخاص من خلال توسع الحكومة فى اصدار اذون وسندات الخزانة على النحو الذى ادى لاضعاف فرص القطاع القاص فى الاقتراض لتمويل استثماراته المختلفة. واقترحت د. شلبى عدة سياسات لاصلاح المالية العامة لتقليل حجم الفجوة بين الايرادات والمصروفات اهمها الاستمرار فى معالجة مشكلة الدعم من خلال الاستمرار فى الخفض التدريجى للدعم وبخاصة دعم الطاقة والاستمرار فى سياسات الاصلاح الضريبى ومكافحة التهرب وتوسيع القاعدة الضريبية حيث تعد الضرائب من المتغيرات الحاكمة فى حد الاستدامة والعمل على الانتهاء من تطبيق قانون القيمة المضافة لكى تحل محل الضريبة على المبيعات خاصة انها اداة لتوليد الاموال والمزايا الايجارية وهى تتميز بقدرتها على القضاء على التهرب الضريبى خاصة انها تلاحق السلعة فى جميع مراحل انتاجها، كما تعتبر نسبة الضرائب للناتج المحلى الاجمالى نسبة ضئيلة اذا ما قورنت بدول اخرى حيث تبلغ نسبة الضرائب فى مصر %13 فى حين تصل فى دول اخرى كالبرازيل وتركيا إلى 17%.